أكد خبراء الاقتصاد والإدارة أن قرار وقف الخصخصة جاء متأخراً بعد ان تم بيع معظم شركات الدولة ولم يتبق للقطاع العام سوي 136 شركة. مشيرين إلي ان تفريط النظام السابق في الشركات التي تنتج السلع الاستراتيجية هو السبب في رفع الأسعار وأزمة الاحتكار. طالبوا بسرعة تطهير شركات القطاع العام المتبقية من فلول النظام السابق وضخ التمويل اللازم لتدوير عجلة العمل وتحديث المعدات وإدخال الماكينات المتقدمة في التصنيع لرفع معدلات الانتاج وضرورة العمل علي زيادة الحد الأدني لأجور العاملين وتدريبهم.. وان يسبق كل ذلك صدور تشريع يوقف الخصخصة.. بالقرار وحده لا يكفي. المسئولون ببعض شركات القطاع العام قالوا إن القطاعات التابعة للدولة في حاجة إلي إدارة محترفة ونظم جديدة للعمل لأن معظمها يعمل وفق نظم قديمة لا تقدم سوي إنتاج ضعيف دون جودة.. وضربوا مثلاً بشركات قطاعي المقاولات والغزل والنسيج وهما أكبر القطاعات من حيث العمالة وعدد الشركات والمصانع التابعة والتي تحتاج خطة انقاذ للمساعدة والتطوير وضخ الاستثمارات علي غرار خطة "مارشال" لتعويض خسائرها. "الخصخصة" تمثل أبشع أنماط الفساد الذي خلفه النظام السابق حيث تم التفريط في شركات ومصانع القطاع العام وتم البيع بأبخس الأثمان لصالح رجال الأعمال والمستثمرين. والجدير بالذكر أن البيع ضم الشركات والمصانع الناجحة مما أدي لتدمير مشروعات إنتاجية تشكل جانباً كبيراً من الدخل القومي.. فمصر خلال 17 سنة باعت 236 شركة بسعر 33 مليار جنيه في الوقت الذي كان ثمنهم يقدر ب 270 مليار جنيه ويتبقي 136 شركة فقط مملوكة للدولة. بدأت قصة الخصخصة سنة 1993 في عهد عاطف صدقي رئيس الوزراء ببعض الشركات الهامة منها شركة كوكاكولا وفندق شيراتون القاهرة وشركة النيل للأدوية والشركة العامة لاستصلاح الأراضي.. ثم توالت عمليات البيع حتي وصلت إلي أبشع صورها في عهد عاطف عبيد الذي قام بالتفريط في أكبر الشركات والمصانع بأسعار زهيدة جداً لا تتناسب مع قيمتها الحقيقية كما أنه لم يضع أي ضوابط أو اشتراطات عند البيع كاستمرار أنشطة الشركات أو مواصفات المشتري. مما أدي لامتلاك الأجانب لشركات ومصانع مصرية. وكان من أبرز ملامح فساد البرلمان أن رؤساء وأعضاء لجان مجلسي الشعب والشوري هم أنفسهم رؤساء البنوك الذين يقرضون رجال الأعمال لشراء أملاك الدولة مثل منح أحمد عز قرضاً لشراء شركة حديد الدخيلة. ولم تسفر الخصخصة عن ضياع أصول الدولة وتدمير العائد من هذه المصانع فقط بل كان ضحايا هذه العملية أعداداً مهولة من العمالة الذين تشردوا ووقفوا في صفوف البطالة من جديد.. فهل يستطيع قرار وقف الخصخصة إصلاح ما أفسده السابقون؟!!.. الإجابة في السطور التالية: ** د. عبدالمطلب عبدالحميد- عميد مركز الإدارة بأكاديمية السادات- يقول إن الخصخصة تم تطبيقها بشكل خاطئ في ظل نظام فاسد لم يعمل وفقاً للمنهج المقرر للخصخصة.. حيث كانت فكرة الخصخصة الأساسية هي إعادة توزيع الأدوات بين القطاعين العام والخاص بمعايير فنية واقتصادية وخلق حالة تنافسية بينهما.. لكن ما حدث هو تجربة مريرة لبيع الشركات والمؤسسات بطريقة استفزازية. لذلك تم الاتفاق أخيراً علي انتهاء عمليات الخصخصة وعدم بيع ما تبقي للدولة من شركات وعددها 136 شركة. طالب بضرورة إعادة هيكلة هذه الشركات لزيادة معدلات الانتاج وتحديث الماكينات والأدوات المستخدمة حتي يعود القطاع العام لسابق عهده في المنافسة مع القطاع الخاص والقطاع الأهلي. أشار إلي أن الخطأ الفادح عندما تم التفريط في شركات كانت تنتج سلعاً استراتيجية مما أضر بالمصلحة العامة مثل الحديد الذي استحوذ عليه أحمد عز وقام باحتكاره وفرض أسعاراً خرافية رفعت أسعار العقارات وخلقت مشكلة خطيرة. كذلك شركات الأدوية والأغذية!! أوضح أن إصلاح شركات القطاع العام يبدأ بضخ أموال تساعد علي النهوض بها وإعادة تدريب العمالة بشكل يضمن ممارسة جيدة للعمل وإعداد دراسات حول كل شركة علي حدة لمعرفة مشاكلها والعمل علي حلها حتي تستعيد عافيتها أمام القطاع الخاص. أضاف أن هناك دولاً أخري تعاملت مع الخصخصة بشكل ناجح مثل انجلترا التي فرضت شروطاً أمام المستثمرين مثل عدم تغيير النشاط حتي لا يؤثر علي الانتاج المحلي. وكذلك عدم رفع الأسعار إلا في حدود معينة والإبقاء علي العمالة حتي لا تتحول إلي عبء إضافي. أشار أيضاً إلي أن صندوق النقد الدولي أعلن سنة 1998 أنه يكتفي بما تم خصخصته لكن التمادي في لعبة البيع واستكمال الخصخصة استمر لتحقيق مصالح شخصية مما أفقد الدولة عدداً كبيراً من الشركات والمؤسسات الناجحة.. بالإضافة لضياع أموال طائلة علي البلد نظراً للبيع بأسعار أقل بكثير من ثمنها الحقيقي!! نقطة البداية * يقول د. صلاح الدسوقي- رئيس المركز العربي للإدارة والتنمية- إن نقطة البداية للنهوض بالشركات التي تم إنقاذها من قطار الخصخصة هي تطهيرها من القيادات التي كانت تتحالف مع النظام السابق والذين تم تعيينهم بالمحسوبية والوساطة ويجب تعيين قيادات جديدة علي درجة عالية من الكفاءة تستطيع إدارة هذه الشركات بشكل متكامل وبالطرق المثلي التي تساعد علي زيادة الانتاج ومواجهة جميع المشاكل التي تؤثر سلباً علي العمل.. كما يجب تدريب مستويات الإدارة المختلفة علي مهارات الإدارة السليمة مثل التخطيط والقيادة ومهارات اتخاذ القرار والرقابة والمتابعة. أشار إلي ضرورة إصلاح الهياكل التمويلية لبعض الشركات التي تعاني من مشكلات مالية لرفع إمكانياتها مع تسهيل منح القروض بشروط ميسرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة المرتبطة بالقطاع العام لاستكمال حلقات الإنتاج.. مؤكداً أن بعض الشركات قد تحتاج إعادة تأهيل لضمان مشاركتها في الانتاج.. فإذا كانت إحدي الشركات مثلاً لا تستطيع انتاج السلعة بجودة عالية يمكن تغيير نشاطها لإنتاج آخر أكثر جودة بدلاً من تعطيلها. كذلك لابد من إحلال وتجديد الماكينات والمعدات اللازمة للتصنيع حتي تتضاعف القدرة الإنتاجية مع تدريب العاملين علي استخدامها. ** د. باهر محمد عتلم- رئيس قسم الاقتصاد بجامعة القاهرة سابقاً- أكد أن قرار وقف الخصخصة تأخر كثيراً وكان يجب اتخاذه في مرحلة سابقة قبل ضياع عدد كبير من شركات القطاع العام من أيدي الدولة.. لذلك لا يجب التفريط في أي من شركات القطاع العام في المراحل المقبلة والتفكير الجدي في النهوض بها أمر ضروري لأن ما يتبع الدولة يعد ثورة قومية ثمارها تعود علي المواطنين. أشار إلي أن هناك بعض الخطوات الأساسية لإصلاح الشركات أهمها تحسين أوضاع العاملين ليكون لديهم الاستعداد الكامل للعمل كذلك تطوير الأداء والماكينات والمعدات المستخدمة في الإنتاج وإدخال تكنولوجيا حديثة في مجال العمل من أجل زيادة الإنتاج. أوضح أن الدولة إذا عجزت عن توفير رءوس الأموال والإمكانيات الاقتصادية لذلك فيمكن اللجوء لشراكة القطاع الخاص بشرط منح كل الصلاحيات والدور الرقابي للدولة. حيث إن القطاع الخاص قادر علي ضخ الأموال اللازمة وتحديث الصناعات بشكل أسرع. حق الانتفاع ** يقترح الدكتور رسمي عطية- عميد كلية التجارة جامعة الأزهر- إسناد الشركات العامة التي تحتاج لضخ أموال هائلة للنهوض بها إلي القطاع الخاص ليس بيعاً لكن بنظام حق الانتفاع لفترة يتم تحديدها مسبقاً والالتزام بها علي ان تعود للدولة وقد أزيلت العوائق أمام عودتها للإنتاج وتحقيق الأرباح. ** د. إبراهيم نصار- أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس- يقول إن المليارات التي ضاعت علي الدولة نتيجة عشوائية الخصخصة كان من الأولي الاستفادة منها في تطوير الشركات التي ظلت تابعة للدولة.. كذلك يجب الاحتفاظ فيما بعد بالشركات التي تنتج سلعاً استراتيجية ومازال بالفعل لدينا بعضها مثل القومية للأسمنت وشركات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والقابضة للصناعات الغذائية وغيرها.. ونتمني ان يكون قرار وقف الخصخصة جاداً. طالب بتشجيع الاستثمار الأجنبي في مصر لكن شرط أن يكون في الحدود المقبولة حتي لا يتحكم هؤلاء في سوق المال والاقتصاد المصري. فما حدث من بيع بنك الاسكندرية الذي كان يحقق ارباحاً يمثل خسارة كبيرة حيث تم بيعه لمجموعة من الإيطاليين. أشار إلي أهمية وضع خطة للشركات المتبقية للقطاع العام للقضاء علي مسببات التعطيل وخلق جو مناسب للإنتاج كما أكد علي أن تدريب الأيدي البشرية أساس تحريك العمل وتوفير متطلبات جودة الإنتاج. ** سيد أبوالقمصان- مستشار وزير الصناعة سابقاً- أكد أن الهياكل التمويلية والإدارية هي أساس إعادة تدوير عجلة إنتاج شركات القطاع العام.. لذلك علي الدولة توفير السبل اللازمة لتحريك الإنتاج داخل المصانع والشركات التابعة للدولة وأهمها إدارة قوية قادرة علي وضع خطط واستراتيجيات تساعد علي النهوض بها.. مع ضرورة إرضاء العاملين برفع أجورهم حتي يكون دافعاً لهم لإنجاز العمل. التزامات ** سيد طه- رئيس النقابة العامة للعاملين بصناعات البناء والأخشاب- أكد أن الخصخصة كانت سلاحاً قاتلاً للقطاع العام حيث تم بيع الشركات الناجحة مثل الحديد والأسمنت فتم بيع شركة أسمنت أسيوط ب7.1 مليار جنيه في الوقت الذي كانت تساوي 10 مليارات جنيه!! وكانت هذه الشركة من أنجح الشركات ومازالت هناك قضايا مرفوعة أمام القضاء حول فروق الأسعار وأرباح العاملين. لكن تم الحفاظ علي إحدي الشركات وهي القومية للأسمنت. أشار إلي أن شركات المقاولات في حاجة إلي ضخ مالي ضخم وعلي الدولة ان تقوم بدفع التزاماتها لهذه الشركات والتي تقدر ب 7 مليارات جنيه. وكذلك تأهيل العمالة وإدخال معالجات فنية ورفع كفاءة المعدات وإنشاء مراكز تدريب جديدة حيث إن العنصر البشري هو أساس التنمية. أمن قومي ** مجدي طلبة- عضو المجلس التصديري للملابس الجاهزة ووكيل غرفة الصناعات النسيجية- أكد أنه يجب النظر إلي مصانع الغزل والنسيج علي أنها شركات أمن قومي تحتاج إلي إدارة محترفة للنهوض بها حتي تقوي علي المنافسة أمام القطاع الخاص وتزيد من كفة إنتاجية الدولة. أوضح أن هذا القطاع تنقصه السيولة المالية وعمليات الإحلال والتجديد للآلات والمعدات.. كذلك إيجاد حل تضخم حجم العمالة في هذا القطاع والتي أدت إلي رفع سعر التكلفة وضرب الصناعة الوطنية في الصميم.. بالإضافة لاختلال الهيكل التمويلي لشركات النسيج والملابس الجاهزة. مما دفعها لاقتراض ما يلزم عمليات الإحلال والتجديد بفائدة وصلت إلي 20% مما أدي لانهيار كثير من الشركات علي رأسها "مصر حلوان للغزل والنسيج" حيث وصلت خسائرها إلي 200 مليون جنيه وشركة "القاهرة للمنسوجات الحريرية" التي تمت تصفيتها نهائياً بخلاف مشاكل التهريب للملابس المستوردة والتي تنافس المنتج المحلي وأثرت علي الشركات المنتجة حيث وصل إجمالي خسائرها إلي 4 مليارات جنيه.. وقد طرح البعض حلولاً لإعادة شركات الغزل والنسيج والملابس لسابق عهدها أهمها رفع الحد الأدني للأجور. وتوفير الماكينات والمعدات. والسيولة اللازمة للمصانع التي أغلقت أبوابها حتي تستأنف نشاطها. ** د. شريف حافظ- رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة ماسبيرو للتنمية العمرانية- أشار إلي أن شركات قطاع التشييد في المرحلة الماضية لم تلحق بالتكنولوجيا المتقدمة وكانت تعمل وفقاً لنظم قديمة لم يمكنها من تحقيق إنتاج جيد.. كما أن إدارات هذه الشركات مترهلة وليس لديها القدرة علي إدارة مشروع ضخم. فالشركات القابضة للتشييد ليس لديها قدرة علي منافسة القطاع الخاص لأن الإمكانيات في هذا القطاع هي السلاح الوحيد للمنافسة. أوضح أن الأوضاع متدهورة في شركات القطاع العام. خاصة شركات المقاولات لأنها تقليدية لم تتقدم بالعاملين كما تفتقد للنظم الإدارية والقيادة السليمة والمنظمة لرأس المال. والنتيجة ديون هائلة لا تستطيع سدادها!! أضاف أن النظام السابق بفساده تعمد تخريب شركات القطاع العام في مجال التشييد لصالح آخرين بإصراره علي نظام الأمر المباشر في المشروعات. بالإضافة إلي أن الكبيرة التي كانت تذهب لشركات خاصة بعينها!!.. كما أن الشركات العامة بها مجموعة من العاملين أكثر من حاجة العمل لذلك لابد من حل هذه المشكلة مع مراعاة البعد الاجتماعي. ** د. جهاد عودة- أستاذ العلوم السياسية جامعة حلوان- يقول إن الخصخصة تمت وفقاً لمصالح شخصية أدت إلي احتكار السلع وفرض أسعار مبالغ فيها علي السوق المحلي.. مؤكداً أنه يمكن تحقيق الخصخصة بحل مثالي من خلال ثلاثة مبادئ أهمها عدم السماح بالاحتكار لتحقيق العدالة الانتاجية وعدم السماح بالفساد إلي إدارة الشركات والحفاظ علي المصالح العامة والاجتماعية. أشار إلي ضرورة إصدار قانون يمنع بيع الشركات المنتجة للسلع الاستراتيجية حتي لا يستغل المال العام بشكل خاطئ. يطالب الدكتور صفوت العالم- أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة- بضرورة قيام مجلس الشعب القادم بإصدار تشريع يمنع بيع أدوات الإنتاج المملوكة للدولة للقطاع الخاص أو للأفراد حتي يصبح قرار وقف الخصخصة محصناً بقوة القانون وأن تبدأ الدولة في إدخال سلسلة من الإصلاحات علي الشركات المتبقية لديها حتي تستطيع المنافسة مع القطاع الخاص القائم بالفعل في كل المجالات وإسناد هذه المسئولية إلي أصحاب الخبرات الحقيقية.