تخوض مصر معارك عديدة أخطرها المعركة ضد الإرهاب ثم الفساد.. وفي معظم معارك مصر يغيب عنصران خطيران عن هذه المعارك هما: الفكر.. والوعي. وبرغم أن المتربصين والمتآمرين وأعداء مصر عامة بدأوا حروبهم معنا بالفكر والوعي إلا أننا مازلنا بعيدين تماماً عن ساحة هذه المعركة اللهم إلا في بعض المعارك الفردية أو البسيطة المتباعدة. الإعلام مثلاً يتحدث مع نفسه في الداخل.. نحن نهاجم وندافع ونتحدث ونتحاور داخلياً بينما الحوار الآخر خارج الحدود غائب.. والجهود الدبلوماسية والحوار المباشر مع الآخر رائع لكن الحوار الإعلامي غائب. القوي الناعمة العابرة للحدود غائبة ولم نعد نملك منها إلا النزر البسيط.. وما نملكه لا نعرف كيف نستغله. وحتي في الداخل غابت تلك القوة الناعمة التي كانت يوماً أبرز ما يميز القوي المصرية في المنطقة وحتي وقت قريب كانت القوة الناعمة المصرية ذات تأثير محلي واقليمي مميز في كل الجبهات. حروب الفكر والوعي بدأت ضد مصر منذ انتصار أكتوبر المجيد عام 1973 بشكل كبير.. وكان الهدف الأول هو كسر الإرادة الشعبية من خلال تغيير أنماط السلوك والفكر الشعبي بشكل عام.. وساعد علي ذلك سياسة الانفتاح الاقتصادي الذي انتهجته مصر في أواخر السبعينيات فكان كما قيل وقتها "انفتاح سداح مداح" ومن خلال هذا الانفتاح الذي انطلقنا بقوة نحو سلبياته وتركنا ايجابياته كان الانفتاح الفكري السلبي خاصة تجاه الشباب المصري.. وانقسم غالبية الشباب الذين هم القوة الحقيقية لمصر إلي قسمين الأول متزمت دينياً واجتماعياً بفعل السلفية الوهابية التي اقتحمت الحياة المصرية وبفعل توابع جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية خاصة أن الرئيس السادات قرر فتح صفحة جديدة مع الإخوان المسلمين وكان المرشد آنذاك الشيخ عمر التلمساني.. مما فتح الباب لهذه الجهات في التأثير علي الشباب بشكل غير عادي. وفي المقابل كانت مجموعات أخري قد تأثرت سلباً بالانفتاح تجاه الغرب مما وضع الشباب الآن في اتجاهين متناحرين متضادين والبقية الباقية ظلت محافظة علي هويتها المصرية الوسطية المعتدلة بصعوبة. الحرب الفكرية استمرت بأشكال وأنواع مستخدمة كل ما يمكن أن تطوله أيدي أعداء الوطن في أسلحة خاصة مع التطور التكنولوجي إعلامياً وحياتياً. ساعد علي قوة تأثير الحرب الفكرية التي قادها أعداؤنا ضد شباب مصر الثورة التكنولوجية التي قدمت السم في العسل أضف إلي ذلك تراجع مستوي العملية التعليمية سواء كانت بفعل فاعل أو بتأثير ضعف المستوي المادي لكثير من أبناء الشعب حيث تحول التعليم المجاني رسمياً إلي تعليم غال ومكلف فعلياً بفعل الدروس الخصوصية ثم المدارس الأجنبية والدولية والخاصة التي ساهمت أيضاً في حرب الوعي. الحرب الفكرية ضد المصريين نجحت في تغيير أفكار ورؤي الكثيرين خاصة الشباب قليل الثقافة متوسط التعليم فوجدنا ظاهرة الإرهاب التي أعلنت عن نفسها بقوة باستشهاد الرئيس السادات ثم تحولت إلي أشد حالاتها في بداية التسعينيات.. ومع عودة المجاهدين الأفغان من أفغانستان تزايدت الحالة الإرهابية بحيث أصبحت ظاهرة تحتاج إلي مواجهة فكرية جادة. وبرغم الحوار الذي تم مع الجماعة الإسلامية في السجون والمراجعات الفقهية إلا أن هذا الحوار لم يستمر كما كان مأمولاً.. بل استمر الباب مفتوحاً لمزيد من التطرف الفكري الذي تحول إلي تطرف عملي وعنف وإرهاب. الحرب الفكرية لا تتوقف عند تجديد الخطاب الديني كما يتصور البعض لأن القضية أكبر من حدود التجديد في الخطاب الديني بل لابد من تجديد الخطاب الثقافي والخطاب المجتمعي والخطاب الإعلامي بشكل عام وعلي سبيل المثال فإن الألفاظ والمواقف التي حفل بها مسلسل أذيع مؤخراً وهو مسلسل "سابع جار" سنجد أن هناك حالات أخري ستأتي بعده تباعاً.. كما حدث من قبل مع الأغاني الشعبية الهابطة التي بدأت ب"السح الدح امبو" وكان بعدها الانهيار غير الطبيعي والذي أدي إلي ما شاهدناه وتابعناه. نفس الحالة في السينما مع خلق البطل الجديد في الحارة المصرية وهو البلطجي الذي نجح في تجسيده بشكل كبير الممثل محمد رمضان فكان النموذج والمثل والقدوة لكثير من شباب الشوارع والحواري والأحياء الشعبية بل وفي القري والمدن المصرية أيضاً. وإذا كان الفكر أهم رافد للوعي فإن حرب الوعي استخدمت إلي جانب الفكر وسائل أخري كالمخدرات التي لم تعتمد علي الأعشاب الطبيعية المخدرة كالقنب مثلاً بل امتدت الي الكيمياء لتدمر خلايا المخ تماماً فتؤثر علي صحة شبابنا جسدياً ونفسياً وعقلياً. وكانت المخدرات وسيلة فعالة في حرب الوعي ولكن التأثير الأكبر كان للحرب المنظمة ضد شباب مصر عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي خلقت عوالم فرضية لشبابنا بعيداً عن العالم الذي نعيش فيه وخلقت حالة اجتماعية فردية تهد في أساس المجتمع هداً.. ناهيك عن الأكاذيب والأخطاء التي تروجها هذه الوسائل مختلطة بحقائق يعرفها الجميع لتوحي بأنها صادقة فخلقت حالة من التشويش الإعلامي بل والتضليل الكامل لفئات عديدة من شبابنا كل ذلك ونحن نتابع ولا نفعل شيئاً وعندما جاءت ثورة يناير 2011 وكانت وسائل التواصل الاجتماعي أهم أسلحتها زادت أهمية هذه الوسائل في الاضرار بشبابنا والتأثير السلبي عليه مما خلق حالة من حرب كاملة فكرية ضد شباب مصر وهو بلا سلاح وبدون خطة للمواجهة فكان فريسة سهلة في معظمه. الآن ونحن نتابع هذه الحرب أصبح ضرورياً بل فرضاً علي الدولة وعلي الشعب علي كل فرد أن يبدأ الحرب المضادة فكرياً لاعادة الوعي لشبابنا ومجتمعنا لنواجه المخاطر معاً بقوة والبداية من العودة إلي الله والثقة في الوطن وفي النفس. والحديث مازال مستمراً إن كان في العمر بقية إن شاء الله.