لعل أول إسهامات المساجد المصرية في مساندة ثورات مصر الحديثة. نجده في وقفة علماء الأزهر وأبناء القاهرة ضد الغزو الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت. امتدت الثورة من الأزهر إلي أحياء القاهرة. حتي لجأت قوات الاحتلال إلي توجيه نيران مدافعها إلي منطقة الأزهر. ودنس جنوده بخيلهم وأحذيتهم ساحة الأزهر الشريف.. لكن الثورة تصاعدت حتي دحرت قوات الفرنسيس علي حد تعبير الجبرتي وهو ما تناولته أعمال روائية وتاريخية مثل العمامة والقبعة لصنع الله إبراهيم. سيرة بني حتحوت لمجيد طوبيا. الجودرية لمحمد جبريل. ومسرحية نعمان عاشور "حملة تفوت ولا حد يموت" وغيرها.. بالإضافة إلي مؤلفات أرخت لتلك الأيام المهمة في حياة المصريين. و"دخلت الخيل الأزهر" لجلال كشك. وعندما قامت الثورة العرابية. كان للأزهر وعلمائه دورهم اللافت في مساندة الثورة. وبعد أن أجهضت بتأثير عدم التكافؤ بين قوي الثورة وقوة الاحتلال وخيانة الخديو توفيق وكبار الملاك مثل خنفس وسلطان وعبدالغفار.. استقبلت السجون عشرات من أبناء الأزهر عقاباً لهم علي المطالبة بحق الإنسان المصري في الحرية والعدالة. وصار الأزهري سعد زغلول زعيماً لثورة الشعب المصري في سنة 1919 الداعية إلي خروج الاستعمار البريطاني. وشارك الأزهر بأهم الأدوار دفاعاً عن حرية المصريين. وهو ما يطالعنا روائياً في بين القصرين أول أجزاء ثلاثية نجيب محفوظ. بالإضافة إلي أعمال روائية وقصصية لأدباء من أجيال مختلفة. تناولت احداث الثورة منذ بداياتها إلي قيام دستور 1923. وفي مقدمة تلك الأعمال الخيط الأبيض وطلائع الأحرار لمحمد مفيد الشوباشي ومآذن دير مواس لكوثر عبدالسلام والرواية الملحمية "أهل البحر". وكان أهم الظواهر قيام القمص سرجيوس بإلقاء خطبه الثورية من فوق منبر الأزهر. مثلما ألقي علماء خطباً مماثلة في الكنائس القبطية. وظلت المظاهرات تخرج من الأزهر الشريف وجامع أبي العباس المرسي بالإسكندرية. والجامع الأحمدي بطنطا وغيرها ضد الاحتلال البريطاني والسراي وأحزاب الأقلية. منذ حصول البلاد علي استقلال شكلي. ألغاه وجود قوات الإنجليز في منطقة القناة. وتدخل السفير الإنجليزي علانية في أمور البلاد والمثل الأوضح إنذار 4 فبراير الذي أقال الحكومة القائمة واستبدل بها حكومة أخري. ونستطيع أن نتبين دور الأزهر وعلمائه وطلبته أثناء تلك الفترة في المظاهرات الحاشدة التي لم تقتصر علي ساحة الجامع. لكنها شملت كل الجوامع والمساجد والمدن المصرية. يعد لها ويقودها علماء دين. جعلوا الأولوية لقضية تحرير الوطن وكان أهم المبدعين الذين نوا بتوظيف تلك الثورة. من خلال أدوار واضحة لعلماء دين عبدالرحمن الشرقاوي في الشوارع الخلفية. وسعد مكاوي في قصصه القصيرة. ونجيب محفوظ في الثلاثية. ورواياته القصيرة الأخيرة. وعبدالحميد السحار في الشارع الجديد وفي قافلة الزمان وعشرات غيرهم. ولعل من أبرز ما يطالعنا في ثورة 1952 صعود جمال عبدالناصر منبر الأزهر. عقب التهديد الفرنسي الإنجليزي. وإعلانه أن الرد المصري علي ذلك التحديد هو المقاومة. وأظهر الشعب المصري بالفعل بسالة نادرة. ودفعت مدن القناة ثمناً غالياً ضد قوات ثلاث دول. حتي استطاعت بتأييد الرأي العام العالمي دحر العدوان. وقد صدرت عن تلك الفترة أعمال إبداعية كثيرة لأدباء من الستينيات وأزجال تالية. أبرزهم سليمان فياض ونجيب الكيلاني.. فقد عني الكثير مما كتباه بالتعبير عن دور المسجد في الحركات الوطنية. ويواصل جامع القائد إبراهيم بالإسكندرية أداء دور المسجد في الحركة الوطنية من خلال المظاهرات والاعتصامات التي عبَّر بها أبناء الثغر عن رفضهم للديكتاتورية. وهو الموقف نفسه الذي نجده في إطلالة جامع عمر مكرم بالقاهرة علي مظاهرات التحرير. وجامع سيدي الغريب علي مظاهرات السويس. بما شكل ملحمة كاملة أبطالها ثوار 25 يناير.