رحلة من العطاء الفني عاشها الفنان الكبير يوسف شعبان استمرت لأكثر من 45 عاماً قدم خلالها أعمالاً متميزة في السينما والتليفزيون والمسرح. ونال شهرة واسعة في دور ضباط المخابرات المصرية "محسن ممتاز" في مسلسل "رأفت الهجان" وكذلك أدواره في "المال والبنون". و"الشهد والدموع". ليعلن قرار اعتزاله الفن وهو يتألم كون الفن عشقه الأول والأخير ويجري في دمه علي حد قوله. أكد يوسف شعبان في حواره مع "المساء" أن قرار اعتزاله الفن جاء غضباً من حالة التدني التي وصل إليها خلال الأعوام الأخيرة. واحتجاجاً علي إهدار الجيل الحالي من الممثلين والمنتجين والمخرجين ما بناه جيله والأجيال السابقة. رافضاً ما تردد أن مرضه وراء اعتزاله موضحاً أنه ينعم بصحة جيدة ومحملاً وزير الثقافة حلمي النمنم مسئولية الأعمال المقدمة حالياً التي "لا تشرف أي مصري". وأنها تصور أغلب الشعب بلطجية وتجار مخدرات. * ما الأسباب التي دفعتك إلي اتخاذ قرار اعتزالك للفن؟ ** هناك أسباب عدة. أبرزها حبي لمصر وغيرتي عليها. وأثناء متابعتي للأعمال التي تقدم أجدها مستواها متدنياً عاماً بعد عام فأصبحنا نشاهد الفنان يخلع ملابسه الداخلية والفنانون يمارسون البلطجة علي بعضهم البعض. بعدما أفني أساتذتنا والأجيال القديمة حياتهم في الفن واستطاعوا أن يجعلوا الفن المصري "هيليود الشرق". ليأتي أناس ليست لهم علاقة بالفن وفنانون يقبلون أي دور من أجل المال وباعوا تاريخ وحضارة 120 عاماً. وأمسكوا في أيديهم "شواكيش" تهدم وتهد حضارة الفن المصري. * تردد أن معاناتك مع المرض في الفترة الأخيرة كانت السبب الحقيقي لاعتزالك؟ ** هذا الكلام غير صحيح. وحالتي الصحية والحمد لله في تحسن بعدما أجريت عملية في القلب. وأما بالنسبة لمرضي بالكلي. فهذا لا يعيقني عن مزاولة مهنتي. خاصة أنني منتظم في العلاج وتناول الأدوية. وحالتي الصحية في تحسن مستمر. محمود الجندي * قرار الفنان محمود الجندي الذي سبقك بالاعتزال شجعك علي ذلك؟ ** الفنان محمود الجندي من الأصدقاء المقربين ودائماً ما يشاركني الفكر والرؤية. لأنه مثلي ومثلي جيلي لسنا راضين عن حال الفن. ولاسيما وأنني في السنوات الأخيرة أتابع وأقيم الموضوعات التي تعرض وأجد أنها مستوحاة من صفحات الحوادث في الصحف والمجلات. فضلاً عن عدم وجود مؤلف واستبدلت بورش الكتابة كل واحد يكتب حلقتين "فهل هذا يعقل؟" وهل مصر لا توجد بها قصص أدبية وكتاب سيناريو علي درجة عالية؟ ولذلك يتملكنا شعور بالغيرة علي هذا البلد. للتصدي بقوة للمحاولات الممنهجة التي تتعمد تخريب الفن المصري. وهذا ليس كلاماً مرسلاً بل معلومات مؤكدة. * هل تري أن اعتزال الفنانين وترك الساحة لهم أفضل أم التصدي؟ ** بالفعل عندما نشاهد ما يحدث ونسكت عليه كأننا مشتركون معهم في جرائم. ولكنني عانيت كثيرا وصرخت بأعلي صوتي لتدخل الدولة ووزير الثقافة لإنقاذ الفن وأن يكونوا غيورين علي هذا البلد. وأصبحت العملية "مش كل واحد معاه قرشين يبقي منتج" ويتحكم ويدمر في البلد. * صف لي شعورك عندما قررت الاعتزال بعد مشوار 45 عاماً؟ ** بصوت حزين يقول تألمت كثيراً عندما قررت اعتزال الفن لأنه عشقي الأول والأخير ويجري في دمي وعشت لحظات سعيدة داخل "لوكيشنات" التصوير مع عمالقة الفن شادية وعبدالحليم ومحمود عبدالعزيز وغيرهم. وهذا التاريخ والمشوار الطويل يجعلني لا أستطيع أن أقدم أعمالاً من نوعية البلطجية وقتل الأم والأب وأدمر تاريخي وتاريخ بلدي. فكان يجب عليّ الاعتزال. ولاسيما وأنه لكي تعرف ثقافة أي شعب عليك أن تشاهد فنها. فهل أصبح الآن فن مصر حواري يسكنها البلطجية وتجار المخدرات. ورفع السلاح والفنانون يمثلون بملابس خليعة ناقص يخلعوا "ملط"؟ وتدخل هذه المشاهد في البيوت بها أطفال وشباب بدون استئذان. * هل تحدث أحد إليك بعد هذا القرار؟ ** كثير جداً من زملائي في الوسط الفني ومسئولون في الدولة وجيراني وأصدقائي المحبون لي حاولوا الضغط عليّ للعزوف عن قراري لتصورهم أنني اتخذت هذا القرار لأسباب شخصية. وهذا غير صحيح حيث إن جو الفن أصبح غير صحي. فنانون بلا عمل * كيف تنظر إلي ظاهرة وجود فنانين ومخرجين بلا عمل؟ ** السبب الحقيقي أن المنتجين أصبحوا يستعينون بمخرجين من خريجي معهد السينما وهما لا مخرجين ولا "نيلة" وهم سبب ضياع الفن لسماعهم كلام المنتجين. والمخرجون العظماء منهم علي عبدالخالق وأحمد النحاس وبدر خان وغيرهم هؤلاء المخرجون يجلسون في منازلهم لأنهم لا يقبلون تدخل المنتجين في الإبداع. فضلاً عن أن الممثل الذي يسند له دور في العمل يقرأ 3 حلقات عن دوره ثم يقبل به ولا يعلم شيئاً عن بداية العمل أو نهايته ويوافق عليه ثم يأتي يصرخ عليه أن يستحمل ويستاهل ما يجري له من المنتجين ومايجيش يشتكي. وهذا لا يصح لابد من قراءة الدور والقصة كاملة حتي يستطيع الفنان التعايش مع القصة ويؤدي بشكل جيد ولكن الفنانين أصبحوا "أراجوزات" من أجل المال. * ما رأيك في العقوبات التي فرضها المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام للأعمال الفنية المخالفة؟ ** أعتبرها خطوة جيدة من الدولة لمواجهة الأعمال البذيئة. وأتمني أن تطبق الغرامات والقوانين وهذا مطلب لنا جميعاً وأن يتم الضرب بيد من حديد حتي يلتزم صناع الأعمال ويعرفوا أن الله حق ويحترموا أنفسهم ويعلموا أن هناك أصولا لمن يعمل في الفن ولن يتصوروا أن الحكاية "قرشين" ويجري وهو مقدم عمل فارغ يدمر به أجيالا. خاصة أن الله سبحانه وتعالي أعطي الموهبة للفنان ليقدم أعمالاً راقية تخدم وطنه وليس ليقدم تعاليم تعاطي المخدرات والبلطجة. التراجع عن الاعتزال * متي تتراجع عن قرارك وتعود مرة أخري؟ ** عندما تعود الدولة وشركات الإنتاج المحترمة "قطاع الإنتاج وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج" والاستعانة بالمخرجين والكتاب المحبين لبلدهم. وأن يشعر وزير الثقافة حلمي النمنم بالكارثة وينتبه لما يحدث علي الساحة الفنية وأن أجد ردة فعل منه ومن نقابة الممثلين إزاء الوضع الراهن. * هل شاهدت أعمالاً عرضت في رمضان الماضي؟ ** من الصعب أن أشاهد مسلسلاً كاملاً. ولكني شاهدت متقطفات من الأعمال المعروضة. ووجدت عملاً أو اثنين بهما مجهود كبير من صناعهما والباقي دون المستوي. وهناك أعمال دخلت في الزحمة كما أن مسلسلات الكوميديا هذا العام لم تعجبني لأنني أشعر أن الكوميديا بها مفتعلة. ولم أتابع مسلسلاً بعينه فقط أتجول بالريموت من عمل لآخر.