في ستينيات القرن الماضي ولم يكن قد مضي علي صدور جريدة "المساء" سوي خمسة أعوام فقط تمكنت هذه الجريدة اليومية الرابعة من إحداث مايشبه الثورة في الحياة الثقافية المصرية. كان كل ما يصدر في مصر أربعة صحف يومية ثلاثة منها صباحية وهي الأهرام والأخبار والجمهورية وصحيفة مسائية وحيدة هي صحيفة "المساء". ولم يكن الحال كما هو الآن من انتشار للصحف اليومية إلي الدرجة التي يطلق عليها البعض صحيفة لكل مواطن ومن هنا فلقد كان التنافس علي النشر صعباً للغاية ويقتضي ان يكون المستوي مرتفعاً إلي حد كبير وانحصرت المنافسة في الصحافة الثقافية والأدبية بين جريدتين وهما الأهرام والمساء كان الكاتب الكبير محمد حسين هيكل قد تمكن من أن يضم إلي صحيفة الأهرام كبار كتاب مصر مثل: توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وزكي نجيب محمود وغيرهم وعهد بالإشراف علي القسم الأدبي والثقافي إلي المفكر الكبير الدكتور لويس عوض. أما علي الجانب الآخر فلقد تصدي بالمنافسة في المساء الكاتب والصحفي الشاب وقتها الذي قدر له ان يصبح الأب الروحي لجيل الستينيات عبدالفتاح الجمل.. وبينما كانت جريدة الأهرام ثقافياً وبإشراف د. لويس عوض تلعب في منطقة الأمان وتراهن علي كبار الكتاب الراسخين وقتها. كانت جريدة المساء ثقافياً وفنياً بقيادة عبدالفتاح الجمل تراهن علي المستقبل.. ومن خلال وصفاته الدقيقة وذوقه الأدبي والفني الرفيع الشعراء عبدالرحمن الأبنودي وسيد حجاب وزين العابدين فؤاد ونجيب شهاب الدين وفتحي فرغلي وعزت عامر ومحمد صالح وغيرهم.. أما في مجال كتابة القصة فظهر محمد البساطي ويحيي الطاهر عبدالله وإبراهيم أصلان ومحمد الصادق ومحو الصادق وعبدالحكيم قاسم وجمال الغيطاني ويوسف القعيد ومحمود الورداني وجارالنبي الحلو ومحمد المنسي قنديل ويوسف أبوريه وغيرهم وفي مجال النقد الأدبي والفني ظهرت أسماء عبدالرحمن أبوعوف وسامي السلاموني وخيرية البشلاوي وفي مجال الترجمة ظهرت أسماء الدسوقي فهمي ومختار الجمال وأكمل الدين إحسان الذي أصبح مرشحاً ضد رجب الطيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية الماضية في تركيا وحصل علي أكثر من أربعة وثلاثين بالمئة. أما صفحات المساء فزينتها رسومات نبيل تاج ومحمد عثمان والفنان الفلسطيني مصطفي الحلاج ومصطفي رمزي وسعد عبدالوهاب وآدم حنين وغيرهم. وعندما انضممت إلي هذه الكوكبة من الكتاب في سنوات الصبا كنت أشعر بالفخر الشديد لوجودي وسط هؤلاء الكتاب الشباب الذين كانوا حاضر الثقافة والإبداع في مصر ثم أصبحوا كل مستقبلها واتذكر هذه الفترة باعزاز شديد واعتبرها فترة التكوين الرئيسية في حياتي. تحية لعبدالفتاح الجمل الذي حمل هذه المهمة الكبيرة علي عاتقه وحمل عنا كل أثقالنا وما أكثرها علي كاهله.. كل ستين عاماً وجريدة المساء بألف خبر.