خطا الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر خطوة أولية جيدة حين قدم للمصريين "وثيقة الأزهر بشأن مستقبل مصر" في أواخر شهر يونيه الماضي لتحديد طبيعة المرجعية الاسلامية للدولة المدنية في 11 بندا بعد حوار مطول مع مجموعة من المثقفين الذين دأبوا علي التوجس من هذه المرجعية والخوف من أن يتم اختطاف مصر الي دولة دينية قمعية ومستبدة. وجاء في ديباجة هذه الوثيقة الرائدة أنه تم التركيز علي القواسم المشتركة لتحديد المباديء الحاكمة لفهم علاقة الاسلام بالدولة وذلك في اطار استراتيجية توافقية ترسم شكل الدولة العصرية المنشودة ونظام الحكم فيها وتدفع بالأمة في طريق الانطلاق نحو التقدم الحضاري بما يحقق عملية التحول الديمقراطي ويضمن العدالة الاجتماعية. واليوم.. تفرض علينا التطورات المتلاحقة أن يخطو فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر خطوة ثانية لصالح الوطن وضمان أمنه واستقراره وسلامته.. وذلك باجراء حوار مشابه للحوار الأول من أجل اصدار وثيقة ثانية بعنوان "وثيقة الأزهر بشأن الوحدة الوطنية". أعرف أن الشيخ أحمد الطيب قام بتشكيل "بيت العائلة" ليكون مؤسسة للحوار والتفاهم بين أبناء الوطن الواحد من مسلمين ومسيحيين اتقاء للفتن وتجنبا لأية مصادمات تنتج عن سوء فهم أو سوء تصرف.. وهذا جهد مشكور بلاشك.. لكن الوثيقة التي أدعو اليها ستوفر غطاء فكريا ومعرفيا لمفهوم الوحدة الوطنية.. كما ستوفر ضمانات للمتخوفين واطمئنانا لمن يبحثون عما يطمئنهم. وليس خافيا أن هناك قطاعات في المجتمع المصري تفهم دينها فهما مغلوطا.. وتتصور أن الالتزام الديني يجب أن يكون علي حساب الآخرين.. ولذا فسوف تصدر وثيقة الوحدة الوطنية لتصحح هذا الفهم وترد الأمور الي أصولها.. وتقول للناس كل الناس وبلسان الأزهر إن مصر المتدينة هي مصر المتحابة الآمنة.. هي مصر الحرة التي ينعم كل من يعيش علي أرضها بحريته الدينية والعقائدية.. ويمارس شعائره بالشكل الذي يراه دون قهر أو إجبار أو خوف.. طالما أنه لايضر أحدا ولا يضر بمصالح الدولة العليا. حين يقول الأزهر في وثيقة الوحدة الوطنية إن الاسلام يكفل حرية العقيدة لكل أبناء الوطن.. ويقبل التنوع والتعدد الديني.. ويدعو الناس الي حسن المعاملة وحسن الجدل.. فسوف تتغير أشياء كثيرة.. وتتوقف الدعايات المغرضة والمناوشات الجاهلة. وحين تؤكد الوثيقة علي أن المواطنة هي أساس كافة الحقوق الدستورية والقانونية في هذا البلد.. وهذه الحقوق متساوية للجميع بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الجنس أو اللون فسوف تطمئن القلوب الخائفة من شعارات الشريعة والهوية والمادة الثانية من الدستور.. لقد ورثنا هذا الوطن عن آبائنا وأجدادنا وحدة واحدة ولحمة واحدة.. وعلينا أن نجتهد لنسلمه لأبنائنا وأحفادنا أكثر التحاما وتطورا واستقرارا.. وهذا يستدعي أن يوجه الأزهر رسالة معرفية إلي صناع الفتن لكي يتوقفوا عن ممارسة جهلهم في الشوارع والميادين.. ويتوقفوا عن اثارة الخوف والفزع في النفوس باسم الدين.. ويوجه رسالة أخري الي شركاء الوطن اخواننا المسيحيين لكي يطمئنهم بأن هذا الوطن وطنهم وليس حكرا لأحد من دون الآخرين.. ولا تمايز فيه لأحد علي أحد الا بالعمل والعلم والاجتهاد والاخلاص.. ولهم فيه من الحقوق ما لإخوانهم المسلمين وعليهم من الواجبات ما علي إخوانهم تماما بتمام.. ولن يتأتي ذلك الا من خلال وثيقة الوحدة الوطنية. وهكذا سوف يكون مطلوبا من الوثيقة المقترحة أن تقدم ثلاث ضمانات أساسية : ضمان حق المواطنة المتساوي للجميع.. وضمان حرية العقيدة والعبادة.. وضمان عدم التمييز أمام مؤسسات الدولة في التعليم والوظائف والرعاية وغيرها. ومن الممكن أن يبدأ فضيلة شيخ الأزهر حواره حول هذه الضمانات والوثيقة الجديدة مع عدد من القساوسة والرموز المسيحية من خلال "بيت العائلة".. ثم يتوج هذا الحوار بلقاء موسع وعميق مع البابا شنودة ورؤساء الكنائس والطوائف الأخري في مصر.. وحبذا لو صدرت وثيقة الوحدة الوطنية باسم الأزهر والكنيسة معا.. لاشك ستكون هذه خطوة رائعة نحو المستقبل.