الخطأ الشائع في اللغة العربية يعني شيوع مصطلح أو كلمة أو قول وانتشارها فتصبح بالتداول صوابا ويصبح مصطلح "هذا خطأ شائع" تبريراً مقبولا لكل من يخطئ في نطق او كتابة كلمة.. والخطأ الشائع يصبح امرا مستقرا وغير مستهجن أو مستنكر "بالعشرة والتألف والاعتياد".. حتي يصل الأمر إلي أن يستهجن أو يستنكر الناس الصواب. ومن الاخطاء اللغوية الشائعة المستقرة في كلام الناس قولهم: "استبدلت الخطة بخطة جديدة أو استبدلنا القانون بقانون جديد" أي جعل الباء قبل الجديد والصواب ان تكون الباء قبل المتروك أو القديم فيقال "استبدلت" الخطة الجديدة بخطة قديمة او استبدلنا اللاحق بالسابق.. فالباء دائما قبل المتروك أو القديم أو السابق. وما يقال عن اللغة يقال عن كل شيء في مصر الآن.. فكل القبائح والرذائل والمنكرات صارت "بالعشرة" اخطاء شائعة.. لا تثير الاشمئزاز والاستنكار.. بل إن محاولات التصويب هي التي تثير الاستهجان والاستنكار.. وهي دائما محاولات فردية فاشلة.. يجرفها الخطأ الشائع الذي استقر وترسخ وصار من الثوابت غير القابلة للمناقشة أو المواجهة.. والفساد أهم وأخطر الاخطاء الشائعة المستقرة والثابتة حتي صار الصواب والاصلاح استثناء وصار الخطأ والفساد قاعدة.. واخطر ما في الخطأ الشائع في السياسة والاقتصاد والثقافة والفن والطب والقانون والإعلام والتعليم وفي كل المجالات هو اعتيادنا عليه وقولنا المتكرر "عادي.. ما تفرقش.. وايه يعني؟.. الناس كلها كده؟.. وكل الناس هكذا أو "الناس كلها كده" هو التبرير المستقر الخطأ الشائع او الفساد او الإعلام المتدني او اللعب القذر بالقانون او الفن الاباحي او التدين المريض والمشوه والإرهابي. ويقال إن الإنسان حيوان يعتاد كل شيء وعندما يعتاد يتخلي عن التأمل وإعادة النظر وعن تقييم تصرفاته وعن محاسبة نفسه.. بمعني انه يفقد الوعي تماما ويسلك سلوك البهائم ولا يري غضاضة في أفعاله ويري دوما انه علي صواب.. وايه يعني "كل الناس كده" وعندئذ يسهل الاجماع علي الباطل وتصبح الاغلبية غبية.. ونفكر بالنقل لا بالعقل ونتحول إلي أموات.. ويموت الابداع والخلق والابتكار ويموت التفكير والتدبر والتأمل وتتحول او تحولت بالفعل مؤسساتنا إلي مبان بلا معان.. فالتعليم مثلا لم يعد له وجود يالمدارس والفصول بل صار في مراكز الدروس الخصوصية التي يقال عنها "سناتر" وصار أيضا في الحصص الفردية أو الثنائية الخاصة.. وهكذا صارت الدروس الخصوصية خطأ شائعا مستقرا لا يمكن مواجهته.. فإذا افترضنا جدلا امتناع المعلمين عن اعطاء الدروس الخصوصية فإن أولياء الأمور لا يستطعيون العيش بدونها والشعار: "الناس كلها كده".. وهكذا فإن فساد التعليم صار عصيا علي الاصلاح والمواجهة.. ولم يعد للتعليم اي علاقة بالحياة وانما هي مدارس وجامعات تدفع وشوارع تبلع.. وجل الإرهابيين والمتطرفين والمجرمين حاصلون علي شهادات متوسطة وعليا بل وماجستير ودكتوراه.. واذكر ان احدهم قال لي: إن الإصلاح يبدأ بأن يتولي اوائل الكليات الجامعية.. المناصب القيادية في المؤسسات.. فضحكت جدا وانهيت الحوار معه.. فلا جدوي من الحوار مع من يري ان التفوق الدراسي دليل العبقرية والقدرة علي الإبداع.. بينما أري أنا دوما ان الأوائل تفوقوا بالعقل العاطل.. والفكر الباطل وسطحية التفكير.. وان كثيرا من أواخر الطلبة هم الاكثر ابداعا وعبقرية.. إذ إن التعليم في مصر ليس مقياسا جيدا.. بل ليس مقياسا علي الاطلاق للقدرات الابداعية.. بل إنه قاتل تماما للإبداع او هو ضد الابداع.. وهو قائم علي النقل والحفظ والاستظهار والسمع والطاعة.. لذلك كان قطاع التعليم في مصر وفي كل الدول العربية هو الاسرع في عملية الاخونة لأن جماعة الإخوان كيان قائم علي السمع والطاعة والغاء العقل والتفكير.. وكذلك كانت الأخونة اسرع ايضا في الكليات العلمية التي يقال إنها كليات القمة مثل الطب والهندسة والزراعة والعلوم.. فخريجو هذه الكليات في الأغلب الأعم ليس لديهم فكر ولا عقل ولا قدرة علي الاجتهاد.. بل هم حرفيون بدرجات طبيب او مهندس او زراعي او جيولوجي او كيميائي وكون هذه الكليات كليات قمة فإن هذا ايضا يعد من قبيل الخطأ الشائع الذي استقر حتي صار صوابا. ولأن التعليم في مصر "كليشنكان" فإنك تري نتائجه كارثية في كل القطاعات فالإعلاميون والصحفيون خربوا الدنيا ودمروا القيم "وهرتلوا" هم خريجو النظام التعليمي المشوه.. ونفس العوار تراه في السياسيين ونواب البرلمان ورجال القانون والاقتصاد والدعاة ومفسري ومفسرات الأحلام.. كل القطاعات صارت تعج بالفساد لأن العاملين بها خريجو نظام تعليمي فاسد وغير قابل للإصلاح.. "وزير يروح ووزير ييجي" ولا جدوي ولا فائدة.. لأن العيب في "العربية" وليس في "السواق".. ومهما استبدلنا سائقا مكان سائق فإن السيارة "ستبقي خربانة".. وهذا النظام التعليمي الفاشل هو المسئول عن أن كل شيء في مصر مزيف وغير حقيقي.. لدينا شبه مؤسسات وشبه إعلام.. وشبه سياسة وشبه قانون.. وشبه برلمان.. وكل هذا الوضع المائع من بدائع الخطأ الشائع.