رغم هتافات الجماهير التي كانت تشارك في تشييع جنازة خالد عبدالناصر من مسجد والده الزعيم الراحل بكوبري القبة إلا أن صوتها اخترق أذني وقلبي. كانت تردد وكأنها تحدث نفسها "يا غالي يا بن الغالي. سلم لي علي أبوك" كانت ترتدي الزي التقليدي الذي كانت ترتديه أمهاتنا في القري والأرياف جلباب أسود وطرحة سوداء. خطر لي أن أتحدث معها عن الغالي الذي مازالت تذكره وكأنه مات بالأمس ولكن جلال اللحظة وزحام المشيعين الذي دفعني بعيداً عنها جعلني أقلع عن هذا الخاطر. "يا خالد قول أبوك الملايين بيحبوك" الهتاف ليس جديداً. قالته الملايين أثناء جنازة أبوخالد والشعب مازال يذكره بعد نحو 40 عاماً من موت ناصر ليردد نفس الهتاف في جنازة ابنه الذي اقترن اسمه به "أبوخالد". عجيب هذا الشعب. ذاكرته لا تضعف ووعيه لا يشيخ لم يتأثر طوال السنوات الماضية بحملات شعواء حاولت النيل من زعيمه ولا بسياسات حمقاء حاولت شطب إنجازاته لم ينس الشعب من ثار من أجله رافعاً هدف العدالة الاجتماعية ليتقدم كل أهداف الثورة. خالد عبدالناصر كان أقرب أولاد عبدالناصر شبهاً بأبيه ليس فقط الشبه ولكن الروح والسلوك. لم يسع يوماً للاستفادة من كونه ابن الرئيس ولم ينس قول أبيه له "لو استخدمت اسمي في أخذ ما ليس لك سأضعك في السجن الحربي" وبعد موت والده غامر خالد بمستقبله عندما شارك صديقه الدبلوماسي محمود نور الدين تأسيس تنظيم ثورة مصر الذي استهدف عملاء الموساد إسرائيلي الذين كانوا يعملون تحت غطاء السفارة الإسرائيلية في مصر وقتها. كتب خالد مذكراته عن فترة طفولته وشبابه في كتاب بعنوان "أمي تحية" ليكشف جوانب جديدة من حياة أسرته التي تعكس بساطتها كما تعكس حزم رب الأسرة الشديد في الحفاظ علي المال العام ومعيشته كأي أسرة مصرية أخري. يقول خالد: كان في بيتنا بمنشية البكري مطبخان أحدهما بالدور الأرضي يمول من مصاريف الرئاسة ويخصص لضيوف الرئاسة العرب والأجانب الذين يقتضي البروتوكول استضافتهم في بيت الرئيس. يقع المطبخ الآخر في الدور الثاني ويختص بطعام الأسرة ويدفع مصاريفه رب الأسرة من راتبه وهناك فصل تام بين المطبخين. ويقول خالد في موقع آخر إن يوم الأربعاء من كل أسبوع كانت الأسرة تتناول البصارة ولا تقدم اللحوم في هذا اليوم. ويقول إنه في أحد الأيام وجد علي مائدة الطعام صنفا غريبا لا هو ملوخية التي يحبها والده ولا هي خبيزة وعندما سأل عنها قالوا إنها "رجلة" طلبها الرئيس وقال إن والده كان يطلب في طعامه "الفول الحراتي الأخضر". كان أبوخالد يعيش معيشة الشعب الذي أحبه وآمن به وأخلص له فبادله الشعب حباً بحب وإخلاصاً بإخلاص.