أحسست بأن همومي قد ثقلت وأن بدني قد اعتل وبدأت عوامل اليأس والاحباط تجد طريقها إلي نفسي فأشار علي بعض أصدقائي بأن نخرج إلي رحلة صيد في الصحراء.. نغسل فيها أبداننا من هموم وأوجاع الحضارة والتحضر وأن نترك خلف ظهورنا مسببات القلق والتوتر وبالفعل وافقت وتجمعنا فجراً إلي منطقة صحراوية جنوب غربي مدينة العلمين حيث أمضينا يوماً بين جنبات الطبيعة النقية التي لم يلوثها ملوث ولم تلعب في خصلات عذريتها يد إنسان وتصادف أن التقينا رجلاً بدوياً من رعاة الغنم وهي مهنته التي يعشقها كما قال.. لأنها تعطيه الفرصة للتأمل والصفاء النفسي وتضفي علي طباعه الصبر والتجلد علي كل ما يصادفه من عثرات.. إلا أن هذا الراعي علي بساطته يحتفظ في جيبه بمذياع يتابع من خلاله ما يحدث في البلاد وقد أضفي عليه هذا نوعاً من الصفاء الذهني ولم ترقه مناقشاتنا التي سبق وأن وعد بعضنا البعض بألا نخوض فيها.. فقد سأل الراعي من قلب الصحراء تدرون من أكثر المستفيدين من أوضاع مصر الآن؟ قلت من؟ أجاب: لعل أكثر المستفيدين مما يحدث الآن في مصر من انفلات أمني وإعلامي واعتصامات وتظاهرات واختلافات هو الرئيس المخلوع مبارك وحاشيته من الفاسدين المفسدين.. سواء أكانوا داخل أسوار السجن أو أنصاره الذين لم تطلهم يد العدالة بعد.. والذين يتبجحون بلا خجل ينفخون في الكير لإشعال نار الفتنة والشقاق بين أبناء الوطن.. غير عابئين بأن مصر عاشت معتلة ثلاثة عقود.. وعندما بدأت تتعافي خرج علينا من يسمون أنفسهم أصحاب المطالب.. فهؤلاء يريدون جني أكبر قدر من الثمار دون مراعاة لما بقي من ثمار الشجرة التي كانت تقطف ثمارها أولاً بأول. وهنا أسأل.. هل يعقل أن يطلب العاملون بالنقل العام أرباحاً عن خمسين عاماً مضت؟؟!! هل هذا معقول؟؟ وهل من الوطنية أن يعطل المعلمون الدراسة من أجل مزايا خاصة..؟؟ في الوقت الذي يحرصون فيه علي الانتظام في إعطاء الدروس الخصوصية..!! أي ضمير هذا الذي يحركهم ويبيح لهم أفعالهم.. يا هؤلاء إنكم دون أن تدرون تساعدون الثورة المضادة وفلولها.. هؤلاء الذين عاشوا لسنوات مقهورين وحين استفاقوا واستنشقوا نسيم الحرية فقدوا الوعي فأصبحوا دون أن يدروا معارضين.. معارضين لماذا؟؟ معارضين لكل شيء.. فلا قرارات المجلس العسكري تروقهم.. ولا أسلوب أداء مجلس الوزراء يوافق أهواءهم..!! يا هؤلاء هذه مصر تعود لارتداء ثوب الحرية فلا تلوثوه بالشقاق والخلاف.. فالسفينة تسير إلي الشاطيء لا تخرقوها فتغرق.. فيشمت فيكم من سبق وقال: عليكم أن تختاروا ما بين الاستقرار أو الفوضي..!! لا تكونوا كالدابة التي قتلت صاحبها دون أن تدري.. فمصر في احتياج للعمل والعطاء.. مصر في احتياج لمن يكون مصرياً ومصرياً بحق. همسة: لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه.