تحل علينا بعد أيام ليلة النصف من شعبان التي لها منزلة خاصة في نفوس المسلمين .. فمن المعروف أنها الليلة التي تم فيها تحويل قبلتهم من المسجد الأقصي إلي المسجد الحرام تلبية من الله عز وجل لأمنية رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم الذي كانت تهفو نفسه دائما للتوجه لمكة التي ولد وتربي فيها بعد أن هاجر إلي المدينة مرغما للابتعاد عن بطش قريش .. فأمره الله بتحويل القبلة حتي تهدأ نفسه وتقر عينه ويطمئن قلبه. إلا أن هذه الليلة المباركة لها فضل كبير حتي إنها سميت ب "ليلة البراءة" أو "ليلة الشفاعة" وحول سبب تسميتها كذلك يقول د. إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية إن ليلة النصف من شعبان سميت "ليلة البراءة" أو "الغفران" أو "القدر" وجميع هذه التسميات لا مانع منها شرعًا .. فالمعني المراد من ذلك أنها ليلة يقدر فيها الخير والرزق ويغفر فيها الذنب. وهو معني صحيحى شرعًا. وموافقى لما ورد في السنة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: فَقَدْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وآله وسلم ذَاتَ لَيْلَةي. فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعى رَأْسَهُ إِلَي السَّمَاءِ. فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ. أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ!". فقُلْتُ: وَمَا بِي ذَلِكَ. وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ. فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ تَعَالَي يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبي -وهو اسم قبيلة"- كما ورد عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: "إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا» فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَي سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: "أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِري فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقى فَأَرْزُقَهُ؟ أَلَا مُبْتَلًي فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا. أَلَا كَذَا..؟ حَتَّي يَطْلُعَ الْفَجْرُ". أضاف أن الله سبحانه وتعالي عظم هذه الليلة حيث ينزل علي جميع خلقه مغفرته ورحمته إلا المشرك أو المشاحن .. لذلك ننصح المسلمين في هذه الليلة المباركة أن يبتعدوا عن كل ما يؤدي إلي الفرقة والشحناء التي تفسد الود والمحبة بينهم وأن يكونوا عباد الله إخوانا يتعاملون مع بعضهم البعض بنفس صافية حتي يستقبلوا رمضان بأعمال متقبلة فينالون من نفحاته ويقبلهم الله جل شأنه في رحابه. حدث عظيم يقول د. حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر إن ليلة النصف من شعبان شهدت حدثا عظيما وهو تحويل القبلة من المسجد الأقصي إلي الكعبة المشرفة وكان الهدف من وراء ذلك هو طمأنة قلب النبي صلي الله عليه وسلم الذي كان يتمني أن يكون المسجد الحرام هو قبلته وكذلك لتقوية إيمان المسلمين يقول جل شأنه "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه" .. فالله سبحانه وتعالي يعلم قيمة البيت الحرام في نفوس المؤمنين ولكنه جعل قبلتهم المسجد الأقصي ليختبر إيمانهم ومن منهم سينصاع لأوامره ويسلم وجهه لله ومن سينقلب علي عقبيه ويتبع مظاهر الجاهلية.. مؤكدا أن تحويل القبلة من المسجد الأقصي للكعبة الشريفة ليس تقليلا من شأن المسجد المبارك وإنما لإعادة المسلمين لقبلتهم الأصلية التي رفع قواعدها سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام قال تعالي "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين". أَضاف أن الله سبحانه وتعالي ينزل في هذه الليلة إلي السماء الدنيا ويفتح أبواب مغفرته لعباده جميعا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" .. لذلك يجب أن يحرص المسلمون علي اغتنام الفرصة ونيل مغفرته جل شأنه. الرد علي لغط اليهود أكد د. عبد الغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر أن الله سبحانه وتعالي أمر بتحويل القبلة ليرد علي اللغط الذي كان يروج له اليهود حول قبلة المسلمين .. حيث صلي رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد الهجرة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وهو يتوجه لبيت المقدس بهدف تأليف قلوب أهل الكتاب للإسلام ولكن لما لم يجد استجابة منهم توجه بقلبه إلي السماء وأخذ يقلب وجهه ويتمني تحويل القبلة إلي الكعبة المشرفة دون أن يطلب ذلك صراحة من الله عز وجل حتي استجاب ربه لرغبته وأمره بتحويل القبلة كي تقر عينه. أشار إلي أن المسلمين عليهم اغتنام المنة والهبة التي يمنحها الله لهم في ليلة النصف فيكثرون من الدعاء والصيام والصلاة حتي ينالوا مغفرته ورضوانه فعن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يطلع علي عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين. ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم".