* في قراءته للمشهد السياسي الآن توقفت عند فقرة مهمة لم تكتمل مع الأستاذ محمد حسنين هيكل وهي الفقرة الخاصة بالإعلام والتي يبدو أنها جاءت عرضاً وأجمل فيها أكثر مما فصل ولمح فيها أكثر مما صرح. * فقد أشار إلي أن الإعلام المسمي بالقومي سواء كان مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً واقع في أزمة لأنه لا يعرف له صاحباً ليس الآن فقط ولكن مع وجود المجلس الأعلي للصحافة ووصف الاقتراب منه بأنه فج أحياناً وبزيء أحياناً. والحقيقة أن ملف الإعلام القومي يعد من الملفات الشائكة التي يتم إغلاقها بمجرد فتحها فلم ينجح حتي الآن قبل أو بعد ثورة يناير أن يقترب منه أحد ومازال متروكاً بلا هوية وبلا سند وبلا نظام.. ويبدو أن هذا الملف يحتاج إلي فارس بلا جواد يدخل فيه بكل قوة وكل حزم دون خوف من انفجار هنا وصراخ هناك وولولة بينهما. * لا أعتقد أننا إذا اتجهنا فعلاً إلي قيام دولة ديمقراطية حديثة حرة سنكون في حاجة إلي إعلام تطبيل وتزمير ونفاق لحاكم أو حكومة وحتي لا يحدث هذا وتتكرر نفس السيناريوهات السابقة يجب أن تتغير أولاً تلك العقيدة الراسخة في هذا الإعلام المسمي بالقومي والتي تتلخص في أنه جناح تابع للسلطة وأنه يسير علي منوالها وأنه ليس حراً حرية كاملة وأن هناك خيطاً غليظاً يربطه بالجالس علي الكرسي في قصر الرئاسة أو الوزارة. وفي رأيي أن هذه العقيدة الراسخة في مؤسسات الإعلام المسمي بالقومي لن تنتهي إلا إذا تم إنهاء إشكالية الملكية وتحرير هذه المؤسسات من قبضة السلطان وإعلانها مؤسسات إعلامية مستقلة وكيانات قوية يكون العاملون فيها هم أصحاب القرار وأن تكون عقيدتهم الجديدة هي الوطن والمواطن هي الشعب الذي يدعمهم ويتعاطي إنتاجهم. *** * وإذا كان الأستاذ هيكل قد أوجز في مسألة الإعلام المسمي بالقومي فإنه أسهب قليلاً في الإعلام الخاص مؤكداً أيضاً علي مسألة الملكية التي يقول عنها أنه مملوك بالكامل لرؤوس أموال لها مصالحها.. والرجل يمتلك الأسماء المالكة ومتحرج من ذكرها وأعتقد أن كل الإعلاميين والصحفيين يعرفون ذلك أن هذا الإعلام الخاص مهما كانت فورته فهو يتحرك برءوس أموال لها مصالحها.. وصالح أي رءوس أموال تضخ في الصحافة والإعلام هي حماية الأموال وبناء سور واق حولها وخلق نفوذ لأصحابها وتأثير قوي لهم يحمي مصالحهم وإن لم يكن فهي أموال تتدفق لتحقيق أهداف معينة وأجندات خاصة. * ومن هنا يتأكد أن الإعلام الخاص بهذه الملكية المشوهة ملكية المستثمرين أو ملكية الممولين من أجل أهداف لا يعتبر هو الآخر "حراً" فهو مكبل أيضاً بمصالح المالك وأهدافه وليس منزهاً عن الهوي أنه أيضاً إعلام بائس لا يتناسب مع دولة تسعي إلي أن تكون ديمقراطية حقيقية ويحتاج الإعلام الخاص أيضاً إلي فارس بلا جواد يضع مواثيق وأصولاً وتقاليد للعمل في الإعلام الخاص علي أن يكون ممولوه وأصحابه شركات أو مؤسسات برءوس أموال معروفة وأن يكون هدفها هو العمل وتحقيق مكاسب من ترويج المنتج الإعلامي وأن يكون هناك فصل تام بين المالك أو المؤسسة المالكة وبين التحرير والإعلام وألا يكون لها تأثير مصالح أو حماية أو أجندات خاصة تضخ بسببها أموال خارج السياق. * في النهاية فمصر الآن في حاجة إلي تعديل وتقويم شامل لجناحي الإعلام القومي والخاص ونواة هذا التعديل هو عقيدة المهنة.. الهدف الأسمي وهو الشعب والجمهور الذي يتعاطي مع هذا المنتج الإعلامي باختلاف أشكاله وألوانه وأخباره ومقالاته وآرائه. * نتمني أن يخرج الإعلام في مصر الديمقراطية الحديثة من أزمة العقيدة وأزمة التمويل.