علي مدي سنوات سابقة كان مسرح القطاع العام يتلألأ بالنجوم الكبار الذين قدموا العديد من الأعمال المسرحية التي استمرت لسنوات ومازالت في أذهان المشاهدين أمثال النجم عادل إمام. ومحمد صبحي وسمير غانم وأحمد آدم وأحمد بدير وغيرهم من نجوم الكوميديا. إلا أن مسرح القطاع الخاص فجأة وبدون مقدمات انطفأ بريقه.. وتوقف نشاطه.. لكن ظهرت فرق جديدة تقدم كوميديا ارتجالية من خلال نشاط النجم أشرف عبدالباقي في "تياترو مصر" و"مسرح مصر" .. وبعض العروض المسرحية الاخري. "المساء" توجهت لمجموعة من المخرجين والممثلين والكتاب ونقاد الحركة المسرحية وأساتذة المسرح لمعرفة رأيهم حول توقف نشاط مسرح القطاع الخاص والأسباب التي أدت إلي تراجعه في ظل المتغيرات الحالية.. فماذا قالوا؟! في البداية يقول د.أحمد سخسوخ عميد المعهد العالي للفنون المسرحية الأسبق: تعد جهود المخرج الكبير د.جلال الشرقاوي في مسرح الدولة اضافة كبيرة للفن العربي وعلي مسرح الدولة الذي انهار بسبب تقليده لمسرح القطاع الخاص والذي دمر المسرح المصري وأضاع القيمة الفنية الحقيقية للإبداع. لم يتبق من مسرح القطاع الخاص الذي أغلقت مسارحه أبوابها منذ سنوات عديدة سوي تجربة أشرف عبدالباقي وهي تجربة لا علاقة لها بالإبداع الفني ولا بلعبة المسرح حيث إن الذي يقدمه أشرف له صله مباشرة بالاستكشات والإفيهات واللعب علي أي شيء خارج المضمون وخارج الإبداع وأن المنتج الفني الذي يقدمه عبدالباقي وصل إلي 52 مسرحية في عام 2017 فقط مما يؤكد أن هذه الأعمال تهريج وتعد في حد ذاتها "بيزنس وعملاً تجارياً" لا علاقة له بالفن الأصيل فعلي سبيل المثال المخرج الفرنسي العظيم "جان دوي بارو" كان يقدم في العام الواحد أو في العامين عرضاً مسرحياً واحداً وكذلك المخرج الألماني "بريس" الذي يقدم كل عام عملاً مسرحياً واحداً فالإبداع الفني مثل حمل المرأة الذي يستمر 9 أشهر حتي ينضج بقوانينه الفنية وحتي يحدد رسالته للجمهور فالفن بلا رسالة ليس فناً وبلا إبداع ليس إبداعاً ومن ثم فتجربة "مسرح مصر" ثم "تياترو مصر" ليستا سوي عمل تجاري وتأثيره خطير علي الجماهير إذ انه يفرغ الفن من رسالته ومضمونه ويغيب العقل البشري بعكس المخرج الكبير جلال الشرقاوي في مسرح الفن كان يقدم فناً ورسالة في الوقت نفسه وانتشار مسرح أشرف عبدالباقي ليس سوي تعبير عن انهيار المسرح المصري بكاملة. ويؤكد د. أيمن الشيوي عميد كلية المسرح والسينما بإحدي الجامعات الخاصة: إن مسرح القطاع الخاص يعتمد علي الإبهار وتوظيف التكنولوجيا أي علي عروض الدراما الموسيقية الكبيرة التي تجمع بين الكوميديا والاستعراض والغناء بما يسمي بالمسرح السياحي بهدف الترفيه بالدرجة الأولي ويتم فيه توظيف نجوم الكوميديا والغناء والاستعراض لكن في مصر ليس هناك في مسرح القطاع الخاص أي عناصر إبهار فني لأن المسارح غير مجهزة والتكلفة المادية كبيرة ويلجأ المنتجون للاعتماد علي عنصر واحد من عناصر الإبهار وهو الكوميديا فقط ولا يتم انتاج العروض المسرحية الكبيرة التي تتطلب ميزانيات ضخمة فضلاً عن أن جمهور المشاهدين نفسه اصبح مشغولاً بالسينما والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بجانب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي تجعل أفراد الطبقة المتوسطة لا تذهب للمسرح لارتفاع ثمن التذاكر علي ميزانية كل منهم. تقول د.نبيلة حسن رئيس قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية: كلما انتشر الجدل علي كل ما هو فاسد وصالح في المنتج الفني يكون لصالح الحركة المسرحية وظهور تيارات فنية مختلفة وإن كان هناك اختلاف عليها ومن ثم فالتطور يأتي من القضاء بين العناصر المختلفة. ويقول المخرج المسرحي فهمي الخولي: للأسف عروض مسرح القطاع الخاص كانت تعتمد علي السائح العربي لكن قلة السياحة العربية الآن وارتفاع أجور النجوم والخامات والكهرباء وتكلفة الدعاية والتسويق جعلت المسرح الخاص يختفي علي الرغم من أن الجمهور حالياً يحتاج للترفيه وفي نفس الوقت مطلوب الاعتماد الآن علي المشاهد المصري الذي يعاني من أزمات مالية تجعله ينصرف عن مشاهدة عروض مسرح القطاع الخاص ومن ثم تحتاج للبحث عما يسمي بالمسرح الفقير في الأدوات كبديل للمسرح الخاص وتميزه بالثراء الفني في جوهره ولا يغالي فيه الممثلون في أجورهم بحيث يصبح ثمن التذاكر متاحاً لجميع المشاهدين. أما مسرح أشرف عبدالباقي وأحمد الإبياري فلهما الشكر في عودة الجمهور للمسرح وخاصة مسرح الضحك للضحك والمفروض علي مسرح الدولة التعاون مع التجمعات الشبابية في الجامعات والمدارس والنوادي والشركات لعودة المشاهدين للمسرح علي أن يقدم مسرح الدولة الأرقي والأفضل للناس وفي هذا الصدد نحيي وزيرة الثقافة في قرارها بفتح مسارح الدولة مجاناً يومين من كل اسبوع للجمهور علي أن يكون لهذا المسرح رسالة يساهم بها في تنمية العقل والوجدان المصري. يقول الكاتب المسرحي محمد أبوالعلا السلموني: بصراحة عودة اشكال مسرح القطاع الخاص بمصر للظهور يعد ردة لمسرح العشرينات من القرن الماضي حيث يقدم "الاسكتشات والنمر والفصول" التي كانت تقدم علي كثير من المسارح وهي أشبه ما تكون بمسرح الكباريهات ومن ثم يجب أن تستهدف حالياً الانفتاح علي كل التيارات المسرحية الحلوة والمرة والإيجابية والسلبية التي تمهد لظهور شكل مسرحي جديد ومختلف. يقول الفنان محمود الحديني مدير المسرح القومي ورئيس البيت الفني للمسرح المصري سابقاً: يهتم منتجو المسرح الخاص حالياً بإنتاج عرض مسرحي يتم تصويره لإحدي القنوات الفضائية فقط وليس عرضه لجمهور المشاهدين وذلك يعتبر "سبوبة" للكسب السريع فقط حتي "مسرح مصر" لولا احتضان إحدي القنوات الفضائية لهذه الفرقة لما استمرت حتي الآن تقدم عروضها وهي عبارة عن اسكتشات فنية وقديماً كانت توجد فرقة الريحاني وفرقة إسماعيل ياسين والمسرح الحر وغيرهما حتي إن فاطمة رشدي انشأت فرقة مسرحية باسمها من مالها الخاص وقدمت بها عروضاً متميزة ولكن هذه الفرق لم تجد الدعم الكافي لكي تستمر خصوصاً بعد ظهور التليفزيون الذي أهتم فقط بتكوين فرق مسرحية تقدم عروضاً لشغل ساعات الارسال وتجاهل دعم تراث هذه الفرق المسرحية الخاصة حتي كتب لها شهادة الوفاة واندثر تراثها لأنها لم تجد الدعم المالي للاستمرار. يقول الممثل والكاتب المسرحي مصطفي سعد: أغلق مسرح القطاع الخاص منذ منتصف فترة التسعينات ولن يعود مرة اخري رغم أن ملامحه بدأت في الظهور في مسرح أشرف عبدالباقي وأحمد الإبياري ولكن لن تستمر هذه العروض. لأن هذه الظاهرة كانت مرتبطة بالمشاهد العربي أو السائح العربي الذي لم يعد موجوداً الآن. يقول الناقد المسرحي أحمد خميس: عودة مسرح القطاع الخاص مسألة صعبة للغاية. لكونه يسمح للمنافسة الشرسة بين مجموعة من الفرق المسرحية وبينها وبين عروض مسرح الدولة وإذا كان رأي بعض المسرحيين يري أن هذا النوع من المسرحيات من النوع السيئ لكن بعد فترة من عرضها للجمهور سوف يتطور للأفضل إذ إن المنافسة تتطلب تقديم الأفضل للفوز برهان سباق السوق وما يقدم الآن علي مسرح مصر لأشرف عبدالباقي يحمل الكثير من الافكار التي يمكن تطويرها للأفضل مستقبلاً. خاصة أن قدرات المؤلف والمخرج نادر صلاح الدين الذي يمتاز بتنوع افكاره وقدراته علي تفجير الكوميديا بأشكال مختلفة هو الآن يقدم طرقاً وأساليب مسرح الفودفيل الفرنسي بشكل جذاب لجمهور المشاهدين كما أن العروض التي يقدمها مع فرقة مسرح مصر تعتمد علي ممثلين شباب يمتازون بالموهبة ويمكن استثمارها بشكل رائع في المستقبل. يقول د.مصطفي سليم رئيس المركز القومي للمسرح المصري السابق: ظاهرة المسرح التجاري ظهرت في أواخر السبعينيات تجربة شديدة الخصوصية ويجب أن نفرق بين مسرح التليفزيون ومسرح القنوات الفضائية والمسرح الخاص لأن تجربة المسرح الخاص تعتمد علي شباك التذاكر بالدرجة الأولي أما مسرح القنوات الفضائية يتم انتاجه لتصويره وعرضه في هذه القنوات الفضائية وبالتالي لا يهتم بشباك التذاكر. وعروض المسرح التجاري تتجاوز ساعات بينما مسرح القنوات الفضائية لا يتجاوز ساعة أو ساعة ونصف الساعة بعد اضافة الاعلانات وبالتالي قاطرة مسرح القطاع الخاص لها منظومة إدارية ومالية تختلف عما يقدم الآن في مسرح أشرف عبدالباقي. كما أن تجربة المخرج خالد جلال مع الفنان محمد رمضان علي مسرح الزعيم بالهرم تجربة تخضع لأنظمة وقواعد المسرح التجاري والعنصر المشترك بين عروض هذه المسارح كلها هي فكرة إرضاء الجمهور وانتاج الضحك والمتعة الفنية والتسلية لكن هنا يجب أن نذكر باحترام شديد تجارب مسرحية للمسرح التجاري الذي كان له قيمة فنية ومضمون راق مثل مسرحية "ريا وسكينة". وأعمال فرقة جلال الشرقاوي وفرقة محمد صبحي خاصة مرحلة الثنائي محمد صبحي ولينين الرملي وهناك ايضا تجارب نعتبرها نموذجاً لفن الفارس "الكوميديا الهزلية" والتي لها قواعد متوازنة في فن الكوميديا مثل مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" و"هالو شلبي" وكل أعمال الراحل فؤاد المهندس فهي مدارس تدرس في فنون الكوميديا ومن ثم فالممصلحة المسرح المصري أن يعود المسرح التجاري لممارسة نشاطه الفني مرة اخري علي أن يتفرغ مسرح الدولة للتجارب الفنية الطليعة وتطوير الحركة المسرحية والتجريب في المعامل المسرحية وتقديم كلاسيكيات فنون المسرح الراقي سواء كان معرباً أو عالمياً.