يبدو اننا تعودنا علي كوارث السكة الحديد التي تقع كل فترة بسبب الإهمال والاتكالية وغياب الضمير في التفتيش والرقابة والمتابعة لضمان الانضباط في هذا المرفق الحساس الذي ينقل الملايين من البشر يومياً بطول البلاد وعرضها فضلاً عن البضائع!! الغريب اننا في كل فاجعة نسمع نفس التصريحات عن حشد جميع الإمكانيات لنقل المتوفين وعلاج المصابين وصرف التعويضات للأسر المنكوبة ورفع آثار الحادث بالإضافة إلي التحقيقات التي تتولاها النيابة لتحديد المسئول عن الكارثة.. وتتصاعد أحاديث "الشو الإعلامي" لتهدئة غضب الشارع من تكرار الحوادث وعندما تهدأ الأحوال لا يحدث التحرك المطلوب علي أرض الواقع لعلاج مشاكل السيمافورات والمزلقانات وكل أسباب الأعطال المتكررة! فضلاً عن مراجعة أنظمة التشغيل والصيانة وأجهزة مراقبة الحركة بالسكة الحديد لتلافي هذه الكوارث التي تلاحقنا من وقت لآخر وبنفس الأسباب وتؤدي إلي خسائر فادحة في الأرواح والمعدات وإمكانيات الدولة!! ودعونا نسأل بمناسبة الحادث الأخير الذي وقع في محافظة البحيرة منذ أيام وأدي إلي مصرع 12 شخصاً وإصابة 50 منهم 10 في حالات حرجة وخطيرة!! أقول دعونا نسأل: ما معني انفصال عربتين من قطار ركاب واصطدامهما بقطار بضائع محمل بالطفلة.. وتأكيد وزير النقل ان هناك شبهة وراء الحادث بسبب فك المفصل أثناء عبور القطار للتحويلة؟! وهل يكفي أن يصبح المسئول عن ذلك الحادث الدامي مجرد عامل أو موظف درجة عاشرة؟! أم يجب أن نوسع الدائرة ونبحث في الأسباب مكتملة والمعطيات التي تؤدي دوماً إلي هذه الكوارث المتكررة والتي عاصرناها علي مدي سنوات معدودة مضت وأصبحت ظاهرة تؤرق المجتمع؟! بمعني اننا يجب أن نبحث وبشكل عاجل وسريع منظومة العمل في السكة الحديد ومدي صلاحية الخطوط والإشارات الضوئية من الناحية الفنية والمواصفات طبقاً للاشتراطات والمعايير المقررة للتشغيل وفحص الجرارات ومدي صلاحية أجهزة التحكم بها وعربات القطارات وإجراء الصيانة الدورية لها ومدي توافر شروط التشغيل أيضاً من عدمه.. وما هي أوجه القصور والخلل في كل مراحل التشغيل والصيانة والمتابعة ومراقبة حركة القطارات علي الخطوط من الاسكندرية إلي أسوان؟ إننا لا نريد تقديم كبش فداء في هذه الكارثة وفقط لمحاكمته بقدر الرغبة الملحة في علاج أوجه القصور التي تطل برأسها في كل مرة وتؤدي إلي سقوط دماء غزيرة وعزيزة علي القضبان فضلاً عن تعطيل الحركة وضياع الوقت والجهد وتحمل خسائر مادية تقدر بالمليارات من الجنيهات وتترتب علي هذه الكوارث.. وبالتالي تغلغل الاحساس لدي المواطن ان هذه الوسيلة لم تعد آمنة لمن يستخدمها!! وهذا أمر خطير لابد من علاجه فوراً بعيداً عن تصريحات الشو الإعلامي التي تعودنا عليها والتي تؤكد أن إمكانيات التطوير والتحديث ومواجهة القصور تفوق الإمكانيات المتاحة.. لأن الجانب الكبير من هذه الحوادث سببه غياب الضمير وتفشي الإهمال وعدم المتابعة.. وبالتالي مفروض أن نعالج هذا الثالوث المدمر ليس فقط في السكة الحديد.. ولكن في المحليات وفي أماكن كثيرة مفروض انها تقدم الخدمة للمواطن لكن المسئولين عنها وفيها يقصرون.. فهل ننتبه لذلك ونعالجه؟! وأن ننشر بين الجميع ثقافة الاحساس بالمسئولية وهذا جانب من جوانب مواجهة الفساد الذي استشري وتلاحقه الدولة بلا هوادة. بصراحة.. أتمني.