في الوقت الذي يعاني فيه المجتمع من ارتفاع نسب العنوسة والطلاق تطرقت إحصائيات تعداد سكان مصر 2017 لمشكلة أخري خطيرة يعاني منها المجتمع وهي زواج القاصرات أو الفتيات دون سن ال 18 واللاتي بلغ عددهن لنحو 119 ألفا ممن ثبت لهن أوراق زواج رسمية ووصل سن بعضهن إلي 12 عاما فقط وهو ما تعجب منه الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته باحتفالية التعداد السكاني مؤخرا. من جهتها أعلنت وزارة الأوقاف عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات للحد من ظاهرة الزواج المبكر حيث حذر الشيخ جابر طايع رئيس القطاع الديني بالوزارة الأئمة والقيادات الدينية من القيام بأعمال المأذونية ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية كما طالب القائمين علي شئون المساجد بعدم السماح بإشهار عقد الزواج بالمسجد إلا في وجود المأذون الرسمي وبعد التأكد من هويته وكذلك تسلم صورة من عقد الزواج الرسمي حال إشهاره بالمسجد فقط وإجراء العقد خارجه مشددا علي منع الوزارة إشهار أي زواج عرفي داخل المساجد. استنكر علماء الدين زواج القاصرات فيؤكد د. عبد الغفار هلال عميد كلية اللغة العربية الأسبق بجامعة الأزهر أنه لم يرد نص في الشريعة الإسلامية يحدد سن زواج الفتاة لا في القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة فالقرآن الكريم وكذلك الأديان كلها التي أنزلها الله كانت مهمتها الأساسية تحديد الثوابت والكليات تاركة للإنسان مهمة التفاصيل التي تتناسب مع حياته ومع العصور المختلفة وتعاقب الحقب الزمنية التي يعيشها الإنسان علي الأرض .. وتحديد السن المناسبة لزواج الفتاة يعد من التفاصيل التي تركت ليحددها الإنسان كيفما يشاء وفقا لما يتناسب مع ظروف البيئة والمجتمع وطبيعة العصر الذي يعيش فيه وإن كانت هناك بعض الثوابت التي لابد أن ننظر إليها ونعتد بها قبل أن نحدد هل تلك الفتاة يمكن أن تصبح زوجة في هذه السن أم لا والدليل أن الله سبحانه وتعالي حث الإنسان علي ألا يلقي بنفسه في التهلكة وهي من القواعد والكليات العامة التي نقيس عليها كل جديد ومستحدث. وحول حجة البعض ربط هذا الموضوع بما نسب عن زواج الرسول للسيدة عائشة وهي في سن التاسعة من عمرها يقول د. هلال إنه في الوقت الذي ذكرت تلك الرواية حول سن السيدة عائشة الصغير هناك أيضا الكثير من الروايات والأقاويل التي ذكرت أن الرسول عليه الصلاة والسلام تزوج من السيدة عائشة وهي في عمر 25 عاما منها ما ذكر علي لسان بعض الكتب التاريخية مثل الإمامة والسياسة لابن كتيبية وكتاب البداية والنهاية لابن كثير وكتاب وفيات الأعيان لابن خلكان. أشار إلي أن ما نعانيه من آفات مجتمعية ناتجة عن القراءة الخاطئة لعلوم الدين وقياس المجتمع النبوي بنظرياتنا الحالية أي أنه من الصعب أن نفهم الواقع المعاصر بتفاصيل ما كان يحدث في المجتمع النبوي قديما .. وحاليا توجد دراسات علمية كثيرة أوضحت بعض المفاهيم التي كانت مبهمة في العصر القديم حيث كانوا يعتمدون في تحديدها علي نظريات ورؤي خاصة بهم لا يمكن تعميمها في كل العصور. صفقات مالية استشهد د. محمد أبو ليلة أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر بقول الله تعالي في محكم كتابه "وابتلوا اليتامي حتي إذا بلغوا النكاح" فيقول إن الله اشترط قدرة البنت والولد علي تحمل أعباء الزواج من كافة النواحي الجسدية والفكرية حتي يكون الزواج صحيحا .. أما ما يتم في إطار الصفقات المالية ففيه هدر لكرامة البنت ويعد نوعا من التجارة بأعراض الصغيرات. أشار إلي أن القاعدة الشرعية تؤكد علي أن درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح ولا يخفي علي أحد الأضرار الاجتماعية والنفسية والبدنية التي تقع علي الطفلة لو تم تزويجها وهي في سن صغير والتي تنعكس بدورها علي المجتمع ككل .. وتساءل كيف يتحقق المفهوم الأساسي للزواج بأن يقوم علي المودة والرحمة والعلاقة بين الزوجين غير متوائمة لأنها بين طفلة صغيرة ورجل يكبرها بعشرات السنين مما يفقدها عنصر التكافؤ ؟. يري أن أولي خطوات الحل هي التوعية عن طريق المؤسسات الدينية ووسائل الإعلام المختلفة وإلغاء التسنين نهائيا إلا في الضرورة القصوي ويكون ذلك عن طريق قاض وليس طبيبا. قانون رادع تري د. آمنة نصير عضو مجلس النواب والأستاذ بجامعة الأزهر أن زواج القاصرات من أهم أسبابه النظرة الدونية للمرأة والاعتقاد الذي لا يزال موجودا عند الكثيرين من أنها عار ولابد من الخلاص منها .. فلم يعد القانون هو الرادع لكثير من الممارسات السلوكية المستهجنة والتي لا يرتضيها الشرع والدين في مجتمعاتنا العربية .. لذلك فلابد من حدوث تكاتف بين العديد من المؤسسات سواء الإعلامية أو التربوية أو الدينية أو منظمات المجتمع المدني التي أصبحت تعتبر سلطة تتحكم في مقاليد الأمور لكثير من الشعوب والمجتمعات العربية بما تعده من تقارير حقوقية ترصد واقع العديد من المشاكل داخل المجتمع بشكل خاص .. مشيرة إلي أن هناك قري كثيرة داخل مصر لا تعترف بالقوانين وتضع لها قوانين وضعية خاصة بها تتناسب مع ثقافتها. طالبت بتغليظ العقوبة علي المأذون الذي يزوج من هي أقل من 18 عاما ويحتفظ بالقسيمة داخل مكتبه دون توثيق إلي أن تبلغ الفتاة 18 عاما عندها يقوم بكتابة التاريخ علي قسيمة الزواج وتوثيقها داخل وزارة العدل .. وإذا ما حدث أن طلقت الفتاة لأي سبب من الأسباب قبل إتمام السن القانونية تصبح بلا أي سند قانوني شرعي يؤكد أنها كانت متزوجة من هذا الرجل وأن من حقها وحق أبنائها إن وجدوا حقوقا قانونية ومادية وتظل الفتاة تدور في حلقة مفرغة بحثا عن حقوقها. أكدت د. نصير علي ضرورة فهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وعدم الاستناد إلي الأحاديث الضعيفة لإرضاء الضمير والعمل علي تغيير ثقافة المجتمع وتوجيهها بشكل سليم وتأمين حياة الفتيات بالتعليم والعمل لمنحها ثقتها في نفسها لأن الزواج لن يضيف لها شيئا إن كانت غير مؤهلة نفسيا واجتماعيا مع توعية الآباء بحجم المشكلة خاصة أن الأب لا يزال هو المتصرف الوحيد في مصير الأبناء مع توعية الأمهات اللاتي ينصعن أمام رغبات الآباء في تزويج بناتهن في سن صغيرة وتطوير المناهج الدراسية بحيث تناقش القضية وآثارها وما يترتب عليها وتوعية القاصر وأسرتها بخطورة هذا الزواج. أهم اشتراطات الزواج تؤكد د. عزة كريم الأستاذ بالمعهد القومي للبحوث الاجتماعية أن من أهم اشتراطات الزواج والتي لا يمكن تحديدها بسن هي الثقة في النفس وقدرتها علي ممارسة حياتها كزوجة وأم .. فزواج الفتاة في هذه السن المبكرة وهي لا تمتلك أي مورد اجتماعي أو مادي أو ثقافي يجعلها غير قادرة علي إدارة حياتها بشكل سليم فلابد أن تسعي الفتاة لإنهاء دراستها حتي تصبح قادرة علي مواجهة أعباء الحياة بكل مفرداتها فالتعليم والثقافة يصنعان ثقة الفتاة في ذاتها وسط المجتمع وأمام الرجل الذي سوف تتزوجه. أضافت أن تزويج الفتاة وهي طفلة غير قادرة علي تحمل مسئولية أكبر من قدراتها النفسية والبدنية والصحية والعاطفية سوف يؤدي حتما إلي الطلاق فقد استقر علماء النمو النفسي والبدني أن معدلات النمو تتكون مع عمر 18 عاما وتكتمل في سن 21 من هنا فإن ما دون ذلك السن ليس عليه أي مسئولية قانونية ومن واجبنا أن نحمي تلك الفئة العمرية التي لم يكتمل نموها بعد من العديد من المخاطر النفسية والعقلية والبدنية. أكدت أننا نحتاج داخل المجتمع إلي تعلية قيمة الذات والإدراك والوعي بأهمية دورنا في الحياة فهناك العديد من القيم الإنسانية التي تحتاج إلي البحث عنها من جديد وإعادة تشكيلها وعندما تعود تلك القيم وقتها سوف تنتهي تلك الظاهرة كما أن تنمية القدرة الاقتصادية من أهم الأمور لإعداد مجتمع قوي قادر علي احترام أفراده.