ونحن نستقبل عاماً هجرياً جديداً يطل علينا في ظروف متغيرة وأحداث جمة. ما أحوجنا أن نستهلهم الدروس والعبر من ظلال هجرة المصطفي صلي الله عليه وسلم. ما أحوجنا في هذا الزمن ومع تزايد المصائب والمحن والفتن أن نتدارس منهج واستراتيجية النبي الكري. كيف أعد وخطط لهجرته. وكيف كانت منطلقاً لدولة جديدة ولدعوة عالمية راشدة تصدت لحمل لواء الحق والخير والعدل والسلام والرحمة للعاملين. لقد شرعت الهجرة في الإسلام لمقاصد عظيمة ومبتغيات سامية فهي رحلة إلي التنمية وإعمار الدنيا فهي حقاً هجرة إلي الحياة. ولم تكن يوماً هجرةإلي المجهول والمجازفة بالأرواح أو رحلة عشوائية غير محسوبة العواقب. لقد تألم المصريون وتجرعوا مرارة فقدان فلذات أكبادهم وحزنت مصر كثيراً لفقد أبنائها في صراع لقمة العيش ضحايا الهجرة غير الشرعية. ونحن نعيش ظلال رحلة الموت ونتجرع مرارة مع عشرات القصص من المآسي والمصائب التي خلفتها وتخلفها كل يوم للضحايا هرباً. إما من شظف العيش وقسوة الحياة أو بحثاً عن فرص عمل أفضل أو طمعاً في حلم الثراء السريع الذي يراود بعض الشباب. وفي اعتقادي ان سن قوانين رادعة سيحد من هذه الظاهرة التي لا مبرر مقنع لها علي الاطلاق ومصر أولي بأبنائها ولو اخطأوا في حقها. وهي تحتضن أيضاً ما يزيد علي 5 ملايين من الوافدين واللاجئين يعيشون بكرامة وترعاهم الدولة وانشأ كثيرون منهم مشروعات تنموية ساهمت بصورة أو بأخري في مشروعات التنمية. وما بين متعاطف وشامت وموتور جدل واسع حول هذه الظاهرة المتكررة تبقي الحقيقة أنها بلا شك رحلة انتحارية محفوفة بالمخاطر. ولابد من التكاتف المجتمعي لمواجهتها بحملات توعية دينية واجتماعية وإعلامية عبر مؤسسات التعليم النظامية واللانظامية وكافة المؤسسات الدينية. وتظل الهجرة الحقيقية هي الهجرة إلي ربوع الوطن الممتدة شرقاً وغرباً الزاخرة بالخيرات والموارد الواعدة وتنتظر الأيادي البيضاء والإرادة القوية وهمم الشباب العالية. ومن فيض رياض القرآن الكريم لابد ان نتدبر قوله تعالي: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" "البقرة 195". وقال جل شأنه "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" "الملك 15".