حي القباري من أشهر أحياء الإسكندرية.. جاءت شهرته من صاحبه الذي سكن وجعله عامرا بما انشأه فيه.. هو محمد بن منصور بن يحيي القباري ولد وعاش بالإسكندرية سنة 587 ه.. ولم يترك الإسكندرية طوال حياته إلا لسفره لأداء الحج.. كان زاهداً ورعاً فقيها.. صابرا علي ابتلاء الله.. فقد كان يعاني من ضعف في السمع.. وفقدان الشم.. ولا يعرف طعم وتذوق الطعام أو غير ذلك.. ورغم ذلك كان صابرا غير ساخط ويسأل رفاقه أن يعيدوا عليه ما كان في مجالس العلم التي كان يحضرها ولا يستطيع أن يسمع منها شيئا ويقول تلميذه ناصر البدني بن المنير في كتابه "مقامات سيدي القباري" أنه كان لا يشم طيبا أو رديئا.. ولم يكن يعرف طعما لما يأكل وكان يقسم بأنه لا يأكل بشهوة منذ زمن طويل ولا يأكل إلا سداً للحاجة. وقد ورث القباري عن والده وأخيه الذي مات داراً خربة وبستاناً برمل الإسكندرية.. ويروي أنه كان في دار أبيه غرفة علوية منعزلة كان ينقطع فيها يشكو إلي الله ما ناله من إهانات أصحابه ويدعو عليهم وكان الله سبحانه وتعالي يستجيب لدعائه ولهذا تراجع عن الدعاء علي أحد.. وأيضا امتنع عن الدعاء لأحد. وعندما سكن في الدار التي ورثها آثر أن ينعزل عن الناس لفترة طويلة.. ثم قرر أن ينتقل إلي غرب الإسكندرية في المنطقة التي عرفت باسمه حتي الآن.. وكان المكان الجديد قفراً إلا أنه كان به قصر اثري قديم متهدم أنشأ حوله بستانا وأطلق عليه غيط القباري.. كان الهدف من بعده عن رمل الإسكندرية هو أن يعيش في عزلة وفي هذا قال "وزنت الأحوال بميزان الاعتبار فوجدتها لا تصلح إلا بالعزلة.. ويعلم الله أني أفضل الوحدة في الحياة وبعد الممات" وربما لهذا السبب لم يتزوج طيلة حياته فلم يكن له صاحبة ولا ولد. ويقول ابن المنير.. كان القباري قوي البنية شجاعا مقداما لا يخاف ولا يجبن تبرز شجاعته وتتجلي جرأته بحيث يمكن أن يتصدي لجماعة وهو مفرد فيتغلب عليهم بقوة بدنه وبعمق إيمانه وفي ذلك قال "إذا أخذت مطرقة ولقيت ثلاثين رجلا لا أبالي بهم فالمطرقة كفيلة بتأديبهم.. كان يري العمل عبادة وفريضة والسؤال مذلة ومهانة. ويروي أن الملك الكامل حاول مقابلته وذهب حتي باب البستان إلا أن القباري لم يقابله وانصرف راجعاً فلم يكن يبحث عن الملوك أو ليطرق أبوابهم ولكنه قبل مقابلة الظاهر بيبرس وطلب منه تعمير الإسكندرية. توفي القباري في الإسكندرية عام 662ه عن 75 عاما دفن في بستان "غيط القباري" وأقيم علي ضريحه مسجد صغير قام بتوسيعه محمد سعيد باشا في القرن 19. المهم أنه بعد وفاته وصل الخبر إلي دمشق فصلوا عليه صلاة الجنازة وكان ذلك بعد شهرين من وفاته ودفن بالإسكندرية.