حسناً فعلت الكنيسة الأرثوذكسية بأسيوط حين أصدرت بياناً أمس الأول أكدت فيه أنها لم ترشح أحداً ولم تؤيد أحداً في الانتخابات البرلمانية القادمة.. وأنها تحث الأقباط والمصريين جميعاً علي المشاركة الايجابية والحرص علي الادلاء بالصوت واختيار أفضل المرشحين لصالح مصر. وعلقت الكنيسة هذا البيان علي أحد الأعمدة الموجودة ببهو كنيسة مارجرجس.. وقد قيل ان سبب اصدار البيان هو تداول بعض الشائعات حول دعم الكنيسة لمرشحين علي حساب مرشحين آخرين. وفي يقيني أن هذا الموقف الناضج سياسياً ودينياً ووطنياً سوف يساهم في تخفيف حدة التوتر والاستقطاب الطائفي الذي يجري تسويقه وتصعيده يوماً بعد يوم في ظل مناخ مرتبك وفوضوي.. ومن الصعب أن تسمع خلاله صوتاً عاقلاً ومتزناً. المنطق السليم يتطلب اليوم من مؤسساتنا الوطنية والدينية ومن رموزنا أن تتحدث بلسان الوطن وتنأي بنفسها عن الصراعات الانتخابية حتي تتوافر في البلد مرجعية عالية غير متورطة.. وأول هذه المؤسسات المطالبة بذلك الأزهر والكنيسة.. حيث ينبغي أن تكون عيونهما علي الدولة وعلي الشعب بصرف النظر عن الانتماء الطائفي أو الديني. يجب أن يقول الأزهر للشعب في ظروفنا الصعبة لابد من المشاركة الايجابية في الانتخابات لأنها شهادة وأمانة يؤديها المؤمن باعتبارها مسئولية دينية ووطنية. وإذا كانت هناك بعض الأصوات الجاهلة المتورطة في الفتنة تروج لحث الناس علي عدم التصويت للمسيحي أو الليبرالي أو الشيوعي فان علي الأزهر أن يدحض هذه الدعوات المتطرفة ويعلن علي الملأ أن التصويت يجب أن يكون للأصلح.. للحزب أو للمواطن المخلص لوطنه القادر علي تحمل مسئولية التشريع والرقابة علي أداء الحكومة.. البعيد عن الفساد والمفسدين.. الذي يبحث عن خدمة الناس وليس الفوز بالحصانة لمآرب خاصة.. والمعيار هنا هو الصلاحية ليس أكثر.. فالوطن في حاجة إلي من يصلح من أحواله الفاسدة بصرف النظر عن الدين.. فكلنا مصريون.. وكلنا نسعي لرفعة الوطن وازدهاره. وقد أكدت التجارب أن الهوية الدينية لا تعطي لصاحبها حصانة مباشرة ضد الفساد.. ولا تعطي صكاً بالصلاحية والتقوي والكفاءة.. فهناك مسلمون أفسدوا البلاد والعباد وهناك مسيحيون شاركوا أيضاً في الفساد.. وهناك مسلمون صالحون وقادرون.. ومسيحيون صالحون وقادرون.. وهؤلاء هم الذين يجب أن يتجه الناس لاختيارهم حتي تنصلح أحوال البلد. والكنيسة الأم مطالبة أيضا بأن تقول للناس جميعا.. للمصريين جميعا.. اختاروا الأصلح والأكفأ.. اختاروا من حسنت سمعتهم وتأكدت قدرتهم علي الدفاع عن حقوق الشعب المصري كله.. وليس الدفاع عن المسيحيين فقط. عليها أيضا أن تقول وبأعلي صوت انه لا خلاص للمسيحيين وحدهم.. ولا حقوق ولا مطالب لهم سوف تتحقق إلا من خلال الخلاص الجماعي للمصريين جميعا.. فمشكلاتنا واحدة.. وتحدياتنا واحدة.. وأزماتنا واحدة.. ويوم أن تحل أزمات البطالة والفقر والصحة والاسكان والمواصلات ستنتهي حدة التوتر والاستقطاب والتطرف.. وستعود حياتنا أكثر هدوءاً واستقرارا. أعرف أن القضية حساسة وصعبة.. وأعرف أنه ليس من السهل الخوض فيها.. لكننا لابد أن نحاول ونجتهد ونجرب حتي يأتي اليوم الذي ينتخب المصريون المسلمون المرشح المسيحي الأصلح وينتخب المصريون المسيحيون المرشح المسلم الأصلح.. ويأتي اليوم الذي يتقدم المرشح فيه إلي جمهور الناخبين بصفته مصرياً يحمل رؤية وبرنامجاً وليس بصفته مسلما أو مسيحيا.. ويتجاوز بذلك حدود الطائفة ليحلق في سماء الوطن. ولابد أن نحاول ونجتهد ونجرب حتي يأتي اليوم الذي لا يكون فيه المسلمون كتلة تصويتية واحدة ومتميزة في مواجهة اخوانهم المسيحيين.. ولا يكون المسيحيون كتلة تصويتية واحدة ومتميزة في مواجهة اخوانهم المسلمين. نريد أن نعود إلي طبيعتنا المصرية.. إلي المجتمع الواحد المتجانس المتماسك.. الذي يذوب فيه الجميع ولا يتمايزون أو يتنابزون بالدين وبالطائفة.. فكل له دينه.. وكل يعبد الله علي طريقته.