"ليالي الحلمية. الشهد و الدموع. آرابيسك. المال والبنون" وغيرها الكثير. أسماء للعديد من الأعمال الدرامية الخالدة التي جسدت صورة الحارة الشعبية المصرية بشكل يعكس العادات والتقاليد والثقافات الاجتماعية الأصيلة المترسخة في شخصيات سكانها علي مدار أزمنة مختلفة. ورسمت تلك الأعمال عبر شخصيات الحارة البسيطة خطوطاً درامية متجسدة لصفات عدة كالشهامة والرجولة ومساعدة الجار والتكاتف وقت المحن والأزمات وغيرها من الصفات التي تتميز بها المناطق الشعبية المصرية. ولكن بمرور الوقت تغيرت تلك الصورة تماما ولم تعد صورة الحارة سوي هيكل مشوه تسكنه الرذائل والموبقات ويقوده أرباب السجون والسوابق والبلطجية في العديد من الأعمال. "المساء الأسبوعية" تفتح ملف صورة الحارة الشعبية في الدراما. * الفنانة لبني عبدالعزيز: تشويه صورة الحارة أمر طبيعي للانحدار الثقافي والمعنوي في الفن بشكل عام. والذين يكتبون الآن ليس لديهم فكرة أن الفن لديه هدف ورسالة. الفن ليس مجرد نكتة وضحكة ورقصة وهزة وسط ومخدرات وبلطجة وقتل. مشيرة إلي أن الكاتب الذي لديه ضمير يحسن صورة هذه المناطق التي بها بلطجة ومخدرات حتي يشعر البلطجي الذي يشاهد العمل بفداحة جرمه وسوء عمله والحارة التي يعيش بها لابد وان تكون أفضل ويرتقي بها وهذا دور الفن. وللأسف الفن أصبح الآن ليس له دور وجميع من يعمل به الآن لا يشعرون بذلك. ويعملون فقط به من أجل المال. مؤكدة أن الكاتب هو الذي يرفع من ذوق المتفرج وما نشاهده الآن انخفاض في الذوق. أضافت: حزينة علي الحالة التي وصل بها الفن. وضربت بالمثل روايات يوسف السباعي ونجيب محفوظ وغيرهما الذين كانوا لا يكتبون بهدف المال أو للحصول علي جائزة. بل كانوا يكتبون من خلال التعايش وسط المجتمع. وبالتالي المشاهد والقارئ ذوقه ارتقي ولاسيما وأن العمود الفقري لأي بلد هي الثقافة والفن وهما في انحدار ولا أعتقد أنه يوجد فن مصري الآن أكون فخورة به. لابد وأن تهتم الدولة بالأعمال التي تقدم وأن تكون هناك خطط مع المؤلفين والمخرجين للارتقاء بمستوي الفن. * الفنان يوسف شعبان: تشويه صورة الحارة المصرية هو تخيل وتصوير خاطئ لكتاب الدراما والسينما لهذه المناطق. مشيراً إلي أنه يجب علي الكتاب أن يتعايشوا مع سكان المناطق الشعبية والحارات. مضيفاً ليس من الضروري أن تكون هناك حارة بها نسبة من الفتوات والبلطجية أو المخدرات وغيرها تعمم علي كل المناطق والحارات الشعبية بمصر بنفس المستوي. ولاسيما وأن هذه المناطق تخرج منها نواب مصر وأطباؤها وفنانوها وأشهر ابنائها في كافة المجالات. وفضلا عن الرجولة والشهامة والجدعنة التي يتسم بها سكان هذه المناطق ونحن قدمنا نماذج مشرفة للحارة المصرية في كثير من أعمالنا مضيفا: معظم الكتاب والمؤلفين المتواجدين علي الساحة الفنية لا يوجد لديهم رؤية حقيقية في خدمة البلد من خلال عكس الواقع بشكل سليم وما هم الا مجرد ناس "مستعجلين" ويكتبون أي كلام ولا يرغبون في بذل مجهود في التعايش مع سكان هذه المناطق مثل الأديب نجيب محفوظ وأسامة أنور عكاشة وغيرهما الذين عاشوا في الحارات ولمسوا القيم والشهامة ورصدوا ذلك في رواياتهم. * الفنانة سيمون: للأسف الشديد العديد من الأعمال مؤخرا تركز علي تقديم صورة سلبية ومشوهة عن الحارة المصرية والأماكن الشعبية وهي صورة مغلوطة وتشوبها الأخطاء لأن الحارة المصرية لاتزال متمسكة بأصولها وروابط العلاقات الاجتماعية الجميلة التي تربينا عليها جميعا والحقيقة أشعر بحزن شديد عندما أشاهد معظم الأعمال تصور الحارة بأنها رمز للبلطجة والأعمال الخارجة عن القانون. وأتساءل: كيف كانت الحارة في أعمال السينما بالخمسينات والستينات وكيف كانت في أعمال الدراما بالثمانينات والتسعينات أين النماذج الايجابية؟ كيف نستفز المشاهدين بتلك الألفاظ الغريبة والمشاهد غير المألوفة الدخيلة علي مجتمعنا؟ مضيفة الحارة المصرية بها "أجدع ناس" ولاتزال الشهامة والمروءة وحب المساعدة صفات رئيسية لسكانها. وأتمني أن يتم تقديم نموذج حقيقي للحارة المصرية كالذي قدمناه العام الماضي في مسلسل "بين السرايات". والذي شارك فيه نخبة من النجوم واستطاع تقديم نموذج ايجابي للحارة المصرية بشرائحها وطبقاتها المختلفة مؤكدة انه ليس بالضرورة نقل الواقع بحذافيره. وحتي لو تغيرت بعض الصفات بالحارة فليس بالضرورة دعم ذلك وترسيخه فنيا في الأذهان وقالت: هناك مقولة لا أنساها للمخرج هنري بركات أنه لا يهم ان نقدم الواقع بكل قصوره لكن المهم أن نقدم أملا للناس في بكرة وهو ما نحتاجه حاليا في الفن بشكل عام. * المخرج أحمد خضر: للأسف الشديد الأعمال الفنية الدرامية مؤخرا تتناول الحارة الشعبية بشكل يدعو للحزن. والأسي فليست الحارة أبدا تجار المخدرات والبلطجية وليست هم الخارجون علي القانون الذين نراهم عبر الشاشات. ولا أعرف لماذا تصر الدراما علي تقديم تلك النماذج السلبية باعتبارها واقعا مفروضا لا مفر منه أين النماذج الايجابية؟ وأين دور الفن وهو القري الناعمة في تحسين صور النماذج المقدمة ووضع دوافع وأهداف جادة أمام المشاهد لتدعيم قيم العمل والوطنية والاخاء وغيرها من القيم الإنسانية التي تربينا عليها. أضاف: الايحاء بأن حارات مصر كلها بلطجة وعربدة وغيرها أمر مرفوض لأن الدراما تهذب السلوك وتأخذ بأفكار وعقول وأيادي الناس للعمل والاجتهاد من أجل تحقيق واقع أفضل وما تقدمه الدراما الآن من سلبيات تدفع المشاهد لتقليدها دون وعي باعتبارها هي اللغة السائدة الآن وهو منعطف خطير يجب التوقف عنده وتعديله لأن حارات مصر لا تمثل البلطجية والخروج علي القانون. وانما تمثل جزءا أصيلا من الشعب المصري يجب القاء الضوء علي ايجابياته ومعالجة سلبياته بشكل بناء بعيدا عن الاثارة. * الكاتب والسيناريست بشير الديك: منذ القدم وصورة الحارة سينمائيا ودراميا مصنوعة بشكل تمثيلي أكثر منه واقعي فالحارة منذ أيام نجيب الريحاني واسماعيل ياسين وزينات صدقي وعبدالسلام النابولسي وغيرهم كثيرون كانت تقدم بشكل مثالي وتتناقله الأفلام "استسهالا" بنفس الوتيرة والخصائص واحدا بعد الآخر. وهو الأمر الذي حاول كبار كتابنا ومخرجونا فيما بعد الابتعاد عنه وتقديمه بشكل واقعي بعيدا عن النمطية والمبالغة ولكن للأسف الشديد في الآونة الأخيرة وبسبب اتجاه أغلب الأعمال الدرامية للدراما للاثارة ووقوعها تحت ضغوط المتنج الخاص والاعلان المربح الذي أصبح مسيطرا علي كافة نواحي صناعة الدراما والسينما عادت من جديد مرحلة التنميط والاستسهال بتقديم صورة محددة عن الحارة حققت نجاحات سابقة دون النظر إلي مدي حقيقتها أو واقعيتها وهو أمر بالكامل يعود كما ذكرت لسيطرة الاعلان علي الدراما الذي يبحث دوما علي غير التقليدي والمألوف لتحقيق مكاسبه وأرباحه مشيرا إلي أن استمرار غياب القيم الانتاجية سيزيد من تقديم نماذج أخري قد تكون أكثر خروجا عن المألوف. * اتفق معه الكاتب والسيناريست محمد أبوالعلا السلاموني: الحارة المصرية كانت دوما انعكاس لعادات وتقاليد وأصول المجتمع المصري المحافظ وهو ما جسدته كتابات الأديب الراحل نجيب محفوظ من بعده الراحل أسامة أنور عكاشة وغيرهما ممن قدموا بأدواتهم صورا أكثر واقعية عن المجتمع المصري وطبقته الوسطي عبر الأزمنة المختلفة ولكن ما يحدث الآن في الدراما وما تقدمه المسلسلات عاما بعد الآخر ليس الا تجسيد لطبقات أخري هي الأكثر فقرا وعشوائية ولها العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية مشيرا إلي أن تقديم صورة الحارة باعتبارها ملجأ لتلك الطبقات الدنيا الخارجة علي القانون والتي يحكمها عالم خاص لغة استخدام الأسلحة هي فقط المتحكمة أمر خاطئ تماما. ولا يقدم الصورة الحقيقية بل يستخدم لغة الاثارة والمبالغة والعنف والعشوائية لتحقيق المكاسب والأرباح. أضاف: أين قيم التسامح والاخاء وحب الغير ومد يد المساعدة؟ وأين القيم الوطنية والأحاديث التي تزرع فينا حب الوطن والانتماء اليه؟ كل هذا تعلمناه من صورة الحارة التي قدمناها في الثمانينات والتسعينات وبداية الألفية الجديدة. أين اختفي هذا وكيف حلت بدلا منه لغة البلطجة والمخدرات والعنف والقتل بدم بارد و غيرها من المشاهد الرخيصة التي أصبحت تشكل خطرا قويا علي المجتمع بعد أن أصبح الصغار يقلدونها ويحفظونها عن ظهر قلب لقد أصبح المنتج الخاص والمعلن وأصحاب القنوات الفضائية ثالوث شر يتربص بالدراما المصرية ويهدف للاثارة ويبحث عن الربح بأي وسيلة ضاربا بعرض الحائط قيم المجتمع وتقاليده مشيراً إلي أن الأزمة الحقيقية التي أوصلت الدراما لتقديم تلك النماذج تعود لترفع الدولة يدها عن الانتاج وغيابها طوال السنوات الماضية عن تقديم أعمال جديدة تخدم الوطن وتساعده علي الخروج من كبواته المختلفة التي ألمت به مؤخراً.