في خضم أحداث الفوضي التي ارتفعت وتيرتها يوم الجمعة الماضي "جمعة تصحيح المسار" والتي تم خلالها مهاجمة السفارة الإسرائيلية ووزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة انتشرت أخبار قوية عن وجود تمويل خارجي من عدد من الدول العربية لاسقاط الثورة المصرية.. أو ما اسمته صحف أخري "اسقاط مصر"!! بعض الصحف القومية أشارت من وراء حجاب.. وعلي لسان المستشار محمد عبدالعزيز الجندي إلي عدد من دول الجوار تورطت في تمويل "يفوق التصور" لمنظمات مصرية.. وأن دولة خليجية صغيرة منحت يوم 21 فبراير الماضي 181 مليون جنيه جمعية مشهرة لإحداث بلبلة في المجتمع المصري.. وبالطبع عندما يقال دولة خليجية صغيرة فإن الذهن ينصرف مباشرة إلي دولة قطر!! وبعض الصحف القومية الأخري لم تكتف بالإشارة المجهلة بل قالت صراحة إن مؤسسات أهلية بقطر والإمارات العربية تبرعت بالدولار لجمعيات مصرية لإشاعة الفوضي في مصر.. وصحيفة خاصة أضافت كلا من السودان والسعودية. وقيل في تبرير هذا التوجه من بعض الدول العربية إن هذه الدول تخشي علي نفسها من تكرار ما يحدث في مصر. وأن مصلحتها ألا تحقق الثورة نتائج إيجابية حتي تقدم نموذجاً سلبياً لشعوبها عن الثورة المصرية. إذا كان وزير العدل المستشار محمد عبدالعزيز الجندي يملك المستندات الدالة علي هذه الاتهامات فإنني شخصياً أري أن يتم بحث هذه المشكلة وجهاً لوجه مع كل من قطر والإمارات ومع السودان والسعودية رغم اعتقادي أنهما بعيدتان عن ذلك دون ترك الأمر للصحف أو أجهزة الإعلام لتنفخ في القضية بما يؤدي إلي تعقد العلاقات بين مصر وهذه الدول وتحدث قطيعة لا رجعة فيها. وهذا ليس في مصلحتنا ولا مصلحتهم. الثورة قامت لتأخذ مصر دورها الطبيعي والريادي في المنطقة بعد أن تخلت عن هذا الدور طواعية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. ووجدنا من يزيحها إلي الخلف ويحاول أخذ مكانها ويكون له الصوت الأعلي في توجيه سياسة المنطقة. ولن تسترد مصر دورها بالقطيعة مع الدول الشقيقة. وتعميق شقة الخلاف حتي ولو كانت هذه الدول قد أخطأت في سلوكها.. وعلينا أن نؤكد لهذه الدول أنها تخطئ خطأ كبيراً عندما تختزل العلاقة مع مصر في شخص الرئيس السابق حسني مبارك.. فمبارك كان رئيساً لمدة 30 سنة وشعر الناس بأنه انحرف عن المصلحة العليا للبلاد فتم اسقاطه.. وهو يخضع الآن لمحاكمة طبيعية وليست استثنائية أمام قاض مشهود له بالنزاهة والاستقامة. وسيكون الحكم عليه إما بالبراءة أو الإدانة طبقاً لدلائل يقينية من أوراق ومستندات موثقة وشهود نفي أو شهود إثبات. وإذا كنا نلتمس العذر لدولة الإمارات الشقيقة في تعاطفها مع الرئيس السابق باعتبار العلاقات الإنسانية الحميمية التي كانت تجمع بين الراحل الكريم سمو الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات قبل صعود روحه إلي بارئها وبين الرئيس السابق.. فإننا نتساءل: ما الذي يدفع دولة قطر الشقيقة لأن تتعاطف معه وقد كانت العلاقات معها في عهده سيئة للغاية. وكانت له وللصحافة القومية المصرية اليد الطولي في هذا التباعد الذي وصل إلي حد العداء. إنني أؤكد من جديد أننا يجب أن نحتوي الخلافات مع الدول العربية خاصة دول الخليج فنحن في حاجة لمساندة هذه الدول وهي أكثر حاجة لنا في ظل الظروف الإقليمية والعالمية المحيطة والمتغيرات التي تشهدها المنطقة. يجب أن تكون هناك مصارحة بين مصر وهذه الدول لأن مصلحة الشعوب أبقي من مصلحة الأفراد.. الأفراد زائلون والشعوب هي الباقية.