عندما طرحت ملامح مشروع قانون التأمين الصحي الجديد وبه مادة تشير إلي شراء الخدمة الصحية من المستشفيات الحكومية اعتبرت هذه أول اشارة لخصخصة المستشفيات الحكومية "المجانية" التي ستبيع خدماتها للتأمين الصحي.. فمادام هناك شراء إذن لابد أن يكون هناك بيع. ولأن المستشفيات الحكومية ليست في وضع يسمح لها ببيع الخدمة.. وهي بالكاد لا تملك أكثر من الحد الأدني في كل شيء.. فقد كان طبيعيا ان نستنتج ان هذه المستشفيات سيتم خصخصتها إن عاجلا أو آجلا. لكن الدكتور أحمد عماد وزير الصحة أكد بأغلظ الأيمان ان خصخصة المستشفيات غير مطروحة علي الإطلاق.. وإنما المطروح فقط تطويرها لتكون قادرة علي أداء خدماتها للمواطنين مجانا.. ولائقة إنسانيا. ثم لم يمر غير أسابيع قليلة حتي تكشفت الحقائق.. وتبين ان هناك مشروعا بالفعل لخصخصة مستشفيات التكامل التابعة للدولة والتي تقدم خدماتها مجانا وعددها 522 مستشفي علي مستوي الجمهورية وهو ما جعل كثيرين ينتقدون هذه الخصخصة التي ستأتي علي حساب محدودي الدخل والمعدومين الذين لا يجدون ملاذا لهم إلا في هذه المستشفيات. ومرة أخري خرج وزير الصحة لينفي هذه الخصخصة.. ويؤكد ان المطروح فقط هو تطوير المستشفيات والواضح ان الوزير يراهن علي ان النفي المتكرر سوف يقنع الناس ويسكتهم ولو مؤقتا حتي يفاجأوا بالحقيقة علي أرض الواقع. ويوم الثلاثاء الماضي نشرت صحيفة "الأهرام المسائي" تقريرا مدعوما بالمستندات عن تحويل 62 مستشفي مركزيا إلي العلاج بالأجر حيث وافق وزير الصحة علي تطبيق اللائحة 200 لسنة 2002 علي 62 مستشفي مركزيا وعاما علي مستوي الجمهورية والتي تنص علي ان يكون العلاج بأجر في هذه المستشفيات وليس مجانا. وتضمن القرار الذي وافق عليه الوزير تطبيق اللائحة 200 علي المستشفيات العامة كمرحلة أولي مع جواز اضافة مستشفيات أخري بحسب مقتضيات الخدمة علي ان تستثني العيادات الخارجية بالكشف وصرف العلاج مجانا وتخصيص نسبة 25% فقط من الأسرة لخدمة المرضي مجانا و75% من الأسرة بأجر. وكشف مصدر بوزارة الصحة - طبقا لما ذكرته الأهرام المسائي - ان الوزير ارجأ تنفيذ القرار لما بعد التعديل الوزاري المرتقب خلال الأيام المقبلة مشدداً علي ان هذا القرار خطير جدا.. خاصة ان المستشفيات التي وقع عليها الاختيار غير مؤهلة لتقديم خدمة طبية فندقية اقتصادية مثل مستشفيات أمانة المراكز الطبية المتخصصة المطبق عليها اللائحة 200 ومنها مستشفيات معهد ناصر ودار الشفاء والزيتون التخصصي وزايد التخصصي. معني ذلك.. ان المستشفيات الحكومية التابعة للدولة والتي لا تملك غير الحد الأدني فقط في مجال الخدمة الصحية ولا يقصدها غير الفقراء والمعدومين كملاذ أخير.. هذه المستشفيات الفقيرة "الحقيرة" تحولت هي الأخري إلي العلاج بأجر.. ولم يعد هناك شيء اسمه "مجاني" الا العيادات الخارجية ونسبة 25% من الأسرة وهي نسبة لا يمكن ضبطها عند التطبيق العملي وسوف تتآكل رويدا رويدا لصالح العلاج بأجر. يضاف إلي ذلك ما تسرب من أخبار عن مناقشة اقتراح لضم مستشفيات تابعة لوزارة الصحة علي مستوي الجمهورية إلي هيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية حتي تنفض الدولة يدها تماما من الخدمة الصحية المجانية.. ان لم يكن بالخصخصة المباشرة فبتطبيق اللائحة 200 أو بنقل تبعية المستشفيات تماما إلي الجهات التي تبيع الخدمة. وهكذا تزحف الخصخصة علي المستشفيات الحكومية للقضاء علي معاقل "المجانية".. وقل للغلابة: موتوا بمرضكم وفقركم.. فلا شيء عندنا مجانا.