لو سألت بعض من يتصدون للدفاع عن "الابداع" و"حرية الابداع" ويكيلون الاتهامات ل"الرقابة" وللسطة التنفيذية والدينية باعتبارها جهات قمعية وانهم السبب في تخلف الفنون الجماهيرية "السينما والدراما التليفزيونية" لو سألت هؤلاء: ما هو "الإبداع" الذي تعنيه؟ وأي نوع من المنع والقمع يتعرض له المبدعون؟؟ وهل يمكن تعريف الإبداع من وجهة نظرك؟؟ إن الإبداع كلمة مطاطة جدا تستخدم في أحيان كثيرة في سياق يجعلنا نتصور أن الإبداع عند هؤلاء هو حرية ممارسة السفالة والبذاءة والابتذال المرئي و المنطوق. ولديهم الحجة المصطنعة التي أجدها تجسيداً لذات الانحطاط والتي تتكئ علي مفهوم مغلوط للواقعية وهي أن الفنون الجماهيرية تعكس صورة الشارع. أي شارع؟!! إن الدراما ليست الشارع "بعبله" و"صعاليكه" المرصوصين باستنطاع علي الكراسي فوق الارصفة هؤلاء يمكن أن يكونوا موضوعاً لفيلم يخضع لرؤية ويعيد النظر في هذه الصور المعتادة لكي يتناولها بطريقة ليست معتادة حتي يعيد انتاج "الشارع" من منظور اجتماعي ووفق تحليل يفيد الناس داخل البيوت التي تستقبل هذا "الشارع" في الأعمال الفنية ولكن بعد تحويله إلي دراما بأفكار مفيدة طازجة تلقي الضوء علي الظواهر الاجتماعية التي شوهت الوجدان الجمعي وهزت أخلاق المجتمع وقيمه المستقرة في مرحلة من مراحل التطور التي نشهدها. "الإبداع" لا يعني نقل الشارع حرفياً إلي البيوت أو استلهام اللغة الغوغائية والتعبيرات الواقحة المستجدة لأفراد الأسرة لأن الحرية لا تعني طمس الثوابت واقتلاعها واقتحام البيوت بالنساء سيئة السلوك والمدمنين والمنحرفين والمشوهين من الجنسين وكذلك يعني التطبيع مع شتي أشكال الشذوذ بصورها الجديدة الوافدة المتجددة التي يروج لها "الشارع" الدرامي. إن الابداع "حالة عقلية بشرية تأتي بأفكار طازجة ووسائل جديدة تماماً ومتفردة للتعبير عنها وبحيث تشكل اضافة حقيقية للانتاج الفني الإنساني.. وتكون ذات فائدة حقيقية علي أرض الواقع". والابداع شكل من أشكال التعبير عن حالة ثقافية واجتماعية بأسلوب جديد يعكس العواطف والمشاعر الإنسانية وفي تعريفات أخري : الابداع هو الإتيان بجديد أو اعادة تقييم القديم بصورة جديدة ومبتكرة أي ليست مستهلكة ومكرورة وممقوتة إنسانياً واجتماعياً كما يحدث علي الشاشات الكبيرة والصغيرة هنا في مصر. ومن صور الابداع : أن تري ما لا يراه الآخرون وأن تعالج المألوف بطريقة غير مألوفة. والابداع هو تنظيم الأفكار وظهورها في بناء جديد انطلاقاً من عناصر موجودة. إنه الطاقة المدهشة لفهم الواقع وانتزاع ومضات خلاقة ومبتكرة من معطياته. "إنه طاقة عقلية هائلة فطرية في أساسها. واجتماعية في نمائها. مجتمعية إنسانية في انتمائها". والابداع أيضاً مزيج من القُدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي إذا وجدت بيئة مناسبة يمكن أن ترقي بالعمليات العقلية وبالمدارك الإنسانية. فالابداع يعني انتاج جديد وغير مسبوق يُثمر ناتجاً جديداً وغير عادي يتقبله المجتمع لفائدته. إنه التميز في التفكير والانجاز وإضافة غير موجودة في الانتاج القائم. إنه الاصالة والابتكار والقيمة الاجتماعية المؤثرة وهو احد العناصر التي تساعد الإنسان علي الإحساس وإدراك المشكلات وتبين مواقف الضعف.. إنه أيضاً القدرة علي ابتكار أفكار جديدة مفيدة ومقبولة اجتماعياً عند تطبيقها. والمبدع هو الشخص القادر علي التوصل إلي أفكار أصيلة ليست موجودة واستعمالات لها غير مألوفة وأن يمتلك صفات خلاقة تتسم بالطلاقة والمرونة والحساسية. لقد عرف تاريخ السينما المصرية عدداً من المخرجين يمكن أن تنطبق عليهم صفة "مبدع" بعضهم استعان بأعمال أدبية لمؤلفين أضافوا إلي هذا النوع الفني غير قليل من صفات الابداع وذلك من خلال أفكارهم الأصيلة وتناولهم المبتكر لمشكلات المجتمع والإنسان المصري علي امتداد تاريخه. وفي معاركه مع القوي التي حاولت ايقاف مسيرته. المبدع الحقيقي يمكنه أن يبتكر الطريقة الخلاقة لايصال ما يؤمن به دون الصدام مع "قوي المنع" التي يصعب مطالبتها بالتغاضي عن المحظورات الخاصة بالعقيدة وبالسلام الاجتماعي والأفلام الخالدة في تاريخ السينما شاهدة ومازالت تمثل مرجعاً يدل علي أصالة صانعها وقد تناولت قضايا مجتمعية وعرجت علي التاريخ الاسلامي والتراث الشعبي وعبرت عن المشكلات الحياتية علي نحو تقليدي في الأغلب بحيث لا يمكن وصفه بالابداع ولكن بمقدرونا أن نقول أنها تناولتها علي نحو مفيد ومسل . إن الابداع بمفهومه الحقيقي نادر في الفنون الدرامية الشعبوية. "والبغبغة" بمعني الثرثرة التي تنتاب كثيرين من "حماة الحرية" محض إدعاء. إلا إذا كان المقصود حرية "الهدم" وإشاعة الفوضي القيمية والفكرية باستخدام الأعمال الفنية. لأن الحرية ليست مطلقة حتي في البلدان التي تتشدق "الحريات" والحقبة التي نعيشها تكشف التضارب والتناقض المذهل في مفهوم "الحرية" وحرية التعبير مكفولة والدفاع عنها فريضة ولكن بشروط أشرت إليها في سياق المقال. لروائع "السوفيتية" في مجموعة البلدان الاشتراكية التي كانت تم انتاجها في ظل أنظمة شمولية "ديكتاتورية" "قمعية" أعمال مازالت تدرس وإنما المعادلة التي حقتها نفر من "المبدعين" وبدون ادعاء.