بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية. بدأ تحويل ولاياتها إلي أجزاء منفصلة. تغيرت حدود كل ولاية حسب تخطيط ممثلي الاستعمار الإنجليزي والفرنسي. لم تعد الحدود إلي الأوضاع الجغرافية التي كانت للولايات. اقتطعت أجزاء. وأضيفت أجزاء. بهدف تمييع الحدود. وفرض التوتر. وتهيئة الوطن العربي لمعارك متجددة. علي الرغم من الإملاء الاستعماري في صنع الحدود. فقد استطاعت الأقطار العربية - بيقينها العروبي - أن تنأي عن بواعث التفرقة والخلاف. عمق هذا اليقين إنشاء دولة إسرائيل. لم يقتصر الهدف من إنشائها علي احتلال أرض فلسطين. بل فصلت ما بين المشرق العربي والمغرب العربي. وصارت مصدر تهديد لكل الأقطار العربية. فهي - كما قالت بياناتها الرسمية - يد طولي تستطيع أن تصل بالتدمير والاغتيال إلي أي مكان في الأرض العربية. التفتيت هو الصورة التي تطالعنا الآن علي خارطة الوطن العربي - دعك من تسمية الشرق الأوسط فهي اختراع استعماري - الكثير من الأقطار لحقها الانفصال. أو أنها تعاني التدخلات التي تستهدف وحدتها. آخر التطورات ما شهده جنوب اليمن من مظاهرات حاشدة تنادي بفصل الجنوب عن الشمال. سبق ذلك - كما أشرت قبلاً- انفصال اقليم هائل المساحة من الصومال عن الدولة الأم. بتسمية "أرض الصومال". وانفصال جنوب السودان عن شماله. وانضمام إحدي جزر القمر إلي فرنسا. والآن. فإن المدن السورية تشهد حرباً قاسية تشارك فيها دول كبري. إلي جانب دول من الاقليم. ضحيتها الشعب السوري الذي عاني المذابح والفرار إلي المجهول. وأعلن ساسة غربيون - بالفم المليان - أن سوريا لن تعود دولة موحدة. وفي العراق عسكرت قوات تركية علي حدود البلاد لمنع مشاركة قوات الحشد الشعبي من دخول البصرة. حتي لا يتكرر ما تردد عن مذابحها ضد السنة. وطالبت السويد بوضع الايزيديين في مدن مغلقة. خوفاً من اعتداءات الطوائف العربية الأخري. ومستقبل العراق مرهون بتدخلات دول كبري. ودول اقليمية. تسعي إلي تحويل الوطن الواحد إلي عدة دويلات. وفي ليبيا. لا تقل الصورة في خطورتها عن الأقطار الأخري. كل مجموعة سياسية تناصرها قوي مسلحة تصر أن تكون لها السيادة علي البلاد. بما قد يحيلها في المستقبل إلي العديد من الدول. ويبدل علاقاتها من المواطنة المشتركة إلي العداء. المشهد الذي يطالعنا في امتداد الساحة ليس عفواً ولا مصادفة. انه ثمار البذور التي غرسها الاستعمار في التربة العربية. ويرعاها بتوالي المؤامرات. عندما يصيب المرض شخصاً ما. فإنه يعالج باعتباره عارضاً. فإذا أصاب المرض نفسه أشخاصاً كثيرين فهو بذلك قد تحول إلي وباء. ينبغي ان نتصدي له بهذا المعني. التعامل مع الجزء في مواجهة الأخطار الاستعمارية. ينبغي ان يحدث في إطار انتمائه إلي الكل.