ليلة النصف من شعبان من الليالي المباركة التي كرم الله فيها نبيه صلي الله عليه وسلم بتحويل القبلة من المسجد الأقصي إلي المسجد الحرام استجابة لرغبته الشديدة وحبه لمكة التي ولد وتربي فيها وكان يشتاق إليها فؤاده وتهفو نفسه لها بعد أن هاجر إلي المدينة مرغما وابتعادا عن بطش قريش.. فأراد الله أن يعوضه فأمره بتحويل القبلة حتي يطمئن قلبه. حول أثر ليلة النصف من شعبان في حياة النبي صلي الله عليه وسلم والمسلمين من بعده يقول د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء إن تحويل القبلة من المسجد الأقصي إلي الكعبة حدث عظيم في تاريخ أمتنا الإسلامية يغفل عنه كثير من المسلمين رغم أن الهدف منه تقوية إيمان المسلمين وتنقية نفوسهم من شوائب الجاهلية. يقول تعالي وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه".. فالبيت الحرام كان يحتل مكانة عظيمة في نفوس العرب فأراد الله أن ينقي قلوب المؤمنين مما علق بغير الله فتكون العبودية له وحده جل شأنه واتباع منهج الإسلام لذلك اختار سبحانه المسجد الأقصي ليكون قبلتهم ليختبر من منهم سيتبع الرسول ويسلم وجهه لله تسليما ومن سيتعلق قلبه بمظاهر الجاهلية وينقلب علي عقبيه. أضاف أن تحويل القبلة إلي الكعبة الشريفة لم يكن تقليلا من شأن المسجد الأقصي لكنه ربط قلوب المسلمين بالبيت العتيق الذي رفع قواعده سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام ليكون قبلة الإسلام والمسلمين فيعود بذلك المسلمون لقبلتهم الأصلية. قال تعالي "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين".. وجاء تحويل القبلة في وقت كانت تشتاق فيه نفس النبي صلي الله عليه وسلم لأحب البلاد إلي قلبه مكة فأراد الله جل شأنه أن يطيب خاطره ويستجيب لما يهوي قلبه ولتقر عينه. أكد أن الله سبحانه وتعالي عظم ليلة النصف من شعبان حيث يفتح فيها أبواب مغفرته يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه لذلك يجب علي كل مسلم أن يحرص علي نيل مغفرة الله سبحانه في هذه الليلة فيصوم نهارها ويقوم ليلها. ليلة مباركة يقول الشيخ صبري عبادة مستشار وزارة الأوقاف إن تحويل القبلة من بيت المقدس إلي بيت الله الحرام جاء ردا علي اللغط الذي كان يردده اليهود حول اتجاه الرسول صلي الله عليه وسلم إلي المسجد الأقصي لذلك كان يقلب النبي الكريم وجهه في السماء متمنيا أن تكون قبلته هي الكعبة المشرفة فنزل قوله تعالي "قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره".. وكان عليه الصلاة والسلام يصلي الظهر وقيل العصر ونزلت الآية بعد أن أتم الركعتين الأوليين فاتجه في الركعتين الأخريين إلي المسجد الحرام. أشار إلي أن ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة ولها قيمة دينية كبيرة وقد ورد عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالي ينزل فيها لغروب الشمس إلي السماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له؟ ألا مسترزق فأرزقه؟ ألا مبتلي فأعافيه... ألا كذا ألا كذا حتي يطلع الفجر".. كما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يطلع علي عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين. ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم".. وغير ذلك من الأحاديث التي وردت في فضل هذه الليلة المباركة.. لذلك علي المسلمين أن يغتنموا هذه الليلة فيكثروا من الدعاء والصيام والصلاة ويتقربوا إلي الله جل شأنه حتي ينالوا مغفرته ورحمته ورضوانه. حكم كثيرة أكد الشيخ عبد الناصر بليح وكيل أوقاف الجيزة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم صلي بعد الهجرة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا تجاه بيت المقدس بوحي من الله تعالي لحكم كثيرة منهاپتأليف قلوب أهل الكتاب للإسلامپ.. ولما رأي أنه لا فائدة من ذلك أخذ يقلب وجهه في السماء كي يحول الله عز وجل وجهه إلي القبلة دون أن يطلب ذلك من الله صراحةپ.. فاستجاب الله لرغبته الدفينة وأمره بتحويل القبلة إلي حيث تهفو نفسه. وحول الدروس المستفادة من حادث تحويل القبلة يقول الشيخ بليح إن أهمها مداراة السفهاء وعدم الاهتمام بهم قال تعالي:"سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم" حيث حصل لبعض الناس -من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود -ارتياب وزيغ عن الهدي وتخبيط وشك فأنزل الله جوابهم في قوله: "قل لله المشرق والمغرب" أي: الحكم والتصرف والأمر كله لله. وحيثما تولوا فثمَّ وجه الله و"ليس البر أن توَلوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله" أي الشأن كله في امتثال أوامر الله. ومن دروس حادث تحويل القبلة كذلك كيفية حب الصحابة لبعضهم البعض فلما تحولت القبلة خشي الصحابة علي من مات وهو يصلي تجاه بيت المقدس فسألوا عن ذلك فأنزل الله عز وجل: "وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم".. ونحن بحاجة إلي إيمان قوي, ولعل هذا الحدث العظيم يشحذ هممنا ويدفعنا إلي عمل مخلص هادف منضبط بالشرع. درس أخر من دروس حادث تحويل القبلة كما يقول الشيخ بليح هو الكف عن ترديد الكلام والشائعات بالقول أو الفعل فقد نهي الإسلام عن الشائعات لخطورتها علي المجتمع الإنساني ككل ولما لها من أثر بالغ علي أمن واستقرار المجتمع.. لذلك علي المسلمين الاستفادة من دروس تحويل القبلة فينبغي علي العبد أن يتحلي بالطاعات التي تؤهله لمغفرة الرحمن. وأن يبتعد عن المعاصي والذنوب التي تحجبه عن هذه المغفرة.