أكد فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر أنه لا مفر من الاتحاد والوحدة والالتفاف حول قضايانا الوطنية وكل ما هو متعلق بمصرنا ومستقبلنا وليس أمامنا إلا تفويت الفرص وبشتي الطرق علي المتربصين بالعرب والعروبة من أعدائهم في الخارج وأعوانهم في الداخل ولم يكن العرب والمسلمون بحاجة إلي الوقفة الجادة والكلمة المسئولة بمثل ما هم عليه اليوم.. فقد بدأت الغيوم السوداء تلوح في الأفق وإن هبت العواصف -لا قدر الله- فإنها لا تبقي ولا تذر. فعلي العابثين بمصائر الأمة أن يقدروا حجم الخطر الذي يؤدي إليه هذا العبث وسوء التقدير في وزن مصائر الأمور. أعرب الإمام الأكبر عن شكره لرئيس الجمهورية لدعمه المتواصل للأزهر وحرصه علي تمكينه من تحقيق رسالته المحلية والعالمية في بيان حقائق الإسلام وإنسانية شريعته ونشر ثقافة السلام بالشرق والغرب ودعمه في رسالته العالمية التي حافظ فيها علي هوية الأمة وتراثها ومنهجها العلمي المستقيم حتي أصبح مثابة تهوي إليه أفئدة المسلمين من شتي بقاع العالم.. سائلاً الله أن يغدق سحائب رحمته ورضوانه علي شهدائنا الأبرار من أبطال القوات المسلحة والشرطة المصرية والآمنين من المواطنين. وأن ينتقم ممن غدروا بهم في الدنيا قبل الآخرة. وأن يديم علي أهليهم وذويهم الصبر الجميل. وأن يعوضهم خيراً في دنياهم وآخرتهم. وأن يعيننا علي الوفاء لهم والقيام بحقوقهم. أوضح أن الاحتفال بليلة القدر هو احتفال بنزول القرآن الكريم علي رسول الإنسانية محمد صلي الله عليه وسلم وهو في الوقت نفسه احتفال بقدر العلم وقيمته التي احتفي به الكتاب الكريم في أول ما نزل منه في قوله تعالي: "اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم". وفي هذا الاستهلال ما فيه من احتفاء الإسلام بقيمة العلم والتنويه بمنزلته والتذكير بخطره الشديد في التمييز بين الحق والباطل والصواب والخطأ. أضاف في كلمته بمناسبة الاحتفال بليلة القدر: ومما يعجب له المتفطن لأمر العلم في القرآن أن يبعث نبي أميّ لايقرأ ولا يكتب ولم يمسك بالقلم طوال حياته لا تعلماً ولا تعليماً وفي مجتمع جاهلي لا عهد له بالقراءة والكتابة ولا بالعلم ولا التعلم لا من قريب أو بعيد. وتكون كلمة "اقرأ" هي الكلمة الإلهية الأولي التي تطرق سمعه الشريف وتغمر أقطار عقله وقلبه. ثم يكون حديث العلم والتعليم هو الرسالة الأولي التي يقرع بها آذاناً صماً وقلوباً عمياً لا تدري ما العلم ولا التعليم. وإن تعجب فعجب أمر هذا الأميّ الذي يؤمر بالقراءة وما هو منها بسبيل. فقد كان لا يقرأ خطاً ولا يكتبه بيده. كما يقرر القرآن الكريم في قوله تعالي: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون". ووجه الإعجاز في هذه الآية هو إثبات علمه صلي الله عليه وسلم مع ثبوت أميته. لأن العلم والأمية أشبه بنقيضين لا يجتمعان في الوقاع. إذ أحدهما ينفي الآخر لا محالة بحكم الضرورة ومنطق العادة والمألف المُشاهد. أكد الإمام الأكبر أن القرآن بدأ رسالته للناس بقرع أجراس العلم والمعرفة في آذانهم وعقولهم أولاً لينتبهوا بعد ذلك إلي أن أمر العقيدة في الإسلام إنما يتأسس في المقام الأول علي "العلم" والنظر العقلي وليس علي "التسليم القلبي" الخالي من حجج العقل واستدلالاته. وهذا هو سر تكرار كلمتي "العقل والعلم" لفظاً ومعني واشتقاقاً نحو 865 مرة وهو ما لا نجده لآية مفردة أخري من مفردات القرآن سوي "العلم والعقل والمعرفة" علي أن تنويه القرآن بطريق العقل في تحصيل الإيمان بالله تعالي لا يعني أنه أهمل طريق الفطرة. بل هي الشعور الذي يمثل قدراً مشتركاً بين الناس جميعاً لا يخلو منه أحد من الناس منذ بدء الخليقة وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. غير أن الفطرة وإن كانت الطريق الأقرب لمعرفة الإنسان بربه. إلا أنها كثيراً ما تعرض لها علل وأمراض معنوية وصوارف اجتماعية وبيئية تفسدها وتقعد بها عن دورها الخطير في حياة الإنسان. ولذلك كان خطاب العقل في القرآن هو الخطاب المعول عليه تكليفاً وثواباً وعقاباً. أشار إلي أن العلم والعقل الذي بني عليهما الإسلام أمره منذ أول كلمة فيه وجعلهما مناط تكاليفه كلها كبيرة كانت أو صغيرة أوشك أن يخلي مكانه في حياتنا المعاصرة إلي أخلاط من ظنون وأوهام وتخيلات استبدت -أو كادت- تستبد بالعقول. وتؤثر علي مجتمعاتنا سلباً وارتياباً وشكوكاً. بل تؤثر علي استقرار الشعوب وتماسكها الذي هو الشرط الأساسي في نهضة الدول ونمائها وتقدمها. ومما يُتألم له أشد الألم أن صارت الظنون والأهواء هي فيصل التفرقة في التعرف علي الحق والباطل والخطأ والصواب. وأصبح اللّبس الذي تثمره هذه الظنون هو الحق الذي لا حق سواه. حتي صار التمسك بمعيار العقل والمستضئ بمنطقه وعلومه يشعر بغربة موحشة في من شدة ما يتناثر علي طريق الحق من أغاليط ملتوية وشبهات مظلمة وتعميمات كسحة لو خلي بينها وبين نور الدليل وسطوع البرهان لا نمحق زيفها وبهرجها وضجيج وانقطع ضجيج حناجر الصارخين بها. والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة حين يأمر بسؤال أهل الذكر في الأمور التي تخفي علي الناس ولا يعلم حقيقتها إلا العارفون به. وذلك في قوله تعالي: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".