حرصت مصر منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مسئولية الحكم أن تتعاون بإيجابية في ملف سد النهضة مع كل من السودان وأثيوبيا.. وأن يكون سبيلها في هذا التعاون التوافق حول مصلحة الشعوب الثلاثة في التنمية والارتقاء بمستواها في كل نواحي الحياة. وعلي هذا الأساس تم توقيع مبادئ الإعلان الثلاثي بين قادة الدول الثلاث في 23 مارس 2015 والذي يتضمن ضمن بنوده العشرة عدم إحداث ضرر لأي دولة. والتعاون في عملية الملء الأولي لخزان السد وتشغيله السنوي. ومنذ ذلك التاريخ وعلي مدي سنواته الثلاث التي مرت دارت اجتماعات مشتركة لوزراء الخارجية والري في الدول الثلاث.. وعقدت اجتماعات فنية اشترك فيها خبراء في شئون المياه.. ولكن لم تسفر هذه الاجتماعات عن تقدم في المسارات التي دارت حولها. والواضح أن هناك خلافات حول ملء خزان مياه سد النهضة وعدد السنوات التي يتم فيها هذا الملء وطريقة تشغيله.. وتحرص مصر علي ألا تتأثر حصتها من مياه النيل في هذه المفاوضات. وقد اجتمعت اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بسد النهضة علي مستوي وزراء الموارد المائية والري في القاهرة يوم 11 و12 نوفمبر الحالي.. وبعد الاجتماع أدلي الدكتور محمد عبدالعاطي وزير الموارد المائية والري بتصريح قال فيه: إنه لم يتم التوصل إلي اتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلاكي الخاص بالدراسات والمقدم من الشركة الاستشارية المنوط بها إنهاء الدراستين الخاصتين بآثار سد النهضة علي دولتي المصب. قال في بيان رسمي صادر عن وزارة الري إنه علي الرغم من موافقة مصر المبدئية علي التقرير الاستهلالي لأنه جاء متسقاً مع مراجع الإسناد الخاصة بالدراسات التي تم الاتفاق عليها بين الدول الثلاث أن طرفي اللجنة الآخرين "السودان وأثيوبيا" لم يبديا موافقتهما علي التقرير وطالبا بإدخال تعديلات عليه تتجاوز مراجع الإسناد المتفق عليه وتعيد تفسير بنود أساسية ومحورية علي نحو من شأنه أن يؤثر علي نتائج الدراسات ويفرغها من مضمونها. وأعرب د.محمد عبدالعاطي عن قلق مصر من هذا التطور لما ينطوي عليه من تعثر للمسار الفني.. واعتبر الوزير أن موقف السودان وأثيوبيا يثير القلق علي مستقبل هذا التعاون ومدي قدرة الدول الثلاث علي التوصل للتوافق المطلوب بشأن سد النهضة وكيفية درء الأضرار التي يمكن أن تنجم عنه بما يحفظ أمن مصر المائي. الآن وضح من تصريحات وزير الموارد المائية والري أن هناك عرقلة متعمدة من جانب السودان وأثيوبيا للإضرار بحق مصر في الحصول علي حصتها المقررة من مياه النيل.. وهذا النمط من أسلوب التفاوض ينهي المسار الدبلوماسي والسياسي الذي انتهجته مصر ويفتح الطريق أمام اللجوء إلي أساليب أخري للحفاظ علي حصة مصر من مياه النيل. القاهرة حرصت -كما قلت في بداية المقال- علي التعاون الايجابي مع كل من السودان وأثيوبيا في مفاوضات سد النهضة.. والسودان باعتباره أحد دولتي المصب كان من المفترض أن يتفق مع مصر علي التقرير الاستهلاكي.. ولكنه آثر أن ينضم إلي الجانب الأثيوبي ضارباً بمصالح مصر عرض الحائط!! لا شك أنه ستكون هناك اجتماعات أخري للجنة الثلاثية وسوف تتمسك مصر بموقفها من المسار الفني والتقرير الاستهلاكي إلي أن توافق الدولتان الأخريان عليه. ولعل زيارة النائب الأول للرئيس السوداني عمر البشير الفريق أول ركن بكري حسن صالح للقاهرة قريباً كما صرح بذلك الدكتور إبراهيم غندور وزير الخارجية السوداني تكون مفاوضات سد النهضة مجالاً للنقاش لإقناع السودان بوجهة نظر مصر.. خاصة أن القاهرة عملت طوال الفترة الماضية علي أن تكون علاقاتها مع الخرطوم قائمة علي الاخوة وحسن الجوار. وأن تتم تنقية هذه العلاقات من أي شوائب. دعوني أذكركم بحديث الرئيس عبدالفتاح السيسي في حواره مع الإعلاميين والصحفيين في منتدي الشباب بشرم الشيخ والذي قال فيه: إن مهمتنا هي الحفاظ علي أمننا القومي.. ونحن قادرون علي حمايته.. كما أن المياه بالنسبة لمصر أمن قومي. ذلك هو فصل الخطاب.