إذا كان بالإمكان التماس العذر لدول مثل مصر والأردن وحتي السلطة الفلسطينية في أن تحضر جنازة السفاح شيمون بيريز.. بحكمم متطلبات العلاقات الرسمية والاتفاقيات والمعاهدات الموقعة مع إسرائيل.. فإن لنا أن نتساءل عن الضرورات التي تدفع دولاً مثل البحرين وعمان والمغرب وقطر كي تشارك رسمياً وتبعث وفوداً إلي الجنارة. هذه الدول لم تحارب إسرائيل في يوم من الأيام.. ولم تدخل علي خط المواجهة معها.. ورغم وجود دولة مثل المغرب تتولي رئاسة لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي فإنها في الواقع لم تقدم شيئاً مفيداً للقدس التي تلتهمها إسرائيل التهاماً.. ولم تواجه إسرائيل بما يضرها أبداً.. فلماذا إذن الهرولة اليوم إلي إسرائيل مجاناً وتطوعاً. ودون تحقيق أية مكاسب للقضية التي كانت توصف دائماً بأنها القضية المركزية للأمة العربية.. أقصد بالطبع القضية الفلسطينية التي يراد لها أن تذهب في غياهب النسيان. الأعضاء العرب في الكنيست الإسرائيلي رفضوا حضور مراسم الجنازة في إشارة - مجرد إشارة - إلي أن هناك وجها آخر للمشهد الذي يجري تجميله.. ووجهاً آخر يرفض تمجيد السفاح الصهيوني الحائز علي جائزة نوبل للسلام بالغش والتزوير.. وقد أرادوا أن يذكرونا ويذكروا العالم بأن قضيتهم مازالت حية.. وأن إسرائيل ليست أرض السلام.. وإنما دولة احتلال وإرهاب.. تقتل الشعب الأعزل.. وتصادر أراضيه ومنازله وتغير معالم مدنه وقراه.. جغرافيته وتاريخه.. وتطرد السكان من بيوتهم.. وتنشر المستوطنات في كل شبر في الأرض الفلسطينية. ومع ذلك.. يهرول العرب أو بعضهم إلي إسرائيل لتبييض وجهها والإعلان عن نفض أياديهم من القضية.. ونحن نقول لهؤلاء إذا لم تكونوا عوناً للشعب الفلسطيني في مصيبته ونكبته فلا تكونوا عوناً عليه.. وتجعلوا إسرائيل تستقوي بكم علي اخوتكم. ما دمتم قد نأيتم بأنفسكم من البداية عن أية مواجهة عسكرية.. أو حتي سياسية.. مع الغزاة الصهاينة فلم تثقلوا كاهل الأمة بالهرولة المجانية إلي إسرائيل؟! علي الأقل.. اطلبوا ثمناً لهذه الهرولة.. اجعلوا التطبيع مكلفاً.. اضغطوا علي إسرائيل كي تنهي مأساة اخوتكم وبني جلدتكم.. اجعلوا لكم موقفاً يذكره التاريخ. نتنياهو يناور بالدول العربية التي غيرت موقفها تجاه إسرائيل.. ويزعم أنه سيوفر لها الأمن والاستقرار.. والحقيقة غير ذلك تماماً فما دخلت إسرائيل بلداً إلا وجلبت معها الإرهاب والقلاقل والقتل والخراب.. نتنياهو لا يحمي عروشاً ولا مهموم بالحفاظ علي الدول.. بالعكس هو شريك ضالع في مؤامرة الفوضي غير الخلاقة.. وإسرائيل هي الأكثر سعادة لما يجري في عالمنا العربي من خراب ودمار وإرهاب.. وتعرف أنها الآن أكثر أماناً من أي وقت مضي. للأسف.. إسرائيل لم تعد في حاجة إلي "المبادرة العربية" التي تضع الأرض مقابل السلام.. ولم تعد في حاجة إلي مفاوضات مع الفلسطينيين أو العرب عامة.. ونتنياهو يتباهي بأن الدول العربية تهرول إليه.. بعضها يهرول علناً وآخرون يهرولون سراً.. وأن الاستراتيجية تغيرت.. فبدلاً من أن يكون السلام مع الفلسطينيين هو باب الدخول إلي الدول العربية.. صارت العلاقات مع الدول العربية وسيلة ضغط علي الفلسطينيين حتي يغلقوا ملف القضية. فهل هذا ما تسعون إليه يا إخوة العروبة؟!