من نعم الله علينا أن جعل في قلوبنا رحمة ومودة.. وحب مساعدة الغير.. وخير مثال علي ذلك ما نقوم به من أعمال خيِّرة وجليلة في المواسم والأعياد الدينية التي نحتفل بها.. كذلك ما إن نسمع عن مريض يريد مساعدة حتي نهب كلنا لمساعدته بصورة تدعو للعجب.. ورغم هذه الروح الطيبة التي نتمتع بها إلا أن الحلو دائماً لا يكتمل ففي ظل الرغبة في تقديم المساعدات نجد من يسخر نفسه للشيطان ويفكر وينفذ أعمال نصب مستغلاً طيبة الشعب المصري وأسوق لذلك عدة أمثلة.. فقد كنت أصلي ذات يوم في أحد المساجد فانبري واحد من المصلين وأمسك بالميكروفون وطلب المساعدة لأحد المرضي في حاجة إلي إجراء عملية جراحية تتكلف نحو 12 ألف جنيه.. وكان صوت هذا المدعي لا ينم عن أي كذب أو نصب.. وصدقه الناس.. وراح الكثيرون يتسابقون لدفع ما قدرهم الله وجمعوا ما جمعوا من التبرعات وأخذها الرجل مسرعاً لكي يلحق المريض بالمستشفي.. واختفي عن الأنظار.. وتبين أنه نصاب.. فلا يوجد مريض ولا توجد عملية ولا يوجد مستشفي أصلاً. ومرة أخري كنت في أحد المساجد وكان به عدد من الصناديق بها متوفين الذين جاء بهم ذووهم للصلاة عليهم.. وفجأة دخل نحو أربعة أشخاص يحملون صندوقاً وضعوه بحانب الصناديق الأخري وراحوا يستجدون المصلين لجميع أي تبرعات لهذا المسكين الذي توفي وأهله في عوز شديد.. ونجحوا بالفعل في جمع تبرعات لا أعرف كم بلغت ولكن عدداً كبيراً من المصلين تبرعوا ومنهم من تبرع بسخاء. وعندما انتهت مراسم الصلاة وحمل أهالي المتوفين صناديق موتاهم بقي صندوق واحد. وقام عامل المسجد بالنداء علي أهل صاحب هذا الصندوق ولم يظهر أحد ثم اكتشفوا أن الصندوق خال ولا يوجد به أحد واكتشفوا أن العملية كلها كانت نصباً في نصب. والحقيقة أن هناك الكثيرين الذين يعرفون ويقدرون مدي كرم المصريين وتراحمهم وينتهزون فرصة.. أي فرصة لكي يحاولوا النصب علي الغير.. كأن يقابل شخص.. شخصاً لا يعرفه ويدعي معرفته مدعياً أيضاً أنه في ورطة وأنه سعيد لأن عثر علي صديق زمان ويحاول خداعه بأن يحصل منه علي معونة وقد ينجح وقد لا ينجح. وهناك أهمية أخري للمناسبات والأعياد الدينية حيث تتباري الجمعيات الخيرية في الحصول علي تبرعات الناس.. وتفعل من أجل ذلك كل ألوان الدعاية الممكنة مثل الإعلانات في المحطات الفضائية والصحف وهي إعلانات مكلفة للغاية ولا أدري كيف يمكن طلب المعونة من خلال الإعلانات وليس الأمر يقتصر علي ذلك بل إن إعلانات هذه الجمعيات امتدت إلي التحدث في التليفون وإلي الإزعاج في أجهزة المحمول. المهم أن الجمعيات جمعت الكثير والكثير جداً من التبرعات ولا أدري هل طلب التبرعات من خلال الإعلانات جائز أم لا فالإنفاق علي الدعاية يتم من خلال ما تم جمعه من تبرعات لأجل منفعة محددة ومن أجل مصلحة للغلابة. الحقيقة راودتني هذه الأفكار.. وقد انتهت أيام عيد الأضحي المبارك بإجازته الكبيرة التي امتدت إلي نحو تسعة أيام.. وكانت نتيجة هذه الإجازة الطويلة أن كانت القاهرة هادئة تماماً والمرور قمة الانضباط بينما سافر الكثيرون إلي السواحل والمنتجعات السياحية للاستمتاع ببعض أيام من هذه الإجازة. أما البسطاء فقد وجدوا في الذهاب إلي الحدائق والمتنزهات والرحلات النهرية متعتهم.. بصراحة لقد تمتع الكثيرون بهذه الإجازة. وعيد الأضحي المبارك هو عيد التضحية والفداء كما هو معروف كما أنه عيد "اللحوم والفتة" وهو أيضاً عيد التراحم والمودة حيث يتم توزيع اللحوم علي "الغلابة".. بدون معروفة وبدون أي سبب إلا البر والتعاون وتحقيق المحبة والإخاء. ولم يعد الأمر مقصوراً علي الحصول علي اللحوم من الجزارين أو من الجمعيات التي أعلنت عن صكوك الأضاحي ولكن من الذين يفضلون "الذبح".. وكنت أعتقد أن الحكومة قررت تحديد أماكن يتم فيها الذبح حرصاً علي الصحة العامة ونظافة المدينة.. ولكن للأسف حدث أن الكثيرين راحوا يذبحون الأضاحي في الطريق أو في مداخل البيوت وسالت الدماء بصورة مقززة ومؤذية والواضح أنه إذا كانت الحكومة قد سبق أن حددت بعض المواقع لكي يتم الذبح فيها إلا أنها لم تستطع توصيل المعلومة إلي الناس.. فلجأوا إلي الذبح في الشوارع. والحمد لله أن عيد الأضحي هو المناسبة الوحيدة التي تكثر فيها الذبائح.. وأيضاً تكثر فيها المودة.. والمحبة.. وأيضاً الطعام. وبالمناسبة فإن معظم أعيادنا ومناسباتنا تقوم علي الطعام.. ففي عيد الفطر يحلو تناول الأسماك والحلوي من الكعك والبسكويت وفي المولد النبوي تتفنن المصانع في صنع الحلوي.. فهو موسم "حلوي المولد النبوي" وهي عادة مستمدة منذ العصر الفاطمي. أما رأس السنة الهجرية وهو العيد الذي صدر قرار من رئيس وزراء مصر بطرس باشا غالي باعتبار أول المحرم عيداً مصرياً تعطل فيه المصالح والدواوين والشركات وقد صدر القرار بذلك يوم 20 يناير 1909 وتم تنفيذه اعتباراً من سنة 1327 هجرية الموافق 23 يناير سنة 1909. أما أصل التقويم الهجري فإنه يعود كما يُروي إلي عمر بن الخطاب الذي جعل هجرة الرسول عليه السلام من مكة إلي المدينة يوم 12 ربيع الأول الموافق 24 سبتمبر. 622 ميلادية هو تقويم هجري ولكن استخدامه يتم من الميقات القمري طبعاً لمواعيد مولد القمر ونهايته ومازال هذا النظام متبعاً حتي الآن. وعيد رأس السنة الهجرية هذا العام يأتي يوم الثلاثاء 11 سبتمبر وفيه يحتفل المصريون بطهي أشهي ألوان الطعام وتتجمع الأسر بعضها ببعض حول مواد الغذاء. أما الاحتفال بيوم عاشوراء فهو يختلف من مسلم لآخر. فإن أهل السُنَّة يحتفلون بفرح وتناول ألوان من الحلوي والأطعمة أما أهل الشيعة فإنهم يحتفلون به احتفالاً كله غم في غم وحزن في حزن حتي موائد الطعام التي يقيمونها بهذه المناسبة هي موائد حزينة كما يطلقون عليها.