زمان عندما أراد الدكتور ثروت عكاشة وكان مسئولا ايامها عن الآثار المصرية ان ينقذ الآثار المعروفة باسم آثار النوبة وكان عددها 17 معبدا من الغرق في مياه النيل بعد بناء السد العالي وكان قد اصابه اليأس من إنقاذها نظرا لأن تكاليف الانقاذ تتكلف ملايين الدولارات والحالة المالية في مصر لا تسر عدوا ولا حبيبا.. خصوصا وان مصر كانت في طريقها لبناء السد العالي والغرب كله يقف ضدها وكان من المستحيل ان تقوم الخزانة المصرية بتمويل عمليات الانقاذ ومعني ذلك انه اما الحياة لهذه المعابد أو تركها لمصيرها المحتوم في بحيرة السد. كان التساؤل الذي يدور في الأذهان كيف لثورة 23 يوليو ان تشتري رخاء المستقبل بالتفريط في معالم خالدة من تراث الماضي وكيف يمكن أن يكون مستقبلنا مشرقا إلا اذا كان امتداداً لماضينا العريق. كانت الرغبة أكيدة في انقاذ هذه الآثار المصنوعة من الأحجار وبذل الدكتور عكاشة جهودا مضنية لانقاذها وكأنها من بني الإنسان الذي يشرف علي الموت ولا يمكن انقاذه لأن تكاليف العلاج فوق مقدرة المريض وأهله. المهم ان عملية الانقاذ تمت بنجاح بعد ان تم اقناع المنظمات العالمية ودول العالم بالمشاركة في تمويل انقاذ الآثار سواء من خلال التبرعات أو من ايراد عرض مجموعة آثار توت عنخ آمون أو من خلال رسم قدره دولاران يدفعها كل سائح أو قادم لمصر وقد حقق هذا الرسم ملايين الدولارات والطريف ان تحصيله ظل ساريا حتي بعد ان تم انقاذ الآثار وتم بناء السد وربما يكون ساريا حتي الآن. بصراحة تذكرت هذه الوقائع وأنا اقرأ رسالة من احدي السيدات "العواجيز" أي ان عمرها نحو 72 عاما وجدت انها في حالة يأس تام وحزن وبؤس.. بصراحة حالتها تصعب علي أي شخص مهما كان. تتلخص حكايتها في أنها أرملة لديها ابن بلغ من العمر حاليا 47 عاما ولكنه مصاب بخلل عقلي منذ سنوات وعولج اكثر من مرة في حياة والده ولكنه الآن أصبح يعاني كثيرا لدرجة امكانية ارتكابه جريمة وقررت اللجوء لعلاجه في احدي المستشفيات المتخصصة في الأمراض العصبية ولكن العين بصيرة والايدي قصيرة كما يقول المثل ومن اين لها هذه المصروفات الباهظة التي يتكلفها علاج هذه الأمراض لدرجة ان المريض قد يتكلف أكثر من 60 ألف جنيه شهريا ولم يكن أمامها الا مستشفي العباسية الذي به علاج اقتصادي يمكنها سداده ولكن الاجراءات صعبة وقد لا تحتمل. ووجدت مستشفي آخر رسومه معقولة ورغم ذلك تصل إلي نحو ثمانية آلاف جنيه شهريا وطبعا هذا المبلغ غير متوفر خاصة وان العلاج قد يطول لعدة أشهر أو لعام وهي لا تحتكم إلا علي المعاش الذي حصلت عليه بعد وفاة زوجها وتقتسمه هي وابنها لأنه لا يمكنه العمل بشهادة الاطباء. تقول وهي باكية.. هل يموت المريض الذي لا يجد نفقات العلاج وتتساءل ألا يوجد أي حل لمشاكل العلاج للمرضي المفلسين أو المعسرين. عندما قرأت هذه الرسالة وتحدثت مع صحبتها تليفونيا تذكرت كفاح الدكتور ثروت عكاشة لانقاذ آثار النوبة وتدبير التكاليف اللازمة لعملية الانقاذ ولنا ان نتصور ان هذه الآثار الحجرية تجد العناية الكاملة وتسرع منظمات ودول العالم للمساعدة ماليا في انقاذها بينما البشر الذين يصنعون الحضارة لا يجدون الاهتمام الكافي والرعاية المالية المطلوبة لانقاذهم وعلاجهم.. صحيح ان الدولة تبذل جهدها حاليا لتوفير الغطاء الصحي من خلال التأمين الصحي وربما يستغرق تعميم هذا التأمين سنوات وسنوات. الحقيقة ان هذا الموضوع في حاجة إلي حل سريع.. حل عملي دائم لا يعتمد علي الاستجداء أو "الشحاتة".. صحيح ان لدينا مؤسسات خيرية ولكن عددها محدود وتقوم علي جمع التبرعات من الناس.. وأغراضها فيما أعلم محددة وقد لا يدخل فيها المساعدة في تكاليف العلاج. أعود مرة أخري إلي "زمان" حيث كانت هناك أوقاف بوقف كل وقف منها علي غرض إنساني أو ديني معين واليوم ممكن الاستعانة بإنشاء صندوق للمساعدات الإنسانية والعلاجية ومن خلاله يتم وقف مبالغ لعلاج الافراد حيث يتم وضع هذه المبالغ كوديعة لاصحابها ترد لهم بعد فترة ما ومن خلال ريع هذه المبالغ يجري الصرف منها علي علاج المعسرين والمحتاجين. وهناك فكرة أخري لماذا لا تصدر الدولة تشريعا بفرض مبلغ معين وليكن 200 جنيه علي المسافرين إلي الخارج وهم يدفعون آلاف الجنيهات تكاليف سفرهم فلن يضيرهم مثل هذه المبالغ لو دفعوها في صناديق الإنسانية.. ويصل بي الأمر إلي حد اقتراح انشاء صناديق مساعدة في المستشفيات. صراحة من الممكن جدا مساعدة المعسرين لتوفير تكاليف علاجهم من خلال وقف مبالغ معينة يتم استثمارها في أي مشروعات تعطي دخلا أو شهادات بنكية ذات فوائد بالاضافة إلي رسوم السفر.