لعل أهم ما يطالعنا في المجموعة القصصية "سعد وعزيزة والحب" للمبدع الراحل سيد خليل المراغي. محاولة الفنان توظيف الموروث الشعبي في أعماله. وهو موروث يشمل- كما نعلم- المعتقدات والعادات والتقاليد والسيرة والحكاية والحدوتة واللغز والمثل وغيرها. يفيد الفنان من أسلوب الراوي الشعبي- بصورة مباشرة- في قصة "علي الربابة"- لاحظ الاسم- فهي تبدأ بالقول: قال الراوي يا سادة يا كرام.. ثم تتحدث عن الجبل الذي تمخض فولد جراء كثيرة. مالبثت أن تحولت إلي كلاب سمينة. تقاتلت فيما بينها. ثم تحولت إلي أهالي القرية. تهاجمهم بوحشية. ويكتب الفنان قصة "سعد وعزيزة والحب" بأسلوب الحكاية الشعبية التي يلقيها أحد الرواة. فالقصة تبدأ بالقول: "ما أعرفه أن سعداً يحب عزيزة بجنون. وأن عزيزة تعشق سعداً إلي حد الهوس. لكن ما تعرفه أم السعد. وما تعرفه أم عزيزة. غير ما أعرفه تماماً. ثم تمضي أحداث القصة في تناغم مع أجواء الحكاية الشعبية التي تفيد من الموروث في تصوير تدبير أسرتي سعد وعزيزة المكائد. ولجوئهما إلي الجان وأفعال السحر. للتفرقة بين الحبيبين مقابلاً لسعي الحبيبين إلي التخلص من أفعال الشر. أفلحت الأسرتان في التفريق بين العروسين. وأقدمت أسرة عزيزة علي تزويجها بآخر أكبر منها سناً. وأكثر ثراء. لكن عزيزة ترفض أن تسلم له جسدها. فيطلقها. بينما ظل سعد علي حبه لعزيزة. ويعود الحبيبان إلي بيتهما في النهاية. بعد أن تغلبا علي كل أفاعيل الأهل. حتي الناي الذي يلجأ إليه سعد لاجتذاب عزيزة. هو آلة عزف مصرية. اتساقاً مع جو الحدوتة الذي اختاره الفنان إطاراً لقصته. وتلجأ قصة "الحزن في عيون ضاحكة" أيضاً إلي طريقة الحكاية الشعبية.. وقصة "وقال الودع" يدل عليها اسمها. وهي تتناول استكانة الراوي إلي توقعات المستقبل كما ترويها المرأة الغجرية. لكن نهاية القصة ترفض توقعات المرأة ضاربة الودع. وترفض الاعتراف بطوالع المنجمين. والجدة في قصة "مستودع الحكايات" تروي عن سندريللا وست السحن والشاطر حسن وأمنا الغولة والتعلب المكار والدب الشرير إلخ.. وكنت أرجو لو أن الفنان احتفظ لقصة "نعمة"- هذا هو الاسم الذي اقترحه- بجو الحكاية الشعبية. لكنه ضفر بالسرد الروائي عبارات من أغنيات عبدالحليم حافظ!. واللافت أنه كان للمرأة دورها. وقيمتها. في التراث الشعبي المصري العربي. فهي ملكة ووزيرة ومستشارة. وهي تحكم عالماً من النساء يستغنين عن الرجال. وهي ترفض ما لا يتفق ورأيها من المتقدمين لخطبتها. وهي أم تحافظ علي أبنائها وبناتها. ربما أفضل مما فعلته الأم من جهد في رواية محفوظ "بداية ونهاية". وفي قصة "جمل الحامدي" صورة للتكافل بين أبناء الطبقات الشعبية بعامة. وأبناء الريف علي وجه التحديد. إن سعي أهل القرية لشراء لحم الجمل الذي ذبحه الجزار قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. يذكرنا بموقف مشابه في رواية "الأرض" لعبدالرحمن الشرقاوي. وفي أعمال إبداعية أخري لسعد مكاوي ومحمد صدقي ويوسف إدريس وغيرهم "كلنا نشيله. ونلم تمنه عشان الحامدي يروح السوق أو الدنيا ما تنور. ويشتري غيره. المهم نلحق الجمل قبل ما يفطس". لكن الجزارين في قصة المراغي يمثلون- علي نحو ما- من يحيون علي مصائب الآخرين. وثمة التقاليد التي تمنع البنت من لقاء الصبي. فور أن يخرطها خراط البنات. أي حين يدركها البلوغ. حتي لو كانت الفتاة قريبة للصبي: "وكان لما حدث وقع الصدمة علي نفسي. وتبينت لي أشياء كثيرة لم أكن أدركها قبل ذلك. فقد كنت ونعمة في عمرين متقاربين. تفتحت عيناي علي وجه الحياة لأجدها أمامي. حبوناً معاً. وتساندنا علي الجدران نخطو خطواتنا الأولي علي الأرض معاً. ونمنا في فراش واحد إلخ..". والوضع المادي المأزوم يفرض نفسه علي العديد من قصص المجموعة. قصة "الحزن في عيون ضاحكة". عن فتاة رفضت كل من تقدموا لطلب يدها. لأنها كانت تنتظر الزوج الثري الذي يبدل تعاسة ظروفها. وحين التقت بمن وجدت فيه زوجاً صالحاً. تنازلت عن تطلعاتها المادية. وعرضت نفسها زوجاً له. وظلت تدفعه. وتشد من أزره. حتي تحقق له كل ما كان يتطلع إليه. لكنه- في مفاجأة ميلودرامية- يقترن بغيرها!. وتهبنا قصة "امرأة لا تري بعينيها" لحظات إنسانية مؤثرة. حين يقود اللعب الراوي الصغير إلي الاختفاء تحت السرير. فيفاجأ بما لم يتوقعه. وغاب عنه معناه. وان قال له أبوه الذي فطن إلي ما كان يحدث: هذه المرأة- زوجة أبيه- لن تعود إلي بيتنا مرة أخري! أذهب إلي رفاقك والعب معهم!. ومع أن النهاية الكابوسية بدت مفاجأة غير متوقعة- ولعلي أضيف: غير مقبولة- في قصة "أشياء لا تري"- النهاية المفاجئة تطالعنا أيضاً في قصة "تقاسيم علي إيقاع الزمن"- فإن دلالة القصة مهمة من حيث إن للمرأة حقوقها التي لا تقتصر علي الأبعاد الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. لكنها تشمل حقوقها الجنسية كذلك. باعتبارها أنثي! موروثنا الشعبي كنز يجب أن يتنبه إليه المبدعون. وإذا كان مبدعو الغرب قد أفادوا من أساطير أوديب وأجا ممنون وسيزيف وأبوللو وغيرها. فإن الموروث الشعبي المصري. يحفل بالكثير مما يصح استلهامه للأعمال الإبداعية الحديثة في أجناسها الأدبية المختلفة. والقصة القصيرة من بينها. والراحل سيد خليل المراغي سباق في هذا المجال.