استحوذت قضية القدس علي النصيب الأكبر من الاهتمام في قمة العرب في سرت الليبية. القدس لألف سبب وسبب هي قلب القضية الفلسطينية, وصحيح ما قاله الرئيس محمود عباس من أنه لا معني لقيام دولة فلسطينية لا تكون القدس عاصمة لها, فتركيز القمة علي قضية القدس هو في الوقت نفسه تركيز علي القضية الفلسطينية برمتها. ما أن يدور الكلام حول فلسطين, وحول الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني, وحول مراوغة إسرائيل التي لا تنتهي في كل أمر يتعلق بالسلام مع الفلسطينيين, ما أن يدور الكلام حول أي شيء من هذا إلا وقفز البعض مطالبين الدول العربية بسحب مبادرة السلام العربية التي تعد بإقامة سلام عربي إسرائيلي شامل بعد تسوية كل القضايا المترتبة علي احتلال إسرائيل للأرض العربية في فلسطين وسوريا ولبنان أيضا. لا أدري ما هي الفائدة التي ستعود علي العرب وقضيتهم إذا أصدرت القمة العربية بيانا بسحب المبادرة العربية للسلام, لكن الشيء المؤكد هو أن إسرائيل دون غيرها هي أكثر الأطراف استفادة من قرار عربي بسحب مبادرة السلام العربية, وأن أكثر ما يتمناه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في هذه اللحظة هو قيام العرب بسحب مبادرتهم السلمية. فإسرائيل التي تواجه هذه الأيام ضغوطا مرهقة بسبب انكشاف تعنتها إزاء قضايا المفاوضات والسلام تتمني لو تبادلت المواقع مع العرب, ولو خفف العالم- خاصة الولاياتالمتحدة- ضغوطه عليها, وتود لو أتيحت لها الفرصة لكي تقول للعالم بأن العرب هم الذين لا يريدون السلام بدليل سحبهم لمبادرتهم. لو أن مبادرة السلام العربية ليس لها فائدة سوي محاصرة إسرائيل في الزاوية وتعريضها لضغوط, حتي لو كانت محدودة الفعالية, فالمبادرة تستحق الإبقاء عليها. ولو أن مبادرة السلام العربية لم يكن لها من فائدة سوي تخفيف الضغوط الدولية علي دول عربية لديها ما يكفي من القيود والضغوط, لاستحقت المبادرة الإبقاء عليها. وحتي لو لم تكن المبادرة العربية للسلام مفيدة في تقريب العرب من أهدافهم, فإن تجنب الضرر المترتب علي إلغائها يكفي للإبقاء عليها. مشكلة مبادرة السلام العربية ليست في نصها وإنما في طريقة تعامل الدول العربية معها. فقد أطلق العرب مبادرتهم واستراحوا, بينما كان عليهم أن يطلقوها وينطلقوا خلفها منفذين هجوما سياسيا ودبلوماسيا لا يترك لإسرائيل ركنا إلا وطاردوها فيه.