يبدو أننا نحتاج وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً حتي ننسي الأسلوب غير المنظم وغير المدروس في قرارات تخص حاضر ومستقبل وسمعة هذه الأمة سواء ذلك علي المستوي السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي. وسنكتفي هنا بالشق الثقافي ونعود فيه مجدداً إلي ما يسمي بالمهرجانات الفنية والسينمائية.. ولو عرف ووعي الشخص وخلافه أن أي مهرجان فني أو سينمائي يقام باسم مصر وعلي أرضها ويدعي اليه فنانون أو أعمال فنية من بلاد أخري هو عمل سياسي وطني من الدرجة الأولي لأنه يمس سمعة مصر وكرامتها ويعبر عن شعبها ويعطي انطباعاً إذا ما كان هذا الشعب متحضراً ومحترماً ويستحق التقدير أم أنه أهوج وفاشل ولا يحترم الفنون ولا يقدر ابداعات الآخرين وليس مؤهلاً لتواجد الابداع العالمي عنده ولا تواجد ابداعه هو الآخر عند الأخرين. مازلنا حتي الآن وهو ميراث السنيين العجاف التي كانت تسير فيها كل الأشياء بالبركة وبالهوي وليس في الامكان ابدع مما كان.. وهذا بالطبع خلق باقة من المهرجانات لها اسم رنان ومعمول باذنجان وتحولت إلي تهريج وليس مهرجان. .. وعلي مدي سنوات وسنوات لا فلحت وزارة الثقافة في اقامة مهرجان حقيقي محترم مشرف ولا استطاعت الاشراف عليه من بعيد لبعيد ولم تستطع جمعية أهلية غلبانة معدمة مثل جمعية كتاب ونقاد السينما أن تفعل نفس الشئ.. كلها فاعليات مهلهلة بلا هدف وبلا هوية وبلا ابداع حقيقي وبلا جمهور وبلا تنظيم وبلا نتيجة.. إدارة المهرجان نفسها تحتاج إلي إدارة ناس هايصة وناس لا يصة ولا أحد يعرف ماذا يفعل وماذا يدير وماذا يريد في النهاية يقدمون "المسخ" وعلي رأي عادل أمام أصبحنا في زمن "المسخ" وافتقدنا جمال الاشياء حتي الاشياء المفروض أن تكون جميلة. .. وأزمة المهرجانات عامة وأزمة المهرجانات السينمائية عندنا الآن انها بلا صاحب فهي غائبة عن وعي الدولة وأن تذكرتها تحاول التخلص منها لانها تسبب لها وجع دماغ وغرامة وفلوس "يتقاضاها غالباً القائمون علي السبوبة".. ليس بلا صاحب فقط ولكنها أيضاً بلا هوية وبلا هدف وبلا تخطيط وبلا مخططين وبلا منظمين وبلا رأس يفهم في الموضوع بشكل عام وبلا لجان تفهم في تخصصها وتنفذ وتحقق المرجو منها.. لأن اللجان وقواعد العمل تشكل من المعارف والمحاسيب وأرزقية الموسم ومشي حالك ياجميل. وفي ظل مزاد المهرجانات السينمائية المفتوح هذه الأيام بداية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي فقد بريقة وهوي ومهرجان الإسكندرية السينمائي الذي يقدم دائماً طبخة بايتة لا يأكلها أحد ولا يسمع عنها أحد حتي أهالي الإسكندرية.. وما يطلقون عليه الآن مهرجان الغردقة للأفلام الأوروبية وما يطلقون عليه مهرجان الأقصر للأفلام الإفريقية وغيرها وغيرها كلها مهرجانات تنتقص من كيان مصر وتظهرنا كمهرجين وشوية "حلنجية" ويصبح كل مهرجان سبوبة سنوية لمن يستولي عليه ولا يهمه ان نجح أو فشل. لذا فليتحمل وزير الثقافة بحكم منصبه وبحكم وجوده علي كرسي لعمل معتبر وهو الثقافة.. يتحمل المسئولية في حال الانفكاك وحالة المزاد الرائجة في مهرجانات سينمائية قد تقام ولا يعرف عنها شئ. ومن هنا وعلي هذه الصفحة أقترح علي وزير الثقافة الذي يعتبر مسئولاً عن أي مهرجان فاشل حتي لو أقيم بعيداً عن وزارته.. أقترح عليه أن يشكل فريق عمل يسميه أي اسم ما عدا "لجنة".. فريق من المثقفين الوطنيين الذين لا يحلمون بأن يترأسوا مهرجانات أو يتصيدوا سبوبة من ورائها.. فريق يضم سينمائيين متفتحين من القدامي والشباب.. ويضم رجالاً محترمين من خبراء السياحة.. ورجال أعمال وطنيون لديهم حس ثقافي وحس بالبلد.. وشخصيات إدارية واعية بالعمل الثقافي.. وشخصيات إعلامية واعية بمهمة السينما.. وتكون مهمة هؤلاء وضع نظام غير بيروقراطي نظام يحفظ للدولة ولمصر مكانتها وهيبتها في صناعة مهرجانات تحمل اسمها بشكل مشرف.. تكون مهمتها عمل خريطة للمهرجانات السينمائية والفنية العامة طوال السنة مع تحديد مواعيدها وأماكن اقامتها ومدتها.. ويضعون لكل مهرجان فلسفته وهدفه والغرض منه وتخصصه وجدوي قيامه وفائدتها علي مصر بشكل عام وعلي المدينة المضيفة بشكل خاص وأن يضعوا في الاعتبار استخدام هذه المهرجانات في تدفئة العلاقة وتنمية المصالح بين مصر والدول التي تحتاج إليها مثل الدول الأفريقية.. أن يحدد هذا الفريق بروتوكولا لكل مهرجان ولائحة اساسية وتنفيذية.. أن يحدد مصادر التمويل والدعم وطرق تلقي الاعانات والمساعدات والإعلانات.. أن يشكل لكل مهرجان مجلس أمناء متنوع كل له رؤية في فرع من فروع العمل وأن يتولي مجلس الأمناء تعيين أو أختيار مجلس الإدارة وطاقم العمل أو من يستعيين بهم وأن يكون التحضير لكل مهرجان كان ومشرف وأن يتم اعتماد مجالس أمناء المهرجانات من وزارة الثقافة التي يجب عليها المساعدة المادية والادبية وأن توظف جهود مندوبيها وملحقاتها في كل بلاد العالم في مساعدة كل مهرجان وامداد بالعلاقات مع مهرجانات الدول وفنانيها والتنسيق بينهم. أظن أن عيباً كبيراً بعد ثورة 25 يناير أن نسمع ونري من يريد أن يسطو حتي علي الثقافة وكل من يريد أن يخطف مهرجاناً ويجري به له ذلك وعيب أن نسمع ونري خناقات بين أطراف كل يريد أن يستولي علي مهرجان باسم مصر ويقام علي أرض مصر وكل واحد ومعاه شلة يدعون اقامة مهرجان وتصبح سينما مصر وثقافة مصر واسم مصر ملطشة للطامحين والخاطفين وسيادة الوزير ولا هو هنا.