ما الذي يمنع أن تحيا وتلعب وتضحك وتمارس الحياة وأنت في تسعينيات العمر؟ وما هو السر الذي يجعل الإنسان يعيش حياة طيبة في هذا العمر؟ في 5 يونيه القادم تبدأ شبكة HBO التليفزيونية الأمريكية عرض فيلم تسجيلي عن الحياة بعد سن التسعين يتضمن عدداً من اللقاءات مع مجموعة من النجوم والمنتجين والممثلين تجاوزوا التسعين ومنهم من تجاوز المائة ومازالوا يمرحون ويقبلون علي الحياة وبعضهم يقول "إن الأيام الأسعد لم تأت بعد". عنوان الفيلم طريف وساخر: "إذا لم يكن اسمك في قائمة الوفيات.. تناول إفطارك" والجملة مأخوذة عن تصريح للممثل الكوميدي الأسطوري كارل راينر "95 سنة" الذي تسمعه في اللقاء الذي يظهر في الفيلم يقول: "في كل صباح وقبل أن أتناول إفطاري التقط الجريدة وافتح قسم الوفيات. فإذا لم يكن اسمي موجوداً في القائمة.. أتناول إفطاري". الفيلم يحتفي بالحياة والحيوية والنشاط الذي مازال يحتفظ به أناس تجاوزوا التسعين ومنهم: الممثل والمخرج المشهور ميل بروكس "90 سنة" والكوميديان كارل راينر وسيدة الأعمال ومصممة الأزياء ايريس ايفيل "95 سنة" والممثل والمغني الراقص ديك فان دايك وبيتي وايت وكيرك دوجلاس ونورمان لير. يقول منتج الفيلم جورج شابيرو وهو ابن شقيق الممثل كارل راينر: ان والدة الممثل جيري سينيفيلد تفيض حيوية ودائمة الضحك وهي في سن التاسعة والتسعين "99 سنة" وقد صورناها في فيلم تسجيلي وعمرها 97 سنة بينما ترقص مع صديقها الذي يبلغ من العمر 92 سنة. وقد التقت به حين كان عمره 90 سنة وعمرها 95 سنة والممثل فان دايك مازال يرقص والمخرج والممثل ميل بروكس يقوم حتي الآن بجولاته وهذا كله مدهش بالتأكيد ويستحق الإعجاب وهو جدير بالتحية التي سنقدمها عندما يعرض الفيلم في يونيه ويراه أربعون مليون مشتارك في قناة HBO. وإلي جانب هذه الأسماء التي التقي بهم الفيلم هناك أيضاً الممثلة ايدا كلينج التي تبلغ من العمر 101 عااً ومدرب اليوجا ومعلم رقصة التانجو تاو بورشون لنشي البالغ من العمر 98 عاماً. إن الاحتفاء بالحياة ضرورة وطاقة إيجابية أكيدة وقد أعادتني قراءة هذا التحقيق عن الفيلم التسجيلي "إن لم يكن اسمك في قائمة الوفيات.. تناول افطارك" إلي استرخاء اللقاء الممتع والذي لا يخلو من مسحة أسي مع الممثل المصري المبدع جميل راتب في برنامج "فحص شامل" وقد بلغ التسعين "أمد الله في عمره" والذي تقدمه علي قناة "الحياة" المذيعة راغدة شلهوب عندما سألته "هل تخشي الموت"؟ وكانت الإجابة: أبداً الموت راحة وكأن السؤال من الموت يفرض نفسه فرضاً في هذه المرحلة من العمر صحيح ان الممثل اللامع تحدث برضاء عن مشوار حيله وعن رضائه الكامل بما أنجزه وبالتكريمات التي أسعدته وآخرها تكريمه في تونس أثناء مهرجان قرطاج الأخير. يلفت النظر بين الإحساس العام الذي يشيعه الفيلم التسجيلي الأمريكي المفعم بالرغبة في الحياة والاحتفاء بها والإقبال عليها حتي الثمالة بغض النظر عن عدد سنوات العمر. وبين الإحساس الذي وصل لي وأنا أتابع برنامج "فحص شامل" مع اعترافي باجتهاد المذيعة ومذاكراتها لموضوع حلقتها لكنه الفارق الثقافي ثقافة "الحياة" وثقافة "الموت" التي تحاصرنا وتسكن وعينان الباطن والحاضر فنحن نذكر الموت كثيراً في خطابنا العام ونتكلم عن النار وعذاب القبر والجحيم ونضع للمرأة الشرقية رقماً افتراضياً للشباب وللشيخوخة لا تصلح بعده لحياة نشيطة شابة. إن هؤلاء النجوم "الشباب" في عمر التسعين وما فوق ممن التقاهم المخرج والمنتج الأمريكي لم يفرطوا في الحياة وعاشوها بأسلوب صحي سليم من دون إفراط في الطعام أو تقصير في ممارسة الرياضة أو توقف عن الحب وبلا إسراف في الحزن. فنحن أيضاً نعشق ثقافة "النحيب" ولدينا متخصصات في "الندب" ومتخصصون في "البكاء" أثناء الكلام عن "الوعيد" هؤلاء الذين ضمهم الفيلم الأمريكي الكوميدي الطريف لم يفرطوا أيضاً في الوقت ولم يعرفوا الكسل الذهني أو التواكل والاستسلام الغريزي لشهوات الحياة من دون لجام. وإنهم يدينون بثقافة الحياة وكيفية ممارستها كالمثل القائل "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً" صحيح ان النصف الأول من المثل "اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً" لكن العمل للآخرة بإخلاص يمكن ان يكون دعماً للحياة الصالحة وعدم ابتذال الوقت وتحفيزاً للعمل الذي ينفع الناس. الفنان جميل راتب من بين النجوم المتحضرين الذين حرصوا كما أتصور علي ممارسة الحياة بإقبال المحب لها وقد وصل قمة النجومية وشارك في أفلام عالمية وتعامل مع مشاهير النجوم واسمه كما تستطرد المذيعة أصبح "ماركة" مسجلة. وفي بداية الحلقة علي قناة الحياة التي وصفتها بأنها حلقة تكريمية سألته: صحتك عاملة أيه؟ أجاب بابتسامة عريضة: أنا مبسمعس كويس وما بشفش كويس وما بممشيش كويس وهو فعلاً جالس علي كرس متحرك!! ورغم ذلك فالرجل صافي الذهن جداً وحاضر البديهة وان شعرت انه يعي تقدمه في السن وبأنه وصل إلي المحطة الأخيرة.. علي عكس ما يشيعه الفيلم الأمريكي الذي تعكس مقدمته الإقبال والبهجة وحالة النشاط المعدية التي تنتقل فوراً إلي المتفرج.. الحياة حلوة بس نعاملها بذمة.