سعر سبيكة الذهب اليوم الأحد 25-5-2025 بعد الارتفاع الكبير.. «بكام سبائك ال5 جرام؟»    مي عبد الحميد: تنفيذ أكثر من 54 ألف وحدة إسكان أخضر.. ونستهدف خفض الطاقة والانبعاثات    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 25-5-2025.. كم بلغ سعر طن حديد عز؟    شهيد ومصابون ومفقودون فى قصف جوى على منزل بمنطقة جباليا    نموذج امتحان الاستاتيكا الصف الثالث الثانوي الأزهري 2025 بنظام البوكليت    خبير اللوائح: أزمة القمة ستسمر في المحكمة الرياضية الدولية    القبض على 3 شباب ألقوا صديقهم في بيارة صرف صحي ب15 مايو    الكشف الطبي على 570 مواطنًا خلال اليوم الأول للقافلة الطبية    مستشفى دمياط التخصصي: حالة الطفلة ريتال في تحسن ملحوظ    نجاح أول جراحة «ليزاروف» في مستشفى اليوم الواحد برأس البر    جريمة على كوبري البغدادي.. مقتل شاب على يد صديقه بالأقصر    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    نائب إندونيسي يشيد بالتقدم الروسي في محطات الطاقة النووية وتقنيات الطاقة المتجددة    عقب تحليق مسيّرات قرب المبنى الرئاسي.. 7 إصابات جراء انفجار في العاصمة الأوكرانية كييف    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    قطع المياه عن هذه المناطق بالقاهرة لمدة 8 ساعات.. تعرف على التفاصيل    استشهاد 5 فلسطينيين فى غارة للاحتلال على دير البلح    «بطلوا تبصولي في القرشين».. عمرو أديب: زميلنا جو روجان بياخد 250 مليون دولار في السنة    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    ياسمين رضا تترك بصمتها في مهرجان كان بإطلالات عالمية.. صور    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    الجيش الإيراني يؤكد التزامه بحماية وحدة أراضي البلاد وأمنها    رئيس الكونغو الديمقراطية السابق يواجه محاكمة    برعاية مصرية.. «النواب العموم العرب» تطلق برنامجها التدريبي من مدينة الغردقة    "إكس" تعود للعمل بعد انقطاعات في الخدمة امتدت لساعات    المخرج الإيراني جعفر بناهي يحصد السعفة الذهبية.. القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان    «هذه فلسفة إطلالاتي».. ياسمين صبري تكشف سر أناقتها في مهرجان كان (فيديو)    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    "دفاع الشيوخ": قانون الانتخابات يرسخ مبادئ الجمهورية الجديدة بتمثيل كافة فئات المجتمع    "العربية للسياحة" تكشف تفاصيل اختيار العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية    زيلينسكي: المرحلة الثالثة من تبادل أسرى الحرب ستُنفذ الأحد    "القومي للمرأة" يهنئ وزيرة البيئة لاختيارها أمينة تنفيذية لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    «أضرارها تفوق السجائر العادية».. وزارة الصحة تحذر من استخدام «الأيكوس»    موجة حر شديدة تضرب القاهرة الكبرى.. انفراجة مرتقبة منتصف الأسبوع    الصديق الخائن، أمن الأقصر يكشف تفاصيل مقتل سائق تريلا لسرقة 6000 جنيه    «الداخلية» تكشف تفاصيل حادث انفجار المنيا: أنبوبة بوتاجاز السبب    رحلة "سفاح المعمورة".. 4 سنوات من جرائم قتل موكليه وزوجته حتى المحاكمة    «أحدهما مثل الصحف».. بيسيرو يكشف عن الفارق بين الأهلي والزمالك    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    بيسيرو: رحيلي عن الزمالك لم يكن لأسباب فنية    "بعد إعلان رحيله".. مودريتش يكشف موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية مع ريال مدريد    بعد غياب 8 مواسم.. موعد أول مباراة لمحمود تريزيجيه مع الأهلي    حلم السداسية مستمر.. باريس سان جيرمان بطل كأس فرنسا    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    ميلان يختتم موسمه بفوز ثمين على مونزا بثنائية نظيفة في الدوري الإيطالي    وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر    رمضان عبد المعز: التقوى هي سر السعادة.. وبالصبر والتقوى تُلين الحديد    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    «أباظة» يكرم رئيس حزب الجبهة الوطنية في ختام مؤتمر الشرقية| فيديو    زلزالان خلال 10 أيام.. هل دخلت مصر حزام الخطر؟ أستاذ جيولوجيا يجيب (فيديو)    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    اغتنم فضلها العظيم.. أفضل الأدعية والأعمال في عشر ذي الحجة ويوم عرفة 2025    رئيس «برلمانية التجمع»: وافقنا على قانون الانتخابات لضيق الوقت ولكن نتمسك بالنظام النسبي    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكري 65 للثورة: 23يوليوفضحت ألاعيب "الإخوان" مبكراً
نشر في المساء يوم 22 - 07 - 2017

غداً.. يكون قد مر علي قيام حركة الجيش المباركة التي قامت في 23 يوليو 65 عاماً.. فقد أطلق عليها عبارة الحركة المباركة.. لأنها كانت بيضاء بغير عنف أو دماء أو اغتيالات.. استقبلها الناس بفرحة وتأييد في كل أنحاء البلاد بعد أن عاشوا أعواماً في ألوان وأشكال التعسف والاستثناءات والفوضي والفساد.. ملك لأهم له إلا اشباع ذاته واقتنائه ما لدي الغير من كنوز أو أراض أو قصور ويكتنز الأموال.. والسهر علي موائد القمار.. وغير ذلك مما جعله يعيش وسط حاشية معظمها من الأجانب.. ولا علاقة له بالشعب الذي أطاحه بالحب والحنان يوم حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين وإجباره علي إطاعة أوامر السفير البريطاني يوم 4 فبراير 1942.
كان الشعب في واد والحكومة في واد آخر لا هم لها إلا الحفاظ علي الكرسي.. وسط مشاحنات بين الأحزاب والألوان من الفساد تحيط بكل منها.. وانتخابات في أغلبها مزيفة.. والشعب حائر.
وكان لابد من انقاذ الشعب.. بعد أن تفاقمت المساوئ وتزايد تيار السخط الشعب وتحول إلي بركان يوشك أن ينفجر.. وهذا ما دفع مجموعة من الضباط الأحرار إلي القيام بحركة تزيل وتمنع النقمة وتعيد للشعب المطحون حقوقه ومكاسبه التي فقدها عبر سنوات وسنوات.
وانطلق الضباط يوم 23 يوليو وساروا مسيرة الثوار النبلاء وقاموا بتغيير كل الأنظمة التي كانت سائدة بحيث تحولت هذه الحركة من مجرد انقلاب إلي ثورة.. وكانت ثورة شعبية.. مضت في طريقها تحقق الكثير من النجاحات وأصيب أيضاً بكثير من النكسات والفشل الذريع.. ولكن في جميع الأحوال عندما نضع ثورة 23 يوليو في الميزان فإن كفة الإيجابيات تبدو واضحة أكثر من السلبيات.
عموماً فإن هذه الثورة قامت علي أكتاف هؤلاء الضباط الذين كونوا مجموعة الضباط الأحرار.. والحقيقة أن لهم تاريخاً طويلاً قبل أن ينطلقوا بحركتهم.. يقول الدكتور ثروت عكاشة في كتابه "مذكراته في السياسة".
في أحد أيام عام 1949 بعد اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي.. كان البوليس السياسي دائم القيام بحملات علي مقار جماعة الإخوان المسلمين.. وفي إحدي المرات وخلال حملة من الحملات عثر علي كتاب سري من الكتب الخاصة بالجيش المصري في استخدام القنابل اليدوية وعليه اسم اليوزباشي "نقيب" جمال عبدالناصر.. وكان هذا الكتاب من الكتب المحظورة تداولها خارج الجيش.. وعلي الفور استدعي إبراهيم عبدالهادي باشا رئيس الوزراء في ذلك الوقت جمال عبدالناصر ليسأله في هذا الأمر والسبب في وجود هذا الكتاب السري في أحد مقار الإخوان وتم التحقيق في حضور الفريق عثمان المهدي رئيس هيئة أركان الجيش.. وكان عبدالناصر سريع البديهة في تخلصه من هذا المأزق الخطير إذ ذكر أنه قد أعطي هذا الكتاب لصديقه اليوزباشي أنور صبحي زميله في الجيش وكان قد استشهد في حرب فلسطين ويقول ثروت عكاشة أحد الضباط الأحرار وأحد الأعمدة المهمة في ثورة 23 يوليو 1952 أن جمال عبدالناصر شعر بعد هذه المواجهة مع إبراهيم عبدالهادي أي البوليس السياسي سوف يتعقبه كما سوف يتعقب من يتصلون به.. وقد سارع جمال عبدالناصر إلي ثروت عكاشة لينبهه ويحذره كما طلب تحذير خالد محيي الدين بعدم الاتصال بأي من هذه المجموعة.
والمدهش أنه بعد قيام الثورة وتشكيل محكمة الثورة أحال مجلس قيادة الثورة في شهر سبتمبر سنة 1953 إبراهيم عبدالهادي لمحاكمة أمام هذه المحكمة لأنه أشاع حكم الإرهاب أثناء رئاسته للوزارة سنة 1948.1949 وهيأ لأعوانه الأسباب التي يسرت لهم اغتيال زعيم الإخوان المسلمين حسن البنا.
وصدر بحقه حكماً بالإعدام ثم خفف إلي السجن المؤبد وصدر قرار بالإفراج عنه صحياً عام 1954.. وكان هذا الحكم بمثابة محاولة إرضاء لجماعة الإخوان.. ومجاملة من الثورة لهم إلا أن ذلك لم يغير من نفسية الإخوان تجاه الثورة.ويمضي الدكتور ثروت عكاشة في سرد ذكرياته قائلا: إن عبدالناصر فكر منذ ذلك اليوم في تنظيم قيادة مبسطة من بعض زملائه الضباط وتكوين مجموعة منهم يطلق عليهم الضباط الأحرار.. وضمت كمال الدين حسين وخالد محيي الدين وابن عمه زكريا محيي الدين وقائد الأسراب حسن إبراهيم الذي ضم صديقه قائد الجناح عبداللطيف البغدادي وكذلك ضمت صديقه عبدالناصر الصدوق عبدالحكيم عامر.. والأخوين صلاح وجمال سالم وقد رأي جمال عبدالناصر ضم أنور السادات نظراً لاتصالاته بالحرس الحديدي التابع للسراي وأيضاً لضباط المخابرات بالسفارة البريطانية.. وقال عبدالناصر لخالد محيي الدين أنور سيفيد التنظيم باتصالاته مع هاتين الجهتين.
اللجنة التأسيسة
كذلك يقول جمال حماد أحد المشاركين في ثورة 23 يوليو إن هذا التشكيل تم تنظيمه في سبتمبر عام 1949 وتم تكوين اللجنة التأسيسية بقيادة جمال عبدالناصر وعضوية ثمانية ضباط هم مجموعة الضباط الأحرار ومعهم الضابط عبدالمنعم عبدالرءوف من أعضاء الإخوان وبدأ التنظيم يتصل بالتنظيمات الأخري القائمة في الجيش في ذلك الوقت لضم من يتوسمون فيه الراغبة للعمل معهم فتم ضم الضباط الإخوان كأفراد وبعض أعضاء قسم "حرتو الماركسي" كأفراد أيضاً لأن عبدالناصر كان حريصاً علي استغلال التنظيم وعدم سيطرة تنظيم سياسي معين.
وصدر أول منشور عن تنظيم الضباط الأحرار في فبراير 1950 وإن كان عبدالمنعم عبدالرءوف يزعم أن تنظيم الإخوان كان يستخدم عبارة الضباط الأحرار علي منشوراته بدلاً من الإخوان الضباط ويزعم الإخوان أن تنظيمهم تم تأسيسه عام 1945.
شكوك عبدالناصر في الإخوان
ويزعم عبدالمنعم عبدالرءوف أن تنظيمهم ضم جمال عبدالناصر وخالد محيي الدين وحسن إبراهيم وكمال الدين حسين وقد تركوا تنظيم الإخوان عام 1947 لأن عبدالناصر كان يري أن الإخوان لا يعلنون صراحة منهجاً محدداً فيما يتعلق بالقضية الوطنية "حيث كانت مصر في ذلك الوقت تحت الاحتلال البريطاني" وكذلك لم يكونوا واضحين في مسائل الإصلاح الاجتماعي وشعر بأن هدفهم هو السيطرة علي تنظيم الضباط لتنفيذ أغراض الجماعة وحدها في الوقت نفسه بدأ عبدالناصر ورفاقه ينظرون بعين الشك إلي نشاط عبدالمنعم عبدالرءوف التي استمرت علاقته التنظيمية بالإخوان مما أدي إلي تجميد عضويته بتنظيم الضباط الأحرار قبل الثورة بثلاثة أشهر رغم استمرار علاقات المودة بينه وبين عبدالناصر وقيادات الإخوان الذين أبلغهم عبدالناصر بنفسه موعد قيام الثورة قبل تحرك القوات المشاركة في الانقلاب بثلاثة أيام.. وذلك كما ذكر الدكتور رءوف عباس في مقاله عن تنظيم الضباط الأحرار الذي نشره بمناسبة مرور 50 سنة علي الثورة في كتاب الهلال.
القسم علي المصحف والمسدس
وعن علاقة ثورة 23 يوليو بالإخوان أجاب كمال الدين حسين عن سؤال حول حقيقة إخوانية الثورة وهل كان عبدالناصر عضواً في الجهاز السري.. قال "عندما تخرجنا في الكلية الحربية بدأت بمجموعات في كل سلاح تتجمع وتناقش الأوضاع في البلاد توطدت علاقتي بعبدالمنعم عبدالرؤوف وهو ضابط إخواني وقد اصطحبني في أحد الأيام إلي منزل جمال عبدالناصر كان عند تقاطع شارع أحمد سعيد بشارع الملكة نازلي "رمسيس حالياً" كانت تلك أول مرة التقي فيها بعبد الناصر وكانت كذلك أول مرة التقي فيها بالمرحوم الصاغ محمود لبيب الذي كان موجوداً مع عبدالناصر وكان وكيلاً لجماعة الإخوان المسلمين وتكررت لقاءاتي مع عبدالناصر والصاغ محمود لبيب وعبدالمنعم عبدالرؤوف ولم تكن حتي هذا الوقت مدونين في سجلات الإخوان المسلمين كأعضاء وإن كنا اقسمنا علي المصحف والمسدس في منزل المرحوم عبدالرحمن السندي الذي كان رئيساً للجهاز السري وقد ذكر قادة الإخوان أن من يقسم هذا القسم يصبح عضواً في الجهاز السري.. ولكن والحق يقال أن عبدالناصر قرر أن تبقي حركة الضباط الأحرار داخل الجيش غير مرتبطة بالإخوان.
المعارضة تنذر الملك
مع بداية الخمسينات من القرن الماضي.. كانت كل الشواهد تشير إلي أن البلاد ستتعرض لأحداث ما.. لايعرف مداها إلا الله سبحانه وتعالي.. كان الاحتلال البريطاني مازال كاتماً علي صدر أهل مصر.. يثير الفزع في النفوس يمارس سياسة تحت سمع وبصر ملك وحكومات مصر.. يطيعون أوامره وينفذون رغباته.. كان الناس يشكون من انتشار الفساد وعبث العائلة الملكية بفضائح لا عهد لهم بها.. سواء من أم الملك أو من بعض شقيقاته وانتشرت هذه الفضائح علي صفحات الصحف والمجلات العالمية والمصرية بخلاف روايات أخري ظلت تطارد الملك في كل مكان.
وقد دفع هذا بعض السياسيين من المعارضة إلي ارسال مذكرة موقعة من 17 من زعماء المعارضة ومؤرخة في 17 أكتوبر سنة 1950 ذكروا فيها أن أداة الحكم انحدرت ووصلت سمعته إلي الحضيض وقالوا أن البلاد لتتذكر حكم أياماً سعيدة كنتم فيها الراعي الصالح وكانت تحف بكم أنه تلاقت عند عرشكم آمالها والتقت حول شخصكم قلوبها.. إلا أنهم وجدوا الاقدار قد أفسحت مكاناً في الحاشية الملكية لأشخاص لا يستحقون هذا الشرف فأساءوا النصب واساءوا التصرف بل أن منهم من حامت حول تصرفاتهم ظلال كثيفة من الشكوك والشبهات.. ومضي المعارضون يقولون أن الحكم لم يعد للدستور وأن النظام النيابي قد أضحي حبراً علي ورق منذ أن عصفت العواصف بمجلس الشيوخ فصدرت مراسيم يونية 1950 التي قضت علي حرية الرأي فيه..
ومضت المذكرة ترصد ألوان الفساد من الحكومة ومن الملك وعندما يشق الملك هذه المذكرة قرر معاقبة الموقعين عليها يوم دعوتهم لأي مناسبة وطنية أو ملكية.
وزير يرفض حلف اليمين
ويقول صلاح الشاهد مدير المراسم في عهد الملك وفي عهد جمال عبدالناصر في كتابه "ذكرياتي في عهدين" انه عندما اسندت وزارة الحربية إلي القائمقام إسماعيل شيرين بك رفض أن يحلف اليمين وحاول أن يقبل يد الملك وقال والدموع في عينيه "يا مولاي.. أنا خادم العرش.. والعرش في خطر.. ولن ينقذ العرش سوي شخص واحد هو مصطفي النحاس.. واضاف يا مولاي نحن أمام بوادر انقلاب في الجيش وسوف يطيح بالعرش وأنا مخلص لجلالتكم واطالبكم بانقاذ العرش"..
ويقول صلاح الشاهد كان إسماعيل شيرين صادقاً في لهجته خصوصاً عندما ناشد الملك أن يعطيه الفرصة لإثبات ولاءه للملك.
وكان إسماعيل شيرين يريد أن يسافر بطائرة خاصة إلي أوروبا لكي يحضر النحاس باشا.. ووافق الملك ولكن حافظ عفيفي رئيس الديوان الملكي وقتئذ تدخل لدي الملك ومنع إسماعيل شيرين من تنفيذ اقتراحه. علي أساس انه لو دعي النحاس باشا لمثل هذا الأمر لشارك بنفسه في خلع الملك!!
وقامت الثورة التي انتهت بخلع الملك بعد ثلاثة أيام وكأن إسماعيل شيرين كان يقرأ الغيب في كتاب مفتوح..
المهم أن المظاهرات كانت تعم الشوارع وكلها مظاهرات عدائية ضد فاروق تنطلق بين أوساط الطلبة ومن العمال ويقول عبدالرحمن الرافعي في كتابه مقدمات ثورة 23 يوليو.. أن كل هذه الأمور حولت الحياة إلي برطمان يوشك أن ينفجر وقد انفجر البرلمان بالفعل في شكل ثورة 23 يوليو .1952
الحكومة تقترض المرتبات
الحقيقة: يخطئ كل من يظن أن حال مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952 كان أفضل وأيسر من أيام الثورة ومابعدها.. كانت الأوضاع في مصر غاية في السوء.. أجمع المؤرخون وأصحاب المذكرات الخاصة الذين عاشوا أيام الملكية.. علي أن كل أنماط الحياة فاسدة.. سيئة.. كان الغلاء رهيباً.. في المواد الغذائية.. في ايجار المساكن.. ولم تجد الحكومة وقتئذ أمامها إلا فرض تسعيرة جبرية للسلع والخضراوات واللحوم والطيور.. وفي كتاب مجلد ثورة 23يوليو "50 سنة ثورة" خبراً يقول إن الحكومة بجلالة قدرها لم تجد سبيلاً لسداد مرتبات الموظفين عن شهر يوليو 51 إلا باقتراض 5.2 مليون جنيه من البنك الأهلي.. ولم تكن المرة الأولي التي تستدين فيها الحكومة..
كانت مصر في واد وحكامها في واد آخر.. الناس تعاني من الغلاء والفقر والحكومة تنفق باسراف وبذخ.. المعاناة رهيبة من قسوة الحياة في مصر.. الناس تعيش في شظف وفقر. ووفود الحكومة التي تسافر لحضور المؤتمرات العالمية أكبر من وفود الدول الكبري..
ويمضون وقتاً أطول بكثير مما تقضيه وفود باقي الدول.. فمثلاً كان الوفد المصري يعيش شهرين في نيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة ومعه عشرة من الصحفيين.. ووفد آخر في لندن يتفاوض علي الأرصدة الاسترلينية لمصر في الخزانة البريطانية وينفق آلاف الجنيهات.. ورغم ذلك يعود الوفد كما جاء بخفي حنين.
الملك يطلب سلفة
أما الملك فاروق فإن حكاياته التي رواها بعض المؤرخين فوق الخيال.. ومن هذه الحكايات ما يرويه عبدالرحمن الرافعي في كتابه مقدمات ثورة 23 يوليو. "كان الملك إذا اعجبته أرضاً سعي بمختلف الوسائل إلي اكراه صاحبها لاعطائها لجلالته بيعاً أو هدية.. ويستغل سلطاته لبيع محاصيله بأغلي الأسعار ويضطر التجار إلي الشراء لينالوا الحظوة لديه. لم يكن هذا فقط بل كانت النفقات التي تنفق علي قصوره المملوكة للدولة باهظة.. باهظة وكلها من ميزانية الدولة كذلك امتنع عن دفع ضريبة الإيراد العام المستحق عليه ويقول الرافعي انه في سنة 1951 طلب من وزارة الوفد أن يصرف له مرتبه لمدة عام مقدماً وتعداده مائة ألف جنيه
مع تحويله بالدولار إلي الولايات المتحدة الأمريكية.. هذا بالاضافة إلي النفقات الباهظة التي كان جلالته ينفقها مع سفرياته في الخارج لقضاء اجازة الصيف لدرجة ان الشيخ عبدالمجيد سليم وكان قد عين شيخا للأزهر قد صرح لمجلة آخر ساعة في 29 اغسطس 1951 اجاب فيه علي سؤال قائلا: ان الحكومة تضن بالمال علي رجال الأزهر ومشروعاته ثم قال "تقتير هنا واسراف هناك" وكان الملك يؤمئذ يصطاف في الخارج وما ان اطلع علي هذا الحديث حتي ظن ان النقد موجه إلي شخصه فأرسل اشارة لاسلكية من اليخت الملكي يأمر فيها بعزل الشيخ عبدالمجيد واغتنمت الوزارة الفرصة ونفذت التوجيه السامي بعزل شيخ الأزهر.
وطبيعي ان تكون كل هذه الحكايات وغيرها كثير عن الأحوال السيئة والفساد المنتشر في مصر ومعاناة المصريين سببا لقيام المظاهرات وكانت الهتافات التي تدوي ضد فاروق ظاهرة جديدة لم يسبق لها مثيل في الحياة السياسية وجاءت نذيرا بما سيئول إليه مصير الملك والملكية وبات الأمر واضحا بأن هناك حدثا ما سيحدث في مصر خاصة وان المظاهرات كانت شبه عامة والدراسة في الجامعات والمدارس معطلة بصفة شبه دائمة ولم يكن علي الألسنة كلها إلا كلمة الثورة يظل الناس يرددونها كرغبة وأمل في انعاش الحياة في مصر والقضاء علي الفساد ورءوس الفساد بما فيهم الملك وأسرته التي ملأت الدنيا فضائح.
يوم 23 يوليو
كانت الساعة تشير إلي السابعة والنصف من صباح يوم الأربعاء 23 يوليو سنة 1952 عندما استيقظ العالم علي صوت يأتي من الراديو يعلن قيام انقلاب في الجيش وجاء في هذا الاعلان الذي ألقاه أنور السادات.. ان مصر اجتازت فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير علي الجيش.
وبعد هذا البيان بساعة واحدة أي في الثامنة والنصف صباحا أعلن اللواء محمد نجيب بصفته القائد العام للقوات المسلحة بيانا آخر جاء فيه تعلمون جميعا الفترة العصيبة التي تجتازها البلاد في كل فرع من فروعها وراحت أصابع الخونة تتلاعب بمصالح البلاد واننا في هذا اليوم التاريخي نطهر أنفسنا من الخونة والمستضعفين ونبدأ عهدا جديدا في تاريخ بلدنا.
عبدالناصر يتكلم
أما جمال عبدالناصر فإنه وصف ما حدث ليلة 23 يوليو في أحد أحاديثه الصحفية أصدرت الأوامر بالتحرك في تمام الساعة الحادية عشرة مساء يوم 22 يوليو حيث كان يتحتم اتخاذ قرار فوري بالتحرك فلو اننا تركنا كل شيء ويتم في ساعة الصفر المتفق عليها وهي الساعة الواحدة صباحا فقد يدكوننا قبل ان ندركهم من ناحية أخري كانت الأوامر قد وزعت وكان من أصعب الأمور الاتصال بكل من له صلة بالموضوع.. وعند منتصف الليل كان الجيش قد استولي علي مقر الإذاعة والمقر الرئيسي للجيش بالعباسية واختير اللواء محمد نجيب قائدا عاما للقوات المسلحة الذي اتصل بوزير الداخلية يبلغه ان الجيش قام بحركة هدفها التطهير واحترام الدستور والأمن وحفظ النظام بالتعاون مع قوة الشرطة وقام بالاتصال بكافة السفارات الأجنبية خاصة الأمريكية والبريطانية لابلاغهما ان الضباط الأحرار قد استولوا علي الحكم وان حياة رعاياهما في آمان ما لم يتم التدخل من جهة خارجية للقضاء علي الحركة.
خلل سياسي
وكانت الأوضاع السياسية في مصر مختلة تماما حيث استقالت وزارة حسين سري بعد يومين من تشكيلها وتولي بعده أحمد نجيب الهلالي الذي تم تشكيل وزارته يوم 22 يوليو وحلفت الوزارة بكامل تشكيلها اليمين القانونية في حضرة الملك في نفس اليوم الساعة الرابعة عصرا وبالتالي لم يكن قد مضي علي تشكيلها إلا نحو 16 ساعة عندما أعلن قيام حركة الجيش وقام الهلالي باشا بالاتصال من الاسكندرية بالقائد العام اللواء نجيب في القاهرة وأبلغه بأنه مستعد لاجابة طلبات الجيش ولكن القائد العام اخطره بأن الجيش يريد تغيير الوزارة.. وعلي الفور قام الهلالي باشا بتقديم استقالة الوزارة إلي الملك فاروق الذي قبلها بالطبع.
وكان بعض ضباط الحركة قد اتصلوا بعلي ماهر باشا وزاروه في بيته واطلعوه علي اهداف الحركة وطلبوا منه ان يؤلف الوزارة الجديدة بالطريق الطبيعي وتألفت الوزارة الجديدة يوم 24 يوليو أي في اليوم التالي لاندلاع الحركة التي كان يطلق عليها الحركة المباركة قبل ان يطلق عليها كلمة الثورة وكان أول قرار تصدره قيادة الثورة هو منع المظاهرات اطلاقا.
الثورة والملك
لم يكن الملك فاروق يعرف غرض الثورة ولم تكن البيانات الأولي للثورة تحدد ماذا اعتزمت عليه وكان ظنه ان حركة 23 يوليو لا تعدو أن تكون انقلابا عسكريا محدود المدي يعقبه انقلاب وزاري يستهدف الاصلاح ثم تعود ريما إلي عادتها القديمة مع الفوضي والفساد.
أمريكا لا تتدخل
وفي صباح هذا اليوم 23 يوليو بعث الملك فاروق برسول خاص هو ايلي عامل اللاسلكي بالقصر إلي السفارة الأمريكية ليدعو السفير جفرسون كافري سفير أمريكا في مصر لمقابلة الملك ولبي كافري الدعوة وتوجه علي الفور إلي قصر المنتزة وقابل الملك واستمع منه إلي ما يريد قوله ووعد السفير بأن ينقل نص الحديث بينهما إلي حكومته وهنا ادرك الملك ان أمريكا لن تتدخل لصالحه.
المصير المجهول
علي الجانب الآخر انقسم أعضاء مجلس قيادة الثورة حول مصير الملك.. هل يحكمون عليه بالاعدام أو يغتالونه أو يحددون اقامته أو يجبرونه علي التنازل عن العرش ومغادرة البلاد إلي غير رجعة.. وانتصر الرأي الأخير وفي صباح يوم 26 يوليو توجه الفريق محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة وكان قد تم ترقيته إلي الرتبة ولكنه تنازل عنها بعد ذلك وكان بصحبته البكباشي "المقدم" أنور السادات إلي مقر الوزارة الصيفي في بولكلي وقابلا علي ماهر رئيس الوزراء وسلماه انذارا من مجلس قيادة الثورة إلي الملك يطالبونه بالتنازل عن العرش.. وكان الانذار موقعا من الفريق محمد نجيب وقد ذكر بعض الضباط الأحرار أن محمد نجيب وأنور السادات هما فقط الظاهران علنا كمسئولين عن الحركة.. أما جمال عبدالناصر فلم يكن له ذكر وان كان هناك اجماع علي انه مؤسس جماعة الضباط الأحرار ورئيس الهيئة التأسيسية بالانتخاب عدة مرات.
مغادرة البلاد
وكان الانذار يطالب الملك بالتنازل عن العرش لصالح ابنه الأمير أحمد فؤاد وكان عمره في ذلك الوقت نحو عام واحد.. علي ان يغادر البلاد قبل الساعة السادسة من مساء نفس اليوم 26 يوليو وبالفعل توجه علي ماهر إلي قصر رأس التين الذي انتقل إليه الملك من قصر المنتزة واخطر جلالته شفهيا بهذا الانذار ونصحه بالامتثال ووافق الملك وعند الظهر ذهب إليه وكيل مجلس الدولة سليمان حافظ وحصل علي توقيعه علي وثيقة التنازل كما أصدر الملك أمراً ملكياً رقم 65 بتنازله عن العرش لابنه ولي العهد الأمير أحمد فؤاد وذلك لتجنب البلاد المصاعب في هذه الظروف الدقيقة ونزولا علي ارادة الشعب.
وفي الساعة السادسة غادر الملك فاروق مصر رأس القبة وودعه علي ماهر والسفير الأمريكي جفرسون كافري وأيضا اللواء محمد نجيب وقائد الجناح جمال سالم وحسين الشافعي من الضباط الأحرار وأبحرت به وبعائلته اليخت المحروسة.. وكانت هذه آخر رحلة يقوم بها الملك من مصر كذلك كان سفره بدون عودة إلي الأبد.
وهكذا بدأت حركة الضباط الأحرار التغيير واطلق عليها الحركة المباركة.
لم يكن الشعب يعرف كل هذه التحركات.. ولم يعرف ان الملك تنازل عن العرش.. الا بعد ابحار اليخت المحروسة حيث اذيع بيان خاص بتنازل فاروق.. في الوقت نفسه خرجت بعض السيارات المزودة بمكبرات الصوت وفيها عدد من ضباط الجيش حيث طافوا بشوارع القاهرة والإسكندرية يطلبون من الجماهير الالتزام بالهدوء والسكينة.
بدأت الثورة نشاطها بعد رحيل الملك فاروق بالدعوة إلي تطهير الأحزاب وذلك من خلال بيان اذيع بعد منتصف ليلة 31 يوليو 1952 دعا فيه الأحزاب والهيئات الي تطهير صفوفها كما فعل الجيش وان تعلن الأحزاب برامجها محددة واضحة المعالم حتي يكون الشعب علي بينة من أمره ولكن الأحزاب لم تكترث بهذه الدعوة وظلت ماضية في أوهامها تنتظر الوقت المناسب لتنقض علي الثورة.. وقد عبر جمال عبدالناصر عن هذه الحالة في خطبة له بشبرا الخيمة بعد ذلك قائلا: إننا لم نقم بهذه الثورة لكي نحكم أو نقود بل أقول انه كان من أول أهدافنا ان نعيد للحياة النيابية الحق وقد نجحت الثورة وخرج الملك".
قانون الإصلاح الزراعي
في 9 سبتمبر 1952 أصدرت وزارة محمد نجيب قانون الإصلاح الزراعي.. وقد حدد هذا القانون بانه لا يجوز لأي شخص ان يمتلك من الأراضي الزراعية أكثر من 200 فدان وله ان يتصرف إلي أولاده في مساحة أخري لا تزيد علي مائة فدان.
تخفيض الايجارات
ولاحظت الثورة ان ايجارات المساكن مرتفعة فأصدرت الحكومة قراراً بتخفيض الايجارات بنسبة 15% ثم تبعها بعدة أشهر بتخفيض آخر.. الأمر الذي جعل الناس تحجم عن بناء مساكن لتأجيرها خصوصا وقد تم تشكيل لجان لتقدير الايجارات وقد صاحب هذه اللجان سلبيات كثيرة.. واتجهت الدولة إلي عمليات البناء فانشأت مدينة نصر وبدلا من عرض المساكن التي انشأتها للايجار عرضتها للبيع ومن هنا تحول الناس إلي بناء المساكن وبيعها بدلا من عرضها للايجار.
حل الأحزاب
وأصدرت الحكومة قانونا بحل جميع الأحزاب ومصادرة أموالها لانها لم تقم بتطهير نفسها.. وأصبحت البلاد بدون أحزاب.. وأيضا بدون برلمان.
اعلان الجمهورية
ومن أهم القوانين التي أصدرتها الثورة قانون بالغاء الملكية وانهاء حكم أسرة محمد علي واعلان أول جمهورية في مصر وكان ذلك يوم 18 يونيه 1953 وتم تعيين محمد نجيب رئيس للجمهورية وجمال عبدالناصر نائبا لرئيس الوزراء.
ثروة فاروق
في شهر سبتمبر 1953 صادرت الثورة أموال الملك السابق فاروق وكان مصادرة 24 قصرا وتفتيشا و48 ألف فدان وكذلك مصادرة اليخت فخر البحار واليخت فيض البحار بالاضافة إلي ملايين الجنيهات التي كانت مودعة في البنوك.. ولم يستطع الحصول عليها.
كما تمت مصادرة أموال أفراد أسرة محمد علي وبلغ عدد أفرادها 407 أشخاص واكتشفت البنوك ان معظم أموالهما قد تم تهريبها للخارج.
صراع السلطة
وكان يمكن للثورة ان تمضي في سياسة الاصلاح والتجديد واجراء الاصلاحات علي كل أمور الدولة لولا ان حدث انشقاق بين أعضاء مجلس قيادة الثورة بعضهم علي بعض وأيضا حدوث صراع علي السلطة بين محمد نجيب رئيس الجمهورية وجمال عبدالناصر الذي صرح بأن نجيب يريد ان يسرق الثورة وحدث الخلاف المعروف والذي أطلق عليه أزمة مارس .1954
حل جماعة الإخوان
وقبل بداية هذه الأزمة أصدر مجلس قيادة الثورة في 14 يناير 1954 قرارا بحل جماعة الاخوان لتآمرهم مع رجال السفارة البريطانية علي قلب نظام الحكم ويطبق عليهم قرار مجلس قيادة الصادر بحل الأحزاب السياسية.. وصدر بيان يحدد أسباب الحل.
في الوقت نفسه اعتقلت الحكومة جماعة من الإخوان من بينهم حسن الهضيبي المرشد العام للجماعة وزعماء الإخوان في القاهرة والأقاليم وبلغ عدد المعتقلين كما قال زكريا محيي الدين 450 شخصا.
أزمة مارس
المهم انه مع شهر مارس 1954 تفاقمت الأزمة بين نجيب وعبدالناصر وكان ممكن ان يؤدي هذا الخلاف الذي لم يكن سوي صراع علي السلطة إلي فشل ثورة 23 يوليو ولكن عبدالناصر الذي عشق الزعامة والرئاسة كما ذكر عبداللطيف البغدادي وكمال الدين حسين وحسن ابراهيم حيث قالوا انه كان لايريد إلا أن يكون رئيسا.. وبالفعل كان هو رئيس تنظيم الضباط الأحرار ولكنه ظل متواريا خشية فشل الثورة وصدر في منصب الرئاسة محمد نجيب وذكر الضباط الثلاثة في مذكراتهم التي تناولها الكاتب الصحفي المرحوم سامي جوهر أن عند قيام الثورة لم يكن معروفا من قادتها الا محمد نجيب كرتبة عالية واسناد القيادة له وايضا أنور السادات بحكم ما كان يمارسه من سياسة وأنه أول من اعلن عن قيام الثورة.
حل الأزمة تكلف 4 آلاف جنيه
نعود الي حكاية الأزمة وعند ذكر عبدالناصر أنه حقق الانتصار واستطاع أن يشل حركة محمد نجيب ويجعله هامشيا بدون فاعلية وذلك بمبلغ أربعة آلاف جنيه فقط دفعها الي الصاوي رئيس نقابة النقل فجعل عمال النقل يضربون عن العمل وظهرت الشوارع خالية من اوتوبيسات النقل ولم يستطع الناس الخروج والذهاب الي اعمالهم.. واستطاع عبدالناصر بهذا التصرف أن يكون زعيما للأمة المصرية ورئيسا بلا نزاع..
حادث المنشية
وحدث يوم 26 اكتوبر 1954 ان كان عبدالناصر يخطب في ميدان المنشية بالاسكندرية في احتفال شعبي كبير اقيم تكريما لجمال عبدالناصر وزملائه بمناسبة توقيع اتفاق الجلاء في 27 يوليو 1954 متضمنا المباديء الرئيسية للاتفاق النهائي المقترح اعداده لتنظيم الجلاء وقد تم توثيقة بالأحرف الأولي.
وحدث أثناء القاء عبدالناصر للخطاب اذ دوت في الميدان ثماني رصاصات متتابعة صوبها الي صدر الرئيس أخذ الشباب الذي تبين أنه من الإخوان ولكنها اخطأت المرمي.. ولم يصب الرئيس بسوء.
وترتب علي هذه الجريمة ان اصدر مجلس قيادة الثورة أمراً بتشكيل محكمة مخصوصة سميت محكمة الشعب برئاسة قائد الجناح جمال سالم وصدرت أحكاما بالاعدام علي زعماء الإخوان بما فيهم المرشد العام حسن الهضيبي ولكن الحكم خفف الي اشغال شاقة بالنسبة له فقط وترتب ايضا علي هذه الجريمة اعفاء محمد نجيب من رئاسة الجمهورية حيث ثبت من التحقيقات أنه كان علي اتصال بالإخوان وكان يعتزم بعد نجاح الانقلاب الإخواني دعوة الجمهور الي الترحيب بحكومة الإخوان.
تحديد إقامة نجيب
وهكذا تم نتحية محمد نجيب من منصبه واعفائه من جميع المناصب التي كان يتولاها وتقرر ايضا ان يظل منصب رئيس الجمهورية شاغرا وان يستمر مجلس قيادة الثورة في تولي كافة سلطاته بقيادة جمال عبدالناصر.
وصدر قرار ايضا باعتقاله وتحديد اقامته في منزله بالمرج وظل حبيساً هذا البيت الي أن مات جمال عبدالناصر فأفرج عنه انور السادات.
الحراسات
عموما استقرت الأوضاع بعد ذلك ونشطت الثورة في اتخاذ تدابير التغيرات في كافة الأنشطة.. وزادت عمليات فرض الحراسة علي الأغنياء وعلي اصحاب المنشآت الاقتصادية.. واصبح ما عرف باسم القطاع العام هو المسيطر علي كافة الأنشطة. حتي وصل الأمر الي انشاء قطاع يسمي "قطاع الفول والطعمية" تابع للقطاع العام. وتوسعت الثورة في انشاء الجمعيات الاستهلاكية التي تبيع المواد التموينية والغذائية بأسعار مخفضة ولكن كانت معظم السلع بها ندرة ونشطت في الحصول عليها.. وظهرت الطوابير واصبحت مادة للتندر خاصة في الافلام السينمائية.
تأميم قناة السويس
ومن أبرز ما قامت به الثورة تأميم شركة قناة السويس في عام 1956 وكان امتيازها ينتهي ..1968 ولكن كان قرار عبدالناصر بتأميمها ردا علي تصرفات الولايات المتحدة وبريطانيا بانسحابهما من تمويل مشروع السد العالي.. وترتب علي ذلك قيام اسرائيل بالاعتداء علي مصر والاستيلاء علي سيناء وقامت قوات حربية من بريطانيا وفرنسا بتهديد مصر ولكي تعاون اسرائيل في اعتداءاتها علي مصر.. وفشلت هذه الحملات وانسحبت من سيناء قد وضع بها قوات دولية لحفظ القطاع.
الوحدة
وفي عام 1958 وصل نجم عبدالناصر الي السماء مما دعا الشعب السوري وقادته الي طلب الوحدة مع مصر وتحقق ذلك في شهر فبراير 1958 واستمرت لمدة ثلاث سنوات حدث بعدها انفصال لعدم رضا الشعب السوري علي السياسة الاقتصادية الاشتراكية التي قرر عبدالناصر تطبيقها هناك.
الاتجاه للصناع
قرر عبدالناصر أن تكون مصر بلدا صناعيا.. بحيث تستوعب آلاف من الايدي العاملة.. وذلك بجانب كونه بلدا زراعياً.. واهتم بانشاء مصانع للحديد والصلب علي أساس توافر خام الحديد في الصحراء الغربية وانشأ خطا حديديا لنقل هذا الخام الي المصانع التي اقامها في منطقة التبين بحلوان.. وبالفعل بدأ المصنع في الانتاج ولكن لأمر ما تم اختيار رئيسي لمجلس الإدارة من أهل الثقة وليس من أهل الخبرة.. وبالتالي فإنه لولا مساعدة الخبراء الروس في عمليات الانتاج ولكنها لم تكن بالصورة المطلوبة.. والغريب أن خط السكة الحديد سرقة اللصوص ولم يتم له خطوط بديلة.
وقرر انشاء مصانع للورق علي اساس استخدام بعض المواد البيئية في عمليات التصنيع.
كما انشأ ايضا مصانع كيما للسماد في اسوان.. كان يهدف الي اقامة ألف مصنع.. لكن هل تم انشاء هذا العدد..! ولكن في جميع الأحوال كانت هناك خطط بالفعل لانشاء المصانع.
وكان عبدالناصر يحلم بأن يتعلم جميع ابناء الشعب في الجامعات والمعاهد العليا وتوسع بالفعل في أنشاء عدد من الكليات.. واقبل الناس علي الحاق ابنائهم بالتعليم الثانوي علي امل الحاقهم بالكليات.. كما توسع ايضا في انشاء المدارس.. بحيث أصبحت كل المدن الصغيرة بها مدارس ثانوية عامة.
اما التعليم الفني فقد أهمل بعض الشيء نتيجة لانصراف الناس علي تعليم ابنائهم في الجامعات.
الحقيقة أن ثورة 23 يوليو احدثت تغيرات واسعة في المجتمع المصري.. ولم تكن هذه التغييرات قاصرة علي بداية انطلاقة الثورة بل ظلت مستمرة ربما حتي الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.