كان واضحا أن الاهتمام الأكبر للقمة الخليجية الأخيرة التي عقدت في البحرين يتركز في "تطوير المنظومة الأمنية والدفاعية".. و"بذل كل الجهود لإقامة منظومة دفاعية فاعلة لمواجهة مختلف التهديدات وإنشاء قيادة عسكرية موحدة".. إضافة إلي "تسريع وتيرة العمل لإنجاز السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والربط المائي.. وغيرها من المشاريع التنموية وصولا إلي الوحدة الاقتصادية الخليجية المتكاملة". وكانت مشاركة رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي في هذه القمة إشارة إلي الدور الذي ستلعبه بريطانيا لدعم دول الخليج في مواجهة عدوانية إيران وتهديداتها. وقد حاول البعض تصوير هذا الدور البريطاني علي أنه جديد.. وأنه يأتي عوضا - ربما - عن الدور الأمريكي الذي قد يتراجع خلال المرحلة المقبلة في ضوء رؤية الرئيس المنتخب دونالد ترامب "السلبية" تجاه التحالف الاستراتيجي مع دول مجلس التعاون الخليجي. فإذا كان ترامب قد لوح علنا بإجبار دول الخليج - والسعودية تحديدا - علي دفع ثمن توفير الحماية الأمريكية لها - وهي تدفع بالطبع دون إعلان فج مباشر - فإن تريزا ماي وعدت في المقابل بأن بلادها ستدفع 3 مليارات جنيه استرليني في الخليج خلال العقد القادم من أجل تعزيز الأمن.. والدخول في شراكة استراتيجية مع الدول الست لتعزيز أمن الخليج بما يشمل الاستثمار في مجالات التسليح والتدريب.. والدخول في اتفاقيات تجارية طموحة.. وقالت في هذا الصدد إن رفاهية الخليج من رفاهية المملكة المتحدة.. وسوف نستفيد جميعا من هذه التكتلات. والحقيقة التي يجب إدراكها أن مشاركة تريزا ماي في القمة الخليجية ليست حدثا استثنائيا.. وليست تعني أبدا التحول من أمريكا إلي بريطانيا.. ولعلنا نذكر أن الرئيس الأمريكي أوباما شارك من قبل في هذه القمة وكذلك الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند.. والمؤكد أن المشاركة البريطانية جاءت هذا العام في إطار الترتيبات المسبقة.. والتحالف الخليجي مع الغرب عموما. وبريطانيا علي وجه التحديد ليست جديدة علي المنطقة.. هي صاحبة النفوذ الأقدم والأكثر رسوخا.. بل هي في الواقع صانعة هذا الوجود العربي بتقسيماته الحالية المعروفة.. هي - بالتعاون أحيانا مع فرنسا وبالتآمر أحيانا أخري علي كل الأطراف - التي هندست الدول ورسمت الخرائط وشكلت السلطة هنا وهناك.. وأعطت كثيرا من الدول شهادات ميلادها.. ثم إن بريطانيا ليست مندفعة في سياساتها.. وليست متعجلة في جني الثمار. وإذا كان ترامب قد أثار غضب دول الخليج بتصريحاته الفجة ونياته السيئة التي لا تعبر عن خبرة سياسية فإن بريطانيا تستطيع أن تشكل كوابح مستقبلية يستعان بها في مواجهة تحولات ترامب المنتظرة إزاء الأزمة السورية والتحالف اللامنطقي مع روسيا حليفة إيران. بريطانيا تعرف كيف تستخدم مفاتيح كنوز الخليج لتحصل علي حقها كاملا لكن بدون ضجيج.. وهذا يناسب الخليج جدا.. ولذلك سيكون الحضور البريطاني في الخليج أكثر وضوحا خلال المرحلة القادمة حتي تستقر الأوضاع في واشنطن وتتغير لغة ترامب الفظة.. وتستقر الأوضاع أيضا في باريس بعد الاتنخابات الرئاسية العام القادم.. ويأتي رئيس معتدل يمكن التعامل معه والوثوق به. كانت بريطانيا هي المبتدأ.. كانت الحليف الرئيسي في مرحلة التأسيس والتكوين لدول الخليج.. وشاء القدر أن تعود إلي دور الحليف الرئيسي في مرحلة تحدي الوجود.. لكنها بالتأكيد لن تفعل ذلك من وراء ظهر أمريكا.. وإنما برضاها وبالتنسيق والتكامل معها.. فقد تغيرت الدنيا.. ولم تعد بريطانيا قادرة علي الانفكاك من الحلف الأمريكي.