** "الخرابة" هو اقل ما يجب ان يوصف به مستشفي بنها التعليمي بعدما تحول من أداة للشفاء والتعافي من المرض - بعيداً عن جشع المستشفيات الخاصة - إلي أداة للعذاب والهوان فكل ما يضر بصحة الإنسان تراه بين جدرانه ومرسوم علي وجه مرضاه.. هي كارثة صحية بكل ما تحمله الكلمة من معان تؤكد إلي أي مدي وصلت المنظومة الصحية في مستشفيات وزارة الصحة. "المساء" تجولت داخل المستشفي وغرف المرضي وكافة الاقسام ورصدت بالكلمة والصورة كل مظاهر الاهمال والعبث بصحة المرضي.. فالإدارة والأطباء والتمريض فقدوا وازعهم الانساني والأخلاقي وقبل كل هذا أهملوا واجبهم ورسالتهم تجاه مرضاهم فكيف يتحقق الشفاء في ظل توافر كل عوامل المرض والعدوي.. كل هذا وثق بالصور حيث نجح مندوب "المساء" في إخفاء هويته الصحفية علي مدي يومين وقام بتسجيل كل الملاحظات وتصوير كل مظاهر الاهمال كلما سنحت الفرصة. الاغرب من ذلك ان مدير المستشفي عند مواجهته بالحقائق رفض حتي مجرد المرور علي المرضي وسماع شكواهم..!؟ ** في اليوم الأول للجولة التي ازاحت الستار وكشفت تدني المنظومة الصحية والعبث بحياة المرضي. قمت بقطع تذكرة زيارة وبها اصبحت داخل المستشفي ومنذ البداية هالني المظهر فالاجهزة الطبية مشونة بالطرقات والجدران متهالكة والنفايات الخطرة ملقاة بالطرقات بجانب أكياس القمامة التي تعبث بها القطط والأبواب أكلتها عوامل الزمن ومغطاة بالكرتون وبدون زجاج والمرضي يرتجفون من شدة البرد رغم وجود غرف كثيرة خاوية لا يوجد بها مرضي نجحت في تصوير كل هذه المشاهد بعيداً عن الأعين وهناك لقطات لم أتمكن من تصويرها خوفاً من فشل مهمتي وكشف أمري. آه لو لعبت يا زهر * سويقة شعبية ... * صعدت للدور التالي وكانت مفاجأة أخري تنتظرني حيث سمعت صوتا مرتفعا لأغنية شعبية شهيرة " آه لو لعبت يا زهر" يغنيها أحد المرضي وهو علي سريره فاقتربت منه وبسؤاله أكد أنه أصابه الملل من طول فترة الانتظار علي مدي شهر كامل لإجراء عملية جراحية فراح يتسلي بالغناء. المشهد الثاني ** أثناء الجولة دخلت دورة المياه فوجدتها سيئة للغاية وغير صحية أو آدمية ووقعت عيناي علي مجموعة من الممرضات منهمكات بتجهيز وجبة طعام من الخضراوات والدجاج فوق أحد الأسرة ويقمن بطهيها علي سخان حراري دون مراعاة لعوامل الأمان أو حتي التفكير في رعاية المرضي أو الاعتناء بهم. حلاق الصحة داخل أحد عنابر المرضي رأيته منهمكا في الحلاقة لأحد المرضي وهناك من يطالبه بالسرعة حتي يتسني له الحلاقة هو الآخر اعتقدت انه موظف بالمستشفي فذهبت إليه وطلبت منه ان يقوم بالحلاقة لأحد أقاربي من المرضي بالدور الثامن فرفض بحجة انه يمر علي الأدوار بالتناوب يومياً علي مدي 4 أيام في الأسبوع وان المستشفي مصدر رزقه لأنه ليس له محل حلاقة بالخارج وينتقل بين المرضي غير عابئ بأي معايير صحية أو تطهير للأدوات التي يستخدمها من مريض لآخر وربما يكون هو مصدر العدوي بين المرضي يحدث ذلك علي مرأي ومسمع من الجميع والسؤال الآن ألم يلفت نظر أحد من الأمن أو الادارة أو الأطباء أو التمريض..؟ إنهم يلعبون "الكوتشينة" ومن غرفة الي غرفة تري مالا تراه في مكان آخر ومشهد آخر يدعو للغرابة لا تجده سوي علي "المقاهي" مجموعة من المرضي داخل قسم العظام أحدهم وضع علي إحدي ساقيه دوائر حديدية مثبت بها مسامير يقومون بلعب "الكوتشينة" وبعدما قمت بتوثيق ذلك دون ملاحظتهم أيضاً ذهبت إليهم مبتسما فقال أحدهم ماذا نفعل لا أحد يسأل عنا هنا ومنذ فترة طويلة ونحن بالمستشفي ننتظر علي أمل أن يهتم بنا أحد. العلاج علي نفقة المرضي ** اليوم الثاني لم يفصله عن اليوم الأول سوي بضعة أيام ذهبت علي أمل ان أحظي بمجموعة أخري من الصور تبين الي اي مدي من السوء وصلت إليه مستشفيات وزارة الصحة.. التي لم تعد تقوم بدورها نحو المرضي حيث قدمت نفسي لهم علي انني موفد من وزارة الصحة لبحث شكاوي المرضي. ** في البداية يقول السيد علي السيد 17 عاماً انه تم تجهيزه لإجراء عملية تركيب شرائح بأحد الساقين وعمل كل التحاليل اللازمة والاشاعات علي نفقته الخاصة وعند دخوله غرفة العمليات طالبوه بدفع 1400 جنيه قيمة "الشرائح" لإجراء العملية ولأنه لا يملك المبلغ حيث يعمل والده عامل نظافة.. راح يتوسل اليهم علي أمل اجراء العلمية لكن توسلاته لم تجد صدي في قلوب الأطباء وادارة المستشفي رغم انه تعهد بسداد المبلغ وفي النهاية أخرجوه من غرفة العمليات. ** يضيف: ان هذا الأمر تكرر مرتين وفي المرة الثانية لم يكن المبلغ مكتملا وطالبتهم بإجراء العملية لكنهم رفضوا وأخرجوني من غرفة العمليات ولكن بعض الاهالي والمرضي قاموا بتجميع باقي المبلغ وتم اجراء العملية. ** تؤكد والدة السيد علي والمرافقة له. ان كافة العلاج قمت بشرائه علي نفقتي الخاصة حتي انهم طالبوني بالقطن والشاش والسرنجات بالاضافة لباقي العلاج. أشارت إلي ان اصعب ما يعانيه المرضي هنا هو البرد الشديد حيث ان كافة الأبواب والشبابيك بدون زجاج ونضع عليها بعض البطاطين أو حتي المراتب واحيانا بلاستيك ولكن دون جدوي فالبرد يقتلنا ولا أحد يهتم بنا. تقول عايدة محمود عمارة والدة الطفل محمد إبراهيم - 6 سنوات. والمرافقة له.. تم اجراء عملية بالمفصل لنجلي وتركوه بعد ذلك لمصيره فلم يقم احد بالغيار علي "الجرح" وعندما طالبت الأطباء والممرضات بضرورة الكشف علي "محمد" للاطمئنان علي العملية نصحوني بالذهاب الي عيادة أحد أطباء العظام الخاصة للاطمئنان علي العملية وعمل الغيار اللازم لها. ** تضيف عايدة: ان معظم المرضي هنا من البسطاء ويكفي انهم يشترون العلاج علي نفقتهم الخاصة حتي ان ابني زاد عليه الألم وكنا في حاجة لحقنة مسكنة ولكن لم اجدها فطالبوني بالذهاب لأحد الصيدليات وشرائها وعند عودتي ومطالبتي لاحدي الممرضات بإعطائها لابني حتي تسكن آلامه فوجئت بها تقول لي: أين السرنجة حيث لا يوجد أيضاً سرنجات بالمستشفي.. حتي أكياس القمامة نقوم باخراجها من الغرف بأنفسنا لأن "العمال - بهوات". ** أشار أيمن رفعت والد المريض رفعت مصطفي - 68 عاما - مستوي النظافة منعدم والنفايات والسرنجات المستعملة تحت سرائر المرضي وفي الطرقات وأكياس القمامة خارجها أكثر مما بداخلها لا يوجد محاسبة لأحد الإدارة فاشلة والأطباء في مكاتبهم وربما لا يوجد أطباء لأنهم مشغولون بعياداتهم الخاصة والكل يجامل زميله علي حساب المرضي وآلامهم. ** يقول سمير رمضان مغاوري: قمت بإجراء عملية حصوة بالكلي ومنذ 16 يوما لم يتم عمل اي غيار علي الجرح حتي تلوث والممرضات يقلن لابد من طبيب ولكن للأسف لا يوجد طبيب. ** يؤكد والد الطفلة نورهان راشد - بقسم الحروق - ان إدارة المستشفي تحصل من المرضي أموالا دون وجه حق مثل رسوم منظار 500 جنيه وهناك 200 جنيه تأمين دم لكل من يجري عملية جراحية علماً بأن المريض يتكفل بالدم من خلال تبرع اقاربه ولا يتم اجراء العملية دون التبرع بالدم ولا نعلم اي نوع من التأمين هذا علماً بأن المريض لا يسترد هذه النقود أو التأمين المزعوم مرة أخري..!! يضاف لذلك 50 جنيها تذكرة دخول المستشفي علماً بأن كافة الاشاعات والتحاليل علي حساب المريض أيضاً. مع "البيه" مدير المستشفي ** بعد الانتهاء من إتمام مهمتي وتوثيقها بالصور كان لابد من مقابلة مدير المستشفي الدكتور عبدالعاطي غنيم والذي لم أقابله من قبل ولم اكن اعرف اسمه وبعد السؤال وجدته بمبني آخر وهو الخاص بمركز الكلي وطلبت مقابلته ودخلت الي مكتبه الأنيق الذي يضاهي أمثاله بالمستشفيات الخاصة ودار بيننا هذا الحوار: * سيادة المدير المرضي لهم شكاوي كثيرة من سوء الخدمة الطبية والمعاملة والاهمال بالاضافة للبرد الشديد. وشراء مستلزمات العلاج من الخارج علي نفقتهم. ** أجاب: "حضرتك مصلح اجتماعي". * وأين هو مريضك؟ ** قلت له: معظم المرضي ولك أن تتأكد من حديثي بالنزول معي ولو لبضع دقائق والمرور علي المرضي. * أجاب: أنا مش فاضي لك يا "أستاذ". ** وكان علي ان افصح عن هويتي الصحفية قلت له لست مهندسا بالسكة الحديد كما قلت لك سابقاً أو انني مصلح اجتماعي كما قلت حضرتك.. ولكن صحفي بجريدة "المساء" وكل ما رأيته وسمعته ورد سيادتك سأقوم بنشره بالجريدة. ** أجابني "صحفي" أنتم من تسودون الصورة.. فكان ردي له نحن لا نسود الصورة لأنها لا تحتاج أصلاً لذلك فهي بالفعل سوداء.. وهممت بالمغادرة من مكتبه فطالبني بالانتظار بعد تأكده من هويتي وطلب من أحد الموظفين يدعي "بلال" بالاضافة لطبيب آخر المرور معي علي المرضي والتأكد من حديثي. ** ذهبنا الي غرف المرضي وتحدثت معهم علي اننا من تفتيش الوزارة كما قلت لهم سابقاً واننا نريد سماع شكواهم مرة أخري فكانت اجابتهم وردودهم صاعقة تؤكد كل كلمة نقلتها للبيه المدير وكلما زادت شكوي المرضي والاهالي ومرارتهم من سوء كل شيء داخل جدران المستشفي شعرت وكأن كلماتهم بمثابة لطمات قوية علي وجه المرافقين لي وطلبت منهم نقل شكوي المرضي بكل شفافية "لعبد العاطي بك" لعل الخجل من حال المستشفي يصل إليه أو لعل ضميره يستيقظ ويشعر بآلام مرضاه ويستمع لهم ويحاسب المقصرين ولعل أيضاً تصل شكواهم من خلال "المساء" لكل مسئول عن هذا المستشفي سواء بالقليوبية أو بوزارة الصحة واجهزتها الرقابية ورسالتي لهم: إن كان مازال في الوجه حمرة وفي الضمير بقية اذهبوا لاستكشاف حالة تلك البناية التي يوضع عليها اسم مستشفي بنها التعليمي رفقاً بمرضاكم.