قال لي صديقي: نحن شعب لا يكف عن الغناء للوطن أكثر شعوب العالم تغنياً بالوطن وله وعنه وأقل شعوب العالم عملاً للوطن عندنا فائض كبير من الأغاني الوطنية منذ 65 عاماً حتي اننا نصدر الأغاني والأناشيد الوطنية للدول العربية كلها وأناشيد وأغاني هذه الدول من تأليف وتلحين مصريين قلت له: صدقت.. بل إن الأغاني والأناشيد الوطنية صارت "سبوبة" كبيرة.. لكن الفرق الآن كبير جداً زمان عندما كنا نسافر إلي الخارج ويتصادف أن نسمع أم كلثوم تغني: مصر التي في خاطري وفي فمي أحبها من كل روحي ودمي كنا نبكي شوقاً وحنيناً وتجري دموعنا أنهاراً. الآن يا صديقي نسمع الأغاني الوطنية ونضحك أي والله نستمع ونضحك هل أصابتنا البلادة؟ أم إننا نسمع غناء لوطن لا وجود له في قلوبنا وعقولنا؟ أم هما الاثنان معاً؟ أنا أفتش عن الوطن ولا أكاد أراه أفتش عن المصريين ولا أجدهم ... "هي دي الكارثة". مصر لم يعد بها مصريون.. المصري النقي الخالي من الشوائب انتهي واختفي.. نحن جيران غصباً عنَّا في رقعة من الأرض وكل منَّا يحلم بأن "يعزل" وينتقل إلي رقعة أرض أخري "ماتفرقش" زمان كنا نسافر في بلاد الله ونترك قلوبنا وعقولنا وكرات دمنا في الوطن الآن سافرت قلوبنا وأرواحنا وعقولنا وكرات دمنا بعيداً.. وبقيت في الوطن أجساد بلا حياة تريد أن تسافر وتهاجر حتي إلي الموت.. وعندما تنجو من الموت في عرض البحر تقول: سأعيد الكرة سأسافر مرة أخري. مصر لم يعد بها مصريون.. فيها كل الانتماءات إلا الانتماء لمصر فيها السلفي والإخواني والعلماني والليبرالي والاشتراكي الثوري والناصري والناشط "والناشطة والوش العكر" فيها المسيحي والمسلم والسني والشيعي.. فيها المعارضة والموالاة فيها من هو ضد النظام ومن هو مع النظام لكن ليس فيها مصريون مصر كلها خيام عليها لافتات لكن ليس بينهما خيمة الوطن مصر ليس فيها شعب بالمعني الواضح لكن فيها قبائل سياسية وفكرية ودينية متناحرة ومتنافرة وكل هؤلاء المتنافرين المتناحرين يرفعون عقيرتهم بالهتاف لمصر وللوطن.. تماماً كما تنسحب مجموعة من اجتماع ما بسبب الصراع علي المصالح والمناصب وتصدر بياناً نارياً حول الإرادة الشعبية ومصلحة الوطن ومن أجل مصر. مصر صارت كلمة حق يراد بها باطل والوطن صار لفظاً بلا معني وتفاجأ بأننا جميعاً وطنيون مصريون نعشق ترابها ونيلها "وحتي لوني قمحي لون خيرك يا مصر" والحق أن الخونة والعملاء وتجار الدين والسياسة والمتربحين من الجمعيات الحقوقية وتجار المعارضة وتجار الموالاة والناعقين والمطبلين كلهم يتحدثون باسم الوطن حتي أصبح عندنا مليون وطن ليس بينها الوطن الأصلي وكلها أوطان تايوانية مضروبة أوطان "فشنك" تقليد ومسخ وكل فريق يربط الوطن في ذيل النظام الذي يريد... فالوطن فوق الجميع إذا حكم الإخوان والوطن فوق الجميع إذا حكم من بعدهم ومن قبلهم الوطن هو النظام الحاكم ولا يوجد وطن دائم الوطن يزول بزوال نظام ويأتي وطن آخر مع نظام جديد والوطن في حالة سقوط دائمة يسقط بسقوط النظام ويبقي ببقائه.. مليون مصر لا نعرف أيها ننتمي إليها ونحبها والذين يهتفون لكل هذه الأوطان المسخ كما هم لا يتغيرون نفس الوجوه التي عليها غبرة ترهقها قترة.. نفس الفجرة نفس البجاحة والقدرة الخارقة علي القفز من السفينة الغارقة إلي السفينة الطافية.. لا يستحيون ولا يخجلون فعل ذلك رجال الأعمال السفلية.. آفة مصر وسبب عذابنا وهمنا وغمنا عندما ارتموا في أحضان الإخوان وانفقوا بسخاء علي حملاتهم الانتخابية وهم يفعلون ذلك الآن يلعنون الإخوان ويلعبون مع الدولة الحالية.. رجال الأعمال السفلية هم سرطان مصر الذي انتشر في جسدها كله هم الذين تاجروا في كل شيء ليربحوا ويسقط الوطن تاجروا في الدين والسياسة والثورة والاقتصاد والطب والإعلام والصحافة وغسلوا الأموال القذرة في تمويل الإرهاب وفسدوا فحصدوا ثمار فسادهم مليارات وأفسدوا الرياضة والإعلام والقانون والدين والسياسة أفسدوا كل شيء. أفسدونا جميعاً وذبحوا الوطن من الشريان إلي الشريان. بل أفسدوا الفقراء أيضاً وصارت الجيوب والبطون والفروج أعلي من الوطن. وكل ناقد أو كل ناقم أو كل معارض أو كل موال يتحسس جيبه وبطنه وفرجه وعلي هذا الأساس يحكم إن كان الوضع جيداً أم سيئاً.. رجال المال القذر والأعمال السفلية هم المسئولون عن ضمور الوطن فينا وتآكله في وجداننا لأنهم علمونا أن وطني فلوسي "صاحبي قرشي وعمي دراعي" وطني في جيبي وبطني وفرجي وإذا لم يرض الثلاثة "يبقي طظ في الوطن" لذلك لم يعد في هذا البلد وطنيون مصريون. ولم تعد الخيانة العظمي في رأيي مجرد التجسس لحساب دولة أجنبية. هناك ملايين ينبغي محاكمتهم بتهمة الخيانة العظمي للوطن. المختلس خائن والمرتشي خائن. ورجال الأعمال السفلية خونة. والإعلاميون عبيد رجال الأعمال خونة.. والذين يطالبون بالعلاوات والحوافز والبدلات والترقيات في مؤسسات منهارة خونة. والدولة الرخوة المرتعشة المشلولة تساعد علي الخيانة. الوطن عندنا صار وثناً يصنعه نظام. ثم يأتي نظام ليهدمه ويحطمه ويصنع وثنه.. وكلها أوثان باطلة. وكلها أوطان باطلة. ولم نعد نعرف الفرق بين الوطن والوثن ونعاني تعدد الأوطان والأوثان!!!