في يقيني أن قضية استعادة الهوية المصرية من أهم القضايا التي تناولها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال لقائه بالشباب في مؤتمرهم السادس مطلع الأسبوع الجاري بجامعة القاهرة ان لم تكن أهمها علي الاطلاق. هذا ليس تقليلاً من المناقشات المهمة التي جرت حول القضايا الأخري السياسية والاقتصادية والأمنية وأيضاً الاجتماعية بقدر ماهو تعظيم لفكرة استعادة القيم المصرية الأصيلة خاصة وأن كل الملفات تصب في هذا الاتجاه. من تطوير التعليم إلي تجديد الخطاب الديني إلي تحديد مفهوم حرية الإبداع. لقد تعرض المجتمع المصري خلال العقود الماضية إلي حالة تجريف للعقول. من تعليم هش يعطي شهادات ولايقدم تعليماً حقيقياً يفيد البلاد والعباد إلي غلو في الخطاب الديني جعل الكثيرين ينفرون من الدين نفسه إلي فنون ضحلة ساهمت في شيوع الخلاعة والانحطاط تحت شعار حرية الإبداع. الفن والسينما علي وجه الخصوص لعبت دوراً كبيراً في تغييب العقل المصري والعربي خاصة بعد ظهور ما يسمي بسينما المقاولات عقب نكسة 67. وليس مهماً إن كان الأمر قد حدث بقصد أو بحسن نية. فالنتيجة التي وصلنا إليها تؤكد خطورة ترك الحبل علي الغارب. وبمناسبة السينما فقد شاهدت بالصدفة الأسبوع الماضي وأنا أتنقل بين القنوات لقاء مع المخرج الكبير محمد فاضل علي قناة "نايل سينما" يتحدث فيه عن "الانتاج التآمري" وهو مصطلح يثير الفضول ثم كرر نفس الكلام علي قناة "دي.ام.سي". المخرج الكبير قال ان ما تتعرض له السينما لايمكن حصره فقط في الإنتاج التجاري الذي يبحث عن الربح أياً كانت نوعية الأعمال التي يقدمها. فهناك نوع آخر من الإنتاج يمكن إدراجه ضمن المؤامرة علي البلاد. فالعدو الذي فشل في هزيمتنا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً أصبح يركز علي العقول من خلال تمويل أعمال تتعارض مع ثقافتنا مثل المبالغة في الأكشن والبطل الذي يأخذ حقه بيديه بما يكرس لمفهوم الغاء دولة القانون. "فاضل" تناول تجربته مع السينما الجادة وتحديداً مع فيلم "ناصر 56" مشيراً إلي أن ماحققه في هذا العمل يثبت أكذوبة مقولة "الجمهور عاوز كده" فقد حقق نجاحاً استثنائياً خلال عرضه الأول محققاً أعلي الإيرادات باثني عشر مليون جنية بينما تكلفة الفيلم لم تكن تتجاوز ثلاثة ملايين جنيه فقط. هذا الاقبال الكبير تكرر خارج مصر سواء عند عرض الفيلم في الدول العربية أو الهند. بما يدلل علي أن السينما الجادة مثل كل الفنون لها جمهورها ومن الممكن أن تحقق النجاح بالمفهوم التجاري أيضاً بشرط أن يتم تقديمها بصورة جيدة وليس علي طريقة الأفلام التسجيلية. وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي قد لاتعجب البعض أو تدخلنا في حالة من الجدل نحن في غني عنها فإننا يمكن أن نخرج بفائدة مهمة من كلام مخرج كبير مثل محمد فاضل بأن حرية الإبداع ليست مطلقة ولكنها مرتبطة بمدي تأثيرها سلباً أو إيجاباً علي قيم المجتمع. مثلما نخرج بفائدة أخري مفادها أنه يجب التعامل مع "الفنون" السينما وغيرها من منظور انها ضمن عناصر الأمن القومي وليس فقط القوة الناعمة فهي تساهم في تشكيل حالة الوعي لدي الناس. ولابد من وقفة حقيقية ليس بمنع أو حظر أفلام بعينها ولكن بتمويل إنتاج أعمال جادة حتي لاتصبح الخلاعة والانحطاط خياراً إجبارياً أمام الجمهور. [email protected]