يناقش الأزهر هذه الأيام مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد في ظل تلقي وزارة العدل العديد من الاقتراحات ومنها طلبات الآباء لتعديل ترتيب حضانة الطفل لتكون للأب بعد وفاة الأم أو زواجها بدلاً من الجدة كما هو معمول به في القانون الحالي. أكد علماء الشريعة أنه لا مانع من تعديل مواد القانون للتوافق مع ما نص عليه القرآن والسنة.. خاصة إذا دعت هذه المواد للم شمل الأسرة مع الحفاظ علي الحقوق الزوجية لكل من الرجل والمرأة علي حد سواء.. وطالبوا أن يكون القانون الجديد متضمناً كل ما من شأنه الحفاظ علي كيان الأسرة شرعاً قبل الحديث عن الحقوق من خلال المحاكم التي تكون سبباً رئيسياً في تعنت كل من الرجل والمرأة والإصرار علي رأيهما حتي ولو كان ذلك ضد استقرار ولم شمل الأسرة. يقول د.أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إن الأحوال الشخصية يراد بها فقه الأسرة من إنشاء عقد الزواج وفرق الزواج "الطلاق والخلع والإيلاء والظهار وتطليق القاضي" يضاف إلي ذلك المواريث كلها تشكل الأحوال الشخصية التي هي جزء أساسي في التشريع الإسلامي ومعظمه أحكام ثابتة قطعية الورود وقطعية الدلالة.. وهناك بعض أحكام ظنية سواء عن طريق الورود أو الدلالة مثل اشتراط الوالي في عقد النكاح وترتيب الأولياء في الحضانة ومرات وأماكن رؤية المحضون وتقدير النفقات. أضاف د.كريمة إن مرجعية هذه الأحكام آيات محكمة من القرآن الكريم وأحاديث نبوية صحيحة وإجماع أو اتفاق من الفقهاء.. وهنا لابد من الرجوع إلي علماء الشريعة الإسلامية قبل أي تعديل ويفضل عمل ورش عمل من أساتذة الفقه الإسلامي وعلومه بكليات وأقسام الشريعة ومن اللجنة الفقهية بهيئة كبار العلماء ودار الإفتاء المصرية حتي يسلم المشروع من الطعن عليه لأنه إذا خالف نصاً شرعياً أو إجماعاً فسيصطدم بالمادة الدستورية "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" فيجب أن ينأي المشروع عن أي مؤثرات علمانية مثل التي تتناقلها وسائل الإعلام مثل جعل رخصة للإنجاب والمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث ومنع تعدد الزوجات. وأقتسام الزوجة نصف ممتلكات زوجها كل هذه الأمور مخالفة جملة وتفصيلاً للشريعة الإسلامية وقد قال الله تعالي "تلك حدود الله فلا تعتدوها". ومما تقرر شرعاً لا ينكر المختلف فيه إنما ينكر المجمع عليه بمعني أنه لا يجوز أي تغيير في مسلمات وثوابت شرعية. أما المختلف فيه فالاجتهاد واسع لكن من العلماء فقط دون أي تدخل من القانون الوضعي ولا مؤسسات مدنية معنية بالمرأة والطفولة. ومن باب التذكرة فإن قانون الخلع الحالي لما تمت صياغته بأمور مخالفة للشريعة الإسلامية مثل عدم الاعتداد بطلاق الزوج في الخلع لزوجته كما قال النبي "صلي الله عليه وسلم": "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" فحصل خلط بين التطليق للضرر وبين تنفيذ الخلع فأدي إلي حالات كثيرة جداً تطلب الخلع لأتفه الأسباب وصار عبئاً علي كاهل القضاة وياليت قانون الأحوال الشخصية الجديد يعيد "القضاء الشرعي" يكون من خلال محاكم مستقلة كما كانت في الماضي تحفظ للأسرة كرامتها بعيداً عن دعاوي الجنح وما أشبه التي لا يليق لدعاوي الأسرة أو الأحوال الشخصية أن تختلط بها علي رءوس الأشهاد. إعلاء شأن الأسرة أكدت د.آمال عبدالغني أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة المنيا: أن الإسلام أعلي شأن الأسرة خاصة الأحوال الشخصية لأنها اللبنة الأساسية للأمة وشرع لها من الأحكام ما يسمو بها ويجعلها قوية ومتماسكة ومترابطة وما يحقق سعادة كل فرد من أفرادها ولذا شرعت الأحكام للزواج والطلاق والعدة والنسب والرضاع و"الحضانة" والنفقات وغيرها. أضافت أنه من المأمول أن يهدف القانون الجديد إلي إعادة بناء الأسرة المفككة حالياً بسبب ارتفاع نسب الطلاق غير المسبوقة في مصر التي تكاد تتجاوز نسبة 40% وأن تكون مواد القانون الجديد في إطارها العام منضبطة بضوابط الشريعة الإسلامية وتحقق المقصود منها في بناء الأسرة وسعادتها. وجعلها سكناً ومودة ورحمة وليست حرباً بين أفراد الأسرة الواحدة. كما يجب مراعاة تغيير الأزمنة ووضع نصوص تشريعية قانونية تعالج المستجدات والنوازل الحديثة في الأحوال الشخصية وتتطور بما يناسب العصر وما لا يخالف النصوص الثابتة شرعاً.. وأن تحتوي هذه القوانين علي نصوص علاجية للمشكلات قبل تطبيق الاحكام خاصة في حالات الطلاق والفسخ وأيضا الحرمان من الحقوق المالية كالميراث عرفاً والزواج المبكر والحرمان من التعليم. أيضا مراعاة الأصلح في الحضانة للطفل المتنازع عليه بين الأبوين وليس الأقرب إجمالاً يكون الهدف بناء الأسرة وجمع الشتات وتحقيق المصالح للأبناء. طالبت د.آمال بسد الثغرات في القوانين التي تكون مجالاً للصراعات فيكون الضابط العام العدل والإنصاف قال تعالي "أعدلوا هو أقرب للتقوي" والآخر قاعدة "لا ضرر ولا ضرار". يقول الشيخ صبري عبادة من علماء الأوقاف: إن قانون الأحوال الشخصية الجديد يجب أن تنص مواده علي لم شمل الأسرة من منطلق شرعي قبل أن تتضمن هذه المواد حقوق الزوجين علي بعضهما حتي لا يتم تفسير المواد بأن هذه المادة ظلمت الرجل وأخري ظلمت المرأة.. فالحياة الزوجية مثلا تقوم علي المودة والرحمة والحب ولم الشمل وغير ذلك من هذه الصفات التي وجهنا إليه النبي "صلي الله عليه وسلم" ومنها بعض حقوق الزوجة علي زوجها إذ يكثر الحديث عن حقوق الزوج علي زوجته ويغفل البعض الحديث عن حق الزوجة علي زوجها فقد حث الرسول "صلي الله عليه وسلم" علي حسن الخلق مع الزوجة مؤكداً أنها من علامات تمام الإيمان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم" وقد أوصي النبي "صلي الله عليه وسلم" كذلك بالرفق مع الزوجة.. وأن المؤمن يتذكر عند الخلاف محاسن الزوجة ويعترف بجميل ما عندها دائماً. كما أن من حق الزوجة علي زوجها أن يحسن إليها وينفق عليها من سعته.. وأنه ليس من الخلق أن يهين الرجل امرأته ثم يطلبها لفراشه.. وقد أوصي النبي "صلي الله عليه وسلم" الأزواج بالحكمة والصبر في تقويم وتصحيح أخطاء الزوجات ومراعاة طبيعهتن. أما عن حقوق الزوج علي زوجته كما يقول الشيخ عبادة أن يكون في قلبها وأن تطعيه قبل أبيها فعن عائشة رضي الله عنها: أنها سألت رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "أعظم الناس حقاً علي المرأة زوجها وأعظم الناس حقا علي الرجل أمه".. وأن أفضل الزوجات هي المطعية لزوجها وسرعة فهمها له بالنظرة قبل الكلام.. والحرص علي تلبية حقوقه الزوجية.. وطاعته حتي إذا أرادت الصوم التطوعي لابد أن تستأذنه وغير ذلك من الأسباب. كل هذه الأمور والحقوق نصت عليها الشريعة الإسلامية قبل القانون لذلك يجب أن يتضمن القانون الجديد حلولاً للمشاكل الزوجية التي نص عليها القرآن والسنة وأن تتضمن مواد الدستور في القانون الجديد ينوداً تصلح من شأن الأسرة ولم شملها فهناك أدلة ثابتة لا يمكن الخلاف فيها.. أما الأدلة التي تقبل الاجتهاد فلا مانع من تفسيرها لصالح الزوجين وتعديلها إذا لزم الأمر.