اليوم الجمعة 20 يناير 2017 هو اليوم الأول للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في السلطة.. وحسبما أعلن من قبل فالمنتظر أن يصدر اليوم هذا الرئيس قراره بنقل السفارة الأمريكية في اسرائيل من تل أبيب الي القدس.. الأمر الذي يعني اعترافاً أمريكياً مباشراً وصريحاً بأن القدس "الموحدة" صارت العاصمة الأبدية لإسرائيل التزاماً بما أعلنته حكومة إسرائيل في هذا الصدد منذ حوالي 36 عاماً مضت. وتجدر الإشارة هنا إلي أن الكونجرس الأمريكي كان قد أعلن موافقته علي نقل السفارة الأمريكية الي القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.. لكن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين كانوا يؤجلون تنفيذ هذا القرار إلي حين اتفاق الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بشأن المدينة المقدسة ضمن حل الدولتين.. أما ترامب المنحاز بالكامل لإسرائيل.. والآتي إلي البيت الأبيض من خارج الدائرة السياسية فقد اتخذ القرار الصعب بنقل السفارة حتي من قبل أن يتسلم السلطة دون اكتراث بالعواقب. المهم الآن.. ماذا سيفعل العرب والمسلمون والفلسطينيون مع أمريكا "الترامبية" ومع الدول التي سوف تسير في فلكها وتحذو حذوها في نقل السفارة؟! قرأت مؤخرا أنه بمجرد صدور قرار اسرائيل اعتبار القدس عاصمتها الموحدة الأبدية ودعوة أمريكا والدول التي تقيم معها علاقات دبلوماسية في أغسطس 1980 عندما كانت هناك مقاطعة عربية شاملة لمصر في أعقاب توقيع السادات معاهدة السلام مع اسرائيل قام الرئيس العراقي صدام حسين بزيارة مكوكية الي السعودية والتقي بالملك خالد وولي عهده الأمير فهد.. وأصدر البلدان بياناً مشتركاً هددا فيه بقطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع أية دولة تمتثل للقرار الإسرائيلي.. ثم توالت التهديدات من كل الدول العربية والاسلامية دون استثناء.. ولهذا السبب تراجع الاهتمام بالقرار الاسرائيلي.. وتعاملت معه دول العالم كأن لم يكن. لكن العرب اليوم في وضع أسوأ مما كانوا عليه في 1980 سياسياً واقتصادياً.. لم يعد هناك موقف موحد يجمعهم بسبب الصراعات الإقليمية والصراعات الداخلية.. كل دولة صارت مشغولة بمشاكلها وبتحالفاتها.. وصار العمل العربي المشترك عبئاً يجب التحلل منه أو المقايضة عليه بما يحقق مصلحة ذاتية للدولة.. ووصل الأمر إلي حد دخول العرب في حروب متناقضة في بؤر التوتر المختلفة.. فمن اجتمعوا في اليمن اختفلوا في سوريا.. ومن اجتمعوا في سوريا افترقوا في ليبيا.. وحتي القضية الفلسطينية "المحورية" تفرعت.. وصار لكل فرع منها مؤيدون وداعمون يخاصمون مؤيدي وداعمي الفرع الآخر. في مؤتمر باريس حول السلام في الشرق الأوسط الذي قاطعته إسرائيل أكدت نحو 70 دولة أن خطة ترامب لنقل السفارة إلي القدس يشكل كارثة علي عملية السلام وحل الدولتين.. ووجهت رسالة انتقاد شخصية إلي ترامب.. بينما أعلن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي معارضتهم الشديدة لأية خطة يعتزمها ترامب لنقل السفارة إلي القدس.. محذرين من أن هذه الخطوة سوف تصعد من حدة التوتر في العالم العربي. علي الجانب الآخر.. لم تصدر كلمة واحدة من الجامعة العربية أو أي من الدول العربية التي شاركت في مؤتمر باريس عن قرار نقل السفارة.. فيما يبدو أنه رغبة عربية في عدم استفزاز السيد الجديد للبيت الأبيض الذي لا يمكن التنبؤ بردود أفعاله.. وكانت النتيجة أن وقفت الجامعة ووقف العرب جميعا موقف المتفرج "التابع" في مؤتمر باريس إزاء قضية القدس. وفي آخر مؤتمر صحفي للرئيس الأمريكي المغادر باراك أوباما الأربعاء الماضي وجه تحذيراً مباشراً لترامب من قابلية الوضع للانفجار إذا ما تم نقل السفارة الي القدس.. وقال أوباما: "أنا قلق لأنني أعتقد أن الوضع القائم لا يمكن أن يستمر.. وأنه خطر علي إسرائيل وسييء للفلسطينيين وللمنطقة وكذلك للولايات المتحدة". أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي امتدح كثيراً بأنه رجل سلام فإنه يعيش الآن مأساة حقيقية.. ويجد نفسه محاصراً.. ولا يملك غير الكلام.. وقد قال: "القدس خط أحمر لا يمكن المساومة عليها من خلال تقديم تنازلات بشأنها.. ولابد من اصطفاف عربي لمواجهة خطر نقل السفارة الأمريكية.. انها المعركة السياسية الكبري التي تمثل تحدياً للعالم العربي والمجتمع الدولي". هل يمكن أن تكون القدس فعلاً معركة العرب الكبري.. هل يمكن أن تكون شمس الحقيقة التي توقظنا من الغفلة الطويلة.. وتخرجنا من مستنقع التشرذم ليكون لنا موقف قوي وفاعل؟! بصراحة.. أشك!!!