برنامج تدريبي لتعزيز قدرات وكفاءة 1695 معلم رياض أطفال بالإسكندرية (صور)    الأولوية في التخصيص لهذا الفئات.. «الإسكان» تكشف تفاصيل بدء تنفيذ قانون الإيجار القديم وإطلاق منصة إلكترونية    حلمي النمنم: الإخوان على علاقة تاريخية بإسرائيل ومصر أفشلت مخطط التهجير    نتنياهو : الصفقة الجزئية أصبحت من الماضي وأريد إنهاء الحرب في غزة بشروط    16 قضية جنائية.. مذكرة اعتقال ل السيدة الأولى السابقة في كوريا الجنوبية (تفاصيل)    «شخص ما أبعدني».. دوناروما يعلن رحيله عن باريس سان جيرمان    عقبة أخيرة تنتظر مورينيو.. فنربخشة يتخطى فينورد في تصفيات دوري أبطال أوروبا    رحلة تهريب الممنوعات من الصين.. شهادة مفتش مكافحة المخدرات تكشف نشاط عصابة سارة خليفة (مستندات)    نقابة العلوم الصحية: تكليف خريجي المعاهد خطوة لتعزيز المساواة    الهيئة العامة للرقابة المالية تنعي وزير التموين الأسبق الدكتور علي المصيلحي    استطلاع: تراجع شعبية ميرز وصعود «البديل من أجل ألمانيا» لصدارة المشهد السياسي    تقارير.. مانشستر سيتي يتواصل مع دوناروما لانقاذه من باريس سان جيرمان    مسؤول أوروبي: الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة لتحسين القرارات البشرية    عيد مرسال: مصر تقف بثبات إلى جانب الشعب الفلسطيني    الدحيل يحسم مواجهة مثيرة أمام أصفهان في دوري أبطال آسيا    «مستخدمو اليد اليسرى».. يدفعون الثمن في يومهم العالمي    «خاتم ألماظ» .. آية سليم تكشف تعرضها للسرقة في مطار باريس    أمين الفتوى يكشف عن روشتة للتعامل مع الذكاء الاصطناعي في الفتوى    راغب علامة يكشف تفاصيل أزمة حفل الساحل خلال التحقيق بنقابة الموسيقيين    ما حكم ربط الحروف الأولى للأسماء بالرزق؟.. أمين الفتوى يجيب    من 3 إلى 5 سنوات.. الإخلال بفترة التباعد بين الحمل يؤثر على صحة الأم    وكيل صحة قنا يناقش إنشاء عناية مركزة للأطفال بقوص ويوجه بسرعة إصلاح جهاز الأشعة المقطعية    غدا.. الفرقة القومية للفنون الشعبية تقدم عرضا بمدينة المهدية ضمن فعاليات مهرجان قرطاج بتونس    مسئول بوزارة السياحة والآثار: الوزير وعد بمراجعة سعر تذكرة المتحف المصري الكبير.. و11 فئة تدخل مجانا    خالد عبدالعزيز يكرم رائد الإعلام العربي فهمي عمر    حكم الوضوء لمريض السلس البولى ومن يعاني عذرا دائما؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    تصاعد الصراع وكشف الأسرار في الحلقة الرابعة من "فلاش باك".. أول ظهور ل خالد أنور    نجوى كرم: أتمنى تقديم دويتو مع صابر الرباعي (فيديو)    ريال مدريد يرفض إقامة مباراة فياريال ضد برشلونة في أمريكا    الرقابة الصحية (GAHAR) تطلق أول اجتماع للجنة إعداد معايير "التطبيب عن بُعد"    الحسيني وهدان يتوج بذهبية الكونغ فو في دورة الألعاب العالمية    ما الحكمة من ابتلاء الله لعباده؟.. داعية إسلامي يُجيب    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    وسام أبو علي يستعد للسفر إلى أمريكا خلال أيام.. والأهلي يترقب تحويل الدُفعة الأولى    منسقة الأمم المتحدة: إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب يعكس اهتمام مصر بالرياضة كقوة ثقافية ومحرك للتنمية    ضبط سائق لحيازته 53 ألف لتر سولار بدون مستندات تمهيدًا لبيعها بالسوق السوداء في الأقصر    طريقة عمل البصارة على أصولها بخطوات سهلة وأرخص غداء    كريستيانو رونالدو يطلب الزواج من جورجينا رسميًا    «مصيلحي» و«المصيلحي».. قصة وزيرين جمعهما الاسم والمنصب وعام الموت    غدًا.. قطع المياه عن مدينة أشمون في المنوفية 8 ساعات    الطقس غدا.. موجة شديدة الحرارة وأمطار تصل لحد السيول والعظمى 41 درجة    حجز نظر استئناف المتهم بقتل مالك قهوة أسوان على حكم إعدامه للقرار    وزيرة التخطيط تشارك في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب والرياضة 2025-2030    خصم يصل ل25% على إصدارات دار الكتب بمعرض رأس البر للكتاب    الوزير يترأس اجتماع الجمعية العمومية العادية لشركة السكك الحديدية للخدمات المتكاملة    "الجمهور حاضر".. طرح تذاكر مباراة الزمالك والمقاولون العرب في الدوري    وكيل وزارة الصحة بالدقهلية يحيل المدير الإداري لمستشفى الجلدية والجذام للتحقيق    الداخلية تضبط تيك توكر يرسم على أجساد السيدات بصورة خادشة للحياء    «تعليم كفر الشيخ» تعلن النزول بسن القبول برياض الأطفال ل3 سنوات ونصف    12 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    وزير الصحة يبحث مع المرشحة لمنصب سفيرة مصر لدى السويد ولاتفيا التعاون الصحى    الدقهلية تبدأ مهرجان جمصة الصيفي الأول 2025 للترويج للسياحة وجذب الاستثمار    مصرع طفل غرقا في ترعة باروط ببني سويف    برلماني: توجيهات الرئيس لبناء إعلام وطني ضمانة لمواكبة التطورات العالمية    "زاد العزة" تواصل إدخال المساعدات المصرية إلى القطاع رغم العراقيل    أمين الفتوى: "المعاشرة بالمعروف" قيمة إسلامية جامعة تشمل كل العلاقات الإنسانية    تنطلق الخميس.. مواعيد مباريات الجولة الثانية من بطولة الدوري المصري    العظمي 38.. طقس شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة في شمال سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين «داعش» والنجدة الإمبريالية العرب مهدَّدون بالانقراض!
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 03 - 2015

قبل قرن إلا قليلا، ولتسهيل الحركة على القوات العسكرية الأجنبية المشاركة فى الحرب العالمية الأولى على أرضنا العربية، مدّ البريطانيون خطوط السكة الحديدية ما بين القاهرة وبيروت، عبر فلسطين طبعا، بالمقابل مدّ الحلف الألمانى – التركى خطوط سكته الحديدية ما بين برلين وإسطنبول وصولا إلى دمشق وبيروت عبر حمص، ثم باشر مدّ السكة بين دمشق ومكة المكرمة عبر بغداد الذى عُرف بخط الحجاز، وبنيت محطة فخمة للقطار ما تزال قائمة حتى اليوم فى دمشق وتحمل اسم «محطة الحجاز».
ولطالما جاءت السيدة أم كلثوم والموسيقار محمد عبدالوهاب، فضلا على باشوات مصر، إلى العاصمة اللبنانية عبر فلسطين فى ذلك القطار الذى نشّط بالتلاقى العلاقات الثقافية والفنية والاجتماعية بين هذه الأقطار العربية، فى تجاوز للدواعى العسكرية التى دفعت إلى إقامته.
أما الخط الثانى الذى يربط سوريا بالحجاز فلم يقدَّر له أن يكتمل، لأن البريطانيين سرعان ما أوقفوه، لأسباب عسكرية فرضتها طبيعة التحالفات والمخاصمات، على طريق القطار الذى توقف عند الأردن. وهكذا قطعت الطريق على «الشريف فيصل بن الحسين» عند الحدود المبتدعة حديثا بين سوريا والبادية الأردنية التى جُعلت إمارة للأمير عبدالله، الذى ستصيّره نكبة فلسطين بعد ربع قرن ملكا.
•••
ولقد استمر الخط الأول رابطا بين مصر وبلاد الشام حتى حلت بالعرب نكبة فلسطين فعزل الكيان الإسرائيلى الذى زرع فى قلب هذه المنطقة، الأشقاء بعضهم عن البعض الآخر، وما زالوا مقطوعى التواصل إلا بأفضال الطيران، وأقلّ عبر البحر.
صارت بلاد العرب جزرا، بين كل «دولة» منها والأخرى حدودا وسدودا ومراقبة جوازات وأجهزة تفتيش وجمارك.. مع احتمالات مفتوحة أمام «القطيعة»، بإقفال نقاط العبور، أو التصادم عبرها بالسلاح.
صارت الكيانات السياسية التى أقامها الخارج الاستعمارى، معزّزة بكيان العدو الإسرائيلى الفاصل القاطع مانع التواصل، أقوى من روابط الأخوة والمصالح المشتركة ووحدة المصير.
... ها هى «الحدود» التى أقامها الاستعمار، بريطانيا وفرنسا، بين «دول» المشرق العربى تتهاوى الآن برا وجوا عبر حرب تبشير المسلمين بطبعة جديدة من الدين الحنيف التى تشنها جحافل «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، كما أساطيل الدول الغربية التى جعلت الفضاء العربى ملعبا لطائراتها الحربية، بذريعة مواجهة «داعش» بالقصف الجوى تمهيدا... للحرب البرية التى سوف تستأصل هذا التنظيم المتوحش، بعد حين!
وهكذا تشترك دول «الاستعمار القديم» مع «الامبريالية الأمريكية» فى هدم «الحدود» التى أقامتها ذات يوم، ومرة أخرى من أجل تحصين إسرائيل بحيث تكون الدولة الوحيدة فى هذا المشرق العربى.
فالطيران الحربى الأجنبى، بطيّارين أو من دونهم، يزيل الحدود التى أقامها قبل مائة عام إلا قليلا، بين العرب، لأن مصالحه التى فرضت إقامتها ذات يوم قد انتفت، وباتت هذه الأرض الممتدة بين فلسطين وآبار النفط فى الجزيرة والخليج «مشاعا مفتوحا» أمام طائراته الحربية، تتيح لطياريه الجدد أن يتمرنوا بالذخيرة الحية على أهداف حقيقية من لحم ودم ومن عمران.
كأنما جمعت المصلحة بين «الخصوم» المتلاقين على العرب فى ساحة الحرب: «داعش» الذى يزيل الحدود تمهيدا لإقامة «دولة خلافته» التى تمتد لتشمل كل أرض وكل فضاء يرتفع فيه صوت مؤذّن، ودول الاستعمار قديمة والجديد التى باشرت العودة إلى مستعمراتها القديمة بذريعة إنقاذها من «وحوش» الدعوة لأسلمتها من جديد.
إنه «التكامل» الذى يحقق مصالح الأطراف المتحاربة على الأرض العربية: «داعش» لإعادة أسلمة المسلمين فيها (وتطهيرها من الأقليات العرقية والدينية. كما مع الايزيديين ومع الكلدان والاشوريين) والغرب الأمريكى لتأبيد سيطرته بالاشتراك مع إسرائيل على هذه الأرض الغنية بالنفط والغاز وثروات معدنية عديدة، فضلا عن الآثار الفريدة فى بابها والتى تمثل المدماك الأول فى الحضارة الإنسانية، جنبا إلى جنب مع ما تركه الفراعنة على الضفة الأخرى لهذا الوطن العربى، خلف فلسطين.
بصيغة أخرى، كاريكاتورية إلى حد ما، تتبدى «بلاد الشام» وكأنها قد «توحّدت» من فوق، بالطيران الحربى الغربى الذى يجوب فضاءها ويقصف ما شاء من الأهداف فيها، بينما تتهاوى كياناتها السياسية «تحت» فى ظل عجز أنظمتها المتهالكة بعد دهر الطغيان عن حماية الحدود التى كان محرما اجتيازها على الأشقاء فى وحدة المصير.
فأما دول النفط فى الجزيرة والخليج فهى تحت الحراسة الدائمة، برا وبحرا وجوا.. ومع ذلك فقط نشطت السعودية إلى استكمال بناء حاجز حديدى مكهرب على حدودها الطويلة مع العراق، بعدما أنجزت فى السنوات القليلة الماضية بناء حاجز صخرى ترابى حديدى مكهرب على طول حدودها مع اليمن الذى كان سعيدا ذات يوم فى التاريخ البعيد والذى يتهدّده التقسيم بالفتنة، أو البعثرة وشطب «دولته» التى توحّد شطراها بالقوة قبل عشر سنوات أو أكثر قليلا.
... وبالمصادفة وحدها، والمصادفة خير من ميعاد، تقرّر إسرائيل، فى هذا الوقت بالذات وبينما دول المشرق جميعا على حافة الخيار بين الحروب الأهلية أو حروب الأشقاء، أن تتخطّى الحواجز النفسية والسياسية جميعا وتقدم بالشراكة مع الأردن على فتح قناة لتوصل بين البحر الأحمر وبين البحر الميت.
... والذريعة الأردنية فاضحة: إن هذا البحر الميت والذى لا تصلح مياهه للشرب أو للرى، بسبب ملوحتها القياسية، مهدّد بالاختفاء، ولا بد من مده وبأسرع وقت بمياه تبقيه وتحفظه فى جغرافيا هذه الأرض، حيث أقيمت على ضفته الأردنية استراحات ملكية وقرى سياحية، بينما ملأت إسرائيل الضفة الثانية بمستعمراتها وبعض المنشآت الحيوية، مطمئنة إلى الأمان الذى تشيعه «اتفاقات وادى عربة»، التى كرست «الصلح» بين الأعداء السابقين، وها هو البحر الميت يحيى الصداقة بينهما ويجعلهما شريكين فى الماء (فى انتظار الشراكة بالكلأ...).
•••
هكذا هى حال المشرق العربى فى هذه اللحظة: بينما تهدّد مشاريع الحرب الأهلية «الدولتين» اللتين كانتا عماد هذا المشرق، سوريا والعراق، فى وجودهما، وتلوح فى الأفق مخططات لتقسيمهما أو لتحويلهما إلى كونفيدراليات طوائفية تضرب وحدة الشعب وليس وحدة الدولة فحسب... فإذا ما تم التقسيم بحسب الأصول العرقية أو الانتماءات الطائفية فسنكون أمام زيادة عدد أصوات دول هذه المنطقة فى الأمم المتحدة بشكل ملحوظ، إذ ستقوم دول سنية وأخرى شيعية، ودول كردية وأخرى عربية، وربما أقيمت دويلات للتركمان والسريان والإيزيديين والكلدان والصابئة، ثم للدروز والعلويين والإسماعيليين.
لقد بات الحفاظ على هذه الكيانات السياسية القائمة معجزة فى مستوى الأحلام.. وهى الكيانات التى نُظر إليها ذات يوم على أنها نتيجة مؤامرة استعمارية لمنع الوحدة أو الاتحاد أو أى شكل من اشكال الفيدرالية أو الكونفيدرالية، بين «دول عربية» يجمعها الماضى من التاريخ، بالدين الغالب، والعروبة باعتبارها هوية جامعة وحضارية بحيث تحفظ للأقليات دينية وطائفية وعرقية حقوقها المضمونة بالمواطنة الموحدة والديمقراطية حامية حق الرأى، موافقة أو اعتراضا.
هل من الضرورى الإشارة إلى أن أهالى هذه الأرض المقدسة معلقون الآن فى فضاء المشاريع الاستعمارية الجديدة، لا يعرفون مصيرهم، وهل سيقدرون على استعادة دولهم بكياناتها التى كانوا يرون أنها أقيمت على حساب حقهم فى الطموح إلى وحدة تلم شملهم فى دولة قوية تمكّنهم من بناء مستقبلهم على أرضهم بما يتناسب مع قدراتهم لبناء غدهم الأفضل؟!
لقد اجتمعت على أبناء هذه الأرض قوى لا قبل لهم بمواجهتها: من دكتاتورية أنظمتهم التى عجزت عن حماية دولها، إلى «داعش» التى جاءت بالدعوة إلى الخلافة عبر المذابح الجماعية وإحراق الناس أحياء واغتصاب النساء وتدمير التعليم وإرجاع البلاد قرونا إلى الخلف، فإلى قوى الاستعمار جديده والقديم التى تلبس الآن لبوس محرّرى العرب من هويتهم ودينهم.. وأرضهم.
وليست مجازفة أن نعتبر هؤلاء «الأعداء» جميعا شركاء. على ان المفجع ان العرب الآخرين، فى مغارب الأرض العربية، ليسوا من المنعة والقدرة، بحيث يستطيعون القدوم للنجدة، أو التدخل لحصر الكارثة فى أضيق نطاق ممكن.
إنه زمن المحنة القومية الكبرى.
وقديما أطلق العرب على هزيمتهم أمام المشروع الإسرائيلى المحمى دوليا تسمية «النكبة»... ولسنا ندرى ما يمكن أن يطلق على حقبة الضياع الدموى الرهيب الذى يعيشه المشرق العربى هذه الأيام، والتى توحى مقدماته بأنه سيكون أفظع وأبشع وأوسع مدى من نكبة فلسطين.
.. إلا إذا انتبهت الأمة وهبّت للإمساك بمصيرها حتى لا يقرره الآخرون.. والآخرون، هنا، هم أعداؤها مهما تباينت التسميات بين «داعش»و«الامبريالية» التى نشهد طلائعها فى التدخل الجوى ونترقب نزولها لتأخذ منا الأرض بما عليها وفى باطنها من ثروات، وبمن عليها من الناس الذين لم يحفظوها فانصرفوا إلى البكاء عليها، بينما تكرس إسرائيل التى جمع مشروعها الاستعمارى الاستيطانى اليهود من كل أرض فى «دولة» تكاد تكون الآن «السيدة» فى أرض عربية بل رأس!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.