* هل توافق علي مبدأ التصالح في مخالفات البناء؟ ** بكل شدة أؤيده علي طول الخط لأن هذا الاتجاه سيودي إلي حل مشاكل أعداد هائلة من المواطنين تصل إلي الملايين ومن حقهم أن يشعروا بنوع من الاستقرار وهذا التصالح هو الذي سيضمن تحقيق مصالح الجميع سواء الدولة حيث ستجني من وراء ذلك مليارات الجنيهات كغرامات مقابل التصالح وللمواطن الذي سننهي مخاوفه من تعرض منزله للهدم في أي لحظة ومن ثم علينا أن نحاول بشتي الطرق إلي التوصل لحل لهذه المشكلة بشرط أن يكون الحل واقعياً بعيداً عن التشدد والتعنت لأن هذا الأسلوب لن يفيد وكلنا نذكر ما حدث أيام تولي الراحل د.عبدالعظيم وزير منصب محافظ القاهرة حيث كان يوجد 700 برج مخالف في عزبة الهجانة بمدينة نصر وحاول إزالتها بالقوة وبالتعاون مع الهجمات الأمنية لكنه لم ينجح في استكمال المهمة بعد أن أزال برجاً أو برجين وتجمع آلاف المواطنين وتدخلت جهات عليا ساعتها وتم التوقف عن استكمال الإزالة أي أن الدولة خسرت في هذه اللحظة لأنه إذا كان تحصيل غرامات من المخالفين واستخدامها في عمليات إعادة التطوير وشق طرق وتوصيل الخدمات والمرافق للمناطق المحرومة كانت ستكون الفائدة أعم وأشمل خاصة أننا نمر كوطن بمرحلة دقيقة لا يمكن أن نسمح فيها بحدوث أي توتر أمني بل علينا جميعاً أن نسعي إلي تحقيق الاستقرار الاجتماعي لشريحة مهمة من المواطنين خاصة أن هدم هذه المنشآت لم يحقق أي نتائج إيجابية علاوة علي صعوبة تنفيذ ذلك عملياً. المحليات مسئولة * ولماذا ترفض هدم هذه المخالفات كما ينص القانون المطبق حتي الآن؟ ** الهدم في رأيي آلية غير عملية لمواجهة المشكلة وسوف تؤدي إلي إهدار مليارات الجنيهات أنفقت في إقامة هذه المباني التي وصلت إلي ملايين المباني ولا يتحمل المسئولية عنها فقط الملاك ولكن يشاركهم أيضاً في تحمل المسئولية الجهات الحكومية وعلي رأسها المحليات التي تقاعست من البداية عن أداء دورها وواجهت المشكلة من البداية منذ بدء عملية حفر الأساسات لإقامة المبني وليس الانتظار حتي أصبح المبني مكوناً من 10 أو 15 دوراً ثم نطالب بعد ذلك بإزالته أيضاً يشارك في المسئولية الجهات الأمنية التي ترفض في معظم الحالات بنسبة تصل إلي 99% إزالة المبني بحجة عدم ملائمة الظروف الأمنية لإتمام عملية الهدم وهنا يجب أن نفكر في حلول عملية للمشكلة كما قلت تبقي علي الثروة العقارية حتي ولو أقيمت بشكل مخالف للقانون وفي نفس الوقت تحقق مورداً كبيراً للدولة فلا يمكن أن يكون تفكيرنا فقط في تغليظ العقوبات فرغم أن القوانين بها العديد من أوجه القصور فيما يتعلق بالعقوبات لكن يجب أن ننظر للقضية بشكل متكامل لا يحابي طرفاً علي حساب الآخر خاصة أن التجربة أثبتت أن التشدد في العقوبات ليس هو الأساس في منع وقوع الجريمة أو المخالفة لكن أن تأتي القوانين معبرة عن الواقع الاجتماعي الذي نعيشه هي التي تضمن الحد من وقوع المخالفات إلي أقل درجة ممكنة. دراسة القوانين * لكن ترك المخالفات بدون عقاب لن يكون مجدياً وسيؤدي إلي زيادة نسبة المخالفات.. فما رأيك؟ ** لا خلاف علي ذلك وأنا هنا بتأييدي للتصالح في مخالفات البناء لا يعني عدم عقاب المخطيء ولكن ما أعنيه هو أن يتم العقاب بشكل عملي ليس بالهدم ولكن بتحصيل غرامة باهظة من المخالف تمنعه من التكسب من هذه المخالفة وفي نفس الوقت نحافظ علي ثروة عقارية بالمليارات ولهذا نحن الآن في حاجة ماسة إلي قيام الدولة بدراسة الموقف برمته وفحص القوانين الموجودة واستحداث تشريعات جديدة إذا تطلب الأمر تضمن أن تحقق لنا مجموعة من الإيجابيات علي رأسها علاج المشكلة القائمة وضمان عدم استمرار المخالفات ومن القوانين التي تحتاج إلي إعادة نظر القانون 119 لسنة 2008 الخاص بمخالفات البناء حيث تنص أحد مواده علي أن الحكم علي سلامة المنشأ تتطلب شهادة من مهندس استشاري معتمد بعد قيامه بفحص المبني وحاولنا تطبيق هذا النص أثناء توليتي مسئولية صندوق تطوير العشوائيات لتقنين أوضاع مجموعة من العقارات المخالفة واستعنا بمجموعة من الاستشاريين وتبين أن تطبيق هذا النص سوف يحتاج إلي تقنينة هندسية عالية لا تتوافر لدينا في مصر بالإضافة إلي التكلفة المرتفعة ولهذا اقترح أن يتم تعديل القانون بحيث تنص بنوده علي أن المسئول عن سلامة المبني هو المالك الذي عاصر عملية البناء منذ حفر الأساسات وحتي اكتماله وأن ينص القانون أيضاً علي عقوبات مغلظة إذا اكتشف وجود أي مخالفات جوهرية تضر بسلامة المبني يتم توقيعها علي المالك. الهدم مرفوض * وهل يوجد لدينا حصر دقيق بنسبة المباني المخالفة؟ ** لا يوجد لدينا إحصائيات دقيقة بهذا الشأن وهي مشكلة نعاني منها بصفة عامة في جميع المجالات والأنشطة حيث نفتقد للبيانات الدقيقة التي تمكننا من رصد المشكلة بكل دقة وفي نفس الوقت تساعدنا علي اتخاذ القرار المناسب لحلها لأن وجود هذه البيانات سيمكننا من تحديد مثلا أعداد المخالفين وهل سيكلفنا مبالغ طائلة في العلاج أم لا ولكنني أستطيع أن أؤكد أن نسبة المخالفات زادت بشكل كبير للغاية عقب ثورة 25 يناير وما شهدته البلاد من حالة فوضي عارمة وغياب واضح لسلطة الدولة مما جعل كل شخص يفعل ما يحلو له إلي أن وصلنا في رأيي إلي ملايين العقارات المخالفة علي مستوي الجمهورية وهو في نفس الوقت ما يؤكد رأيي من ضرورة البعد عن عملية الهدم والبحث عن حلول عملية أكثر واقعية تؤدي إلي حل المشكلة خاصة أن حل المشكلة سيساعدنا من جانب اخر علي حماية مليارات الجنيهات من الضياع في التراب وسيجعل هذه المباني قيمة مضافة تضاف إلي أصول الثروة العقارية لدينا ناهيك عن أن ذلك سيودي إلي أن تتم التعاملات في بيع وشراء العقارات بطريقة قانونية واضحة بدلاً مما يتم الآن من الاعتماد علي الورق العرفي والعقود الابتدائية في البيع والشراء وهو ما يؤدي أيضاً إلي ضياع حقوق عديدة للدولة يمكن أن تجنيها من تسجيل لهذه العملية في الشهر العقاري. قوانين حاسمة ** وما هو الموقف فيما يتعلق بالتعدي علي الأراضي الزراعية؟ * القوانين في مجال الأراضي الزراعية تمنع تماماً التعدي عليها أو البناء عليها رغم أن المزارعين الذين يخالفون القانون معظمهم إن لم يكن كلهم من البسطاء الذي يسعي إلي إقامة منزل متواضع لإقامة أولاده معه بعد زواجهم ولا يقوم بالمتاجرة في المنشآت التي يقيمها أي أنها لاستخدامه الشخصي بالإضافة إلي أن هؤلاء المزارعين وأولادهم لا تنطبق عليهم شروط الإسكان الاجتماعي المطبقة حالياً أي أن هؤلاء البسطاء واقعين تحت المطرقة والسندان فهم لا يمتلكون من ناحية الإمكانيات التي تمكنهم من توفير محل إقامة بعيداً عن الأرض الزراعية التي يملكونها ومن ناحية أخري لا يستطيعون الالتزام بالقانون وعدم البناء علي الأراضي الزراعية وقيام الدولة أيضاً بهدم هذه المباني سيحدث حالة من الاضطراب في المجتمع نحن في غني عنها في ظروفنا الحالية كما يجب ألا ننسي جزئية مهمة وهي أن هذه المنشآت لم تخرج إلي النور بطريقة شيطانية أو بصورة مفاجئة ولكن كانت عملية البناء تتم أمام الجميع ولم يتصد لهم أحد من البداية بل علي العكس في وقت من الأوقات كان أعضاء مجلس الشعب يطالبون بإعفاء هؤلاء المزارعين من الغرامات والعقوبات التي توقع عليه نتيجة ارتكاب المخالفات فهل منطقياً الآن أن تهدم هذه المنازل علي رؤوسهم؟ تجارب خارجية * وكيف يمكن تحديداً حل مشكلة المباني المخالفة في الريف؟ ** الحلول موجودة في تجارب العديد من دول العالم مثل الهند وألمانيا حيث واجهت هذه المشكلة من قبل وتمثل الحل أما في أن تقوم الدولة أو الأجهزة المحلية بتوفير ظهير أو توسعات للقري التي تفتقد للامتداد الطبيعي وتعاني من قلة المساحات المتاحة للبناء أو الموافقة علي البناء علي نسبة محددة من الأرض الزراعية مقابل أن يتم تحصيل غرامة ضخمة من المخالف تستخدمها الدولة فيما بعد في الإنفاق علي المرافق والخدمات وإعادة تخطيط المنطقة التي حدثت فيها المخالفات حتي تضمن ألا تتحول إلي منطقة عشوائية تتحول إلي بؤرة فاسدة وسط المباني بالإضافة إلي ما يتم تحمله من نفقات أكبر في تصحيح الأوضاع الخاطئة فيما بعد أي أنها من البداية استخدمت وسائل عملية وعلمية في التعامل مع المشكلة ولم تنتظر حتي تستفحل كما يحدث لدينا في الكثير من المشاكل ثم نجد صعوبة في التعامل معها مثلما يحدث الان في مشكلة المباني المخالفة والكل يقدم الحلول والاقتراحات ولكن للأسف معظمها يعتمد علي نصوص قانونية صماء لن تحقق العلاج المنشود ولا تراعي الواقع الاجتماعي الذي نعيشه. خطوات الحل * وكيف يمكن من وجهة نظرك حل المشكلة ومنع ظهور مخالفات جديدة؟ ** الحل يعتمد علي مجموعة من الخطوات تبدأ بوقف البناء ومنح التراخيص لمدة زمنية محددة حتي يتم دراسة الواقع بكل دقة وتحديد نسب المباني المخالفة وكيفية التعامل معها بشرط الابتعاد عن سياسة الهدم التي يطالب بها البعض وإعداد قانون واضح المعالم من خلال منظومة قانونية متكاملة تراعي تحقيق وضع أفضل للمواطن وأن تتحمل الدولة مسئوليتها في توفير المسكن و قطعة الأرض المناسبة للبناء خاصة لأبناء الطبقة الوسطي الذين يلجأون إلي الشراء في العقارات المخالفة لعدم وجود البديل أمامهم وأن تكون هناك شرطة متخصصة لمواجهة المخالفات في المباني حيث أثبتت التجربة الطويلة عدم صلاحية المحليات للقيام بهذا الدور أما بسبب نقص الامكانيات فلا يعقل أن يكون مهندسان أو ثلاثة مسئولين عن مراقبة حي به عشرات المباني أو بسبب انتشار الفساد في هذه الأجهزة مقابل التغاضي عن المخالفات بينما عندما كانت الشرطة مسئولة عن مواجهة مخالفات المباني في خمسينيات القرن الماضي كانت نسبة المخالفات بسيطة جداً ولا تتجاوز 1% بينما الآن في ظل مسئولية المحليات أصبحت النسبة الغالبة هي ارتكاب المخالفات ليس في فقط التي تتعارض مع خطوط التنظيم ولكنها قد تصل إلي درجة الخطورة علي حياة المواطنين