الإسلام بريء من الدم الذي سال يوم الأحد الماضي في أحداث ماسبيرو المؤلمة.. والمسيحية أيضاً بريئة من الدم ومن الأرواح التي زهقت.. والذين يتمسحون في الدين هنا وهناك لتبرير تعصبهم وحقدهم وأنانيتهم وجشعهم لن يغفر الله لهم.. ولن يغفر الشعب لهم.. وسوف ينالهم عذاب الله في الآخرة وهم مجللون بالخزي والعار.. ولابد أن ينالهم عقاب رادع من الدولة في الدنيا علي ما ارتكبت أيديهم وألسنتهم من جرائم. ليس الدين الإسلام والمسيحية هو المتهم.. وليس الدين هو المسئول.. وإنما النفوس الوضيعة والمتآمرة والمتعصبة.. التي لا تعرف حرمة لله ولا للوطن ولا للروح الإنسانية. ليس الدين هو الذي يحرض الناس علي القتل والحرق والتخريب وإثارة الفوضي.. وليس في القرآن ولا في الإنجيل آية واحدة تقول للناس اكرهوا واظلموا وضيقوا علي الآخرين وارتكبوا الفواحش حتي تنالوا رضا الله.. وإنما تأمر الآيات بالعدل والإحسان والصدق وحسن المعاملة والمعاشرة والتعاون علي البر والتقوي وكل ما فيه مصلحة البلاد والعباد. كل الأهداف التي ينشأ بسببها التعصب ويحدث من أجلها القتل والخراب لا يمكن أن تكون أهدافاً دينية إصلاحية.. ولا يمكن أن يكون القائمون بها والمحرضون عليها متدينين يعرفون ربهم.. وينفذون أوامره ومشيئته. لماذا تنفجر الاحتكاكات والمناوشات الطائفية البغيضة بين فترة وأخري؟!.. ما الدافع لها والغاية من ورائها ولمصلحة من؟!.. وماذا سيكون مصيرنا لو احترق الوطن فوق رءوسنا جميعاً؟! مهما اختلفت الحجج والبواعث.. ومهما تعددت الأسباب والغايات.. فلا أحد من المتورطين في هذه الفتن يمكن أن يكون صاحب رسالة دينية جديرة بالاحترام ويرضي الله عنه. المصيبة الكبري فيما يمر بنا من فتن طائفية أن بعض المروجين والمحرضين يظنون أنهم يؤدون عملاً دينياً.. ويعتقدون أن بواعثهم دينية.. وغاياتهم إسلامية أو مسيحية.. والحق أن الباعث الديني الرشيد لا يمكن أن يكون جزءاً من هذه الفتن الخطيرة.. والآثمة.. المجافية للإسلام والمسيحية علي حد سواء.. فلا الإسلام يحث علي كراهية أهل الكتاب.. ولا المسيحية تطلب من أبنائها كراهية المسلمين. يقول الله تعالي مخاطباً المسلمين في قرآنه الكريم: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" "الممتحنة 8". وهكذا يقدم القرآن البر علي مجرد القسط في التعامل مع الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين ولم يخرجوهم من ديارهم.. ومسيحيو مصر هم أولي الناس بهذه المعاملة الكريمة. القسط هو العدل.. والعدل في الإسلام أدني درجة من البر.. العدل أخذ وعطاء.. أما البر فعطاء بلا مقابل. والبر الإسلامي المقصود هنا لا يقف عند حدود المال.. بل يشمل كل عطاء وكل عون.. من المال والنصيحة والمشاركة الوجدانية والعلم.. ولا يعرف العدل الإسلامي.. والبر الإسلامي.. تفرقة عرقية أو ثقافية أو دينية.. بل هو واجب لكل الناس.. واجب لكل أحد علي كل أحد.. والظلم محرم مطلقاً.. لا يباح قط بحال.. علي حد تعبير شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه: "منهاج السنة النبوية" ص372 أما المسيحيون فيقول لهم الإنجيل: "أيها السامعون أحبوا أعداءكم.. أحسنوا إلي مبغضيكم.. باركوا لاعنيكم.. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم.. من ضربك علي خدك فأعرض له الآخر أيضاً" "إنجيل لوقا الإصحاح السادس 27-29". والمسلمون.. والحمد لله.. ليسوا أعداء المسيحيين ولا من مبغضيهم ولا لاعنيهم.. وكيف يكون ذلك وقرآنهم يقول لرسولهم: "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري.." "المائدة 82". والمسلمون في مصر شركاء لإخوانهم المسيحيين في الوطن والمواطنة.. والآلام والآمال.. والمصالح والمنافع.. جيران في الدار.. وشركاء في العمل والمدرسة والمصنع والكتيبة.. وفي كل مناحي الحياة المتعددة المتباينة. لماذا ننسي هذا المخزون الهائل من القيم الدينية والوطنية الجميلة التي تجمع بيننا.. وننساق وراء دعاوي الجهل والتعصب والزيف والضلال؟!.. لماذا نخرب بيوتنا بأيدينا إرضاءً لمن لا يضمرون لنا غير الشر؟! المسلمون جديرون بحب المسيحيين والإحسان إليهم ومباركتهم وصلواتهم.. والمسيحيون جديرون بقسط المسلمين وبرهم.. بكل ما يعنيه البر من ضروب العطاء والبذل والإحسان والحب والرحمة. هذا ما يقوله الإسلام للمسلم.. وما تقوله المسيحية للمسيحي.. وهذا هو التدين الإسلامي والمسيحي الحق.. وأما الاعتداءات والمشاحنات المتعصبة المهلكة فهي التدين الزائف المنحرف.. إذا تدين المسلم تدينا حقيقيا واعيا فلابد ان يسلم الناس جميعا من لسانه ويده.. وإذا تدين المسيحي تدينا حقيقيا واعيا فلابد ان ينشر المحبة لكل الناس وينزع الكراهية من قلبه.. وبذلك تعود مصر كما كانت دائما بلد الأمن والعطاء.. بلد المحبة والوحدة والانسجام. من أراد التدين الرشيد المشروع من المسلمين والمسيحيين فهذا هو الطريق المضيء الذي يقودنا إلي التقدم والرقي ومن أراد ان يجاهد علي طريق الحق والرشاد فليدع الفتن والمشاحنات التي يراد لها ان تكون الشرارة للحريق هائل يأتي علي الأخضر واليابس في وطننا الحبيب. وليعلم الجميع ان التدين ليس معناه أبدا الحجر علي حرية الآخرين في الاعتقاد والنيل من حقهم في حياة كريمة.. ولكن التدين معناه اتساع الأفق والسمو والتحضر واتباع مكارم الأخلاق والتمسك بالمثل النبيلة. إن الذين تورطوا في أحداث العنف والفتنة من البسطاء هم ضحايا لكلام كثير يقال وينشر هنا وهناك.. يصور لهم ان التدين هو الكراهية والتعصب ضد الآخر والعدوان والهياج الأرعن المدمر.. وهذا بالطبع ليس صحيحا بالمرة ولهذا علينا ان نتعاون ونتكاتف كي نبطل افاعيل الكذب والافتراء في قلوب الجماهير وليس أمامنا في سبيل ذلك سوي نشر التدين الحق الرشيد بين ابناء مصر جميعا من المسلمين والمسيحيين. إشارات: * محاولة بعض الحركات السياسية المزايدة علي القوات المسلحة والنيل من مكانتها مكشوفة ومرفوضة شعبيا.. ولا أريد ان اقول انها خيانة للوطن. * لا نعرف كثيرا عن أسرار صفقة شاليط.. لكننا متأكدون ان اعتدال موقف مصر الثورة ووضوحه وقوته هو كلمة السر في هذا الانجاز الذي اعطي لمصر مكانتها اللائقة.. وجعل كل الاطراف تتوجه لها بالشكر والعرفان. * شهادة الأنبا هدرا في مسألة كنيسة الماريناب تحولت إلي لغز كبير.. بعض الصحف نقلت عنه انه لم تكن هناك كنيسة وبعضها نقلت عنه ان المبني كنيسة وليس بيتا.. نريد كلمة واحدة وقولا واحدا. * حزب التجمع أمامه فرصة كبيرة للانطلاق بعد ان تخلص من رئيسه رفعت السعيد الذي كان عبئا حقيقيا عليه.. تمنياتنا بالتوفيق للأصدقاء حسين عبدالرازق ونبيل زكي والبدري فرغلي. * العالم كله يتحدث عن سذاجة الاتهام الذي وجهته امريكا لإيران بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن فيما يعرف ب "عملية شيفروليه".. المهم ألا تكون هذه فتنة بين الشقيقتين السعودية وإيران.. وألا نفاجأ بحرب جديدة في الخليج.