رغم انتهاء العصر العثماني منذ مئات السنين إلا أن تكية العطارين مازالت من أشهر المعالم المتبقية بالثغر للحكم العثماني.. التكية العثمانية يطلق عليها حاليا تكية الغلابة فصاحبها ثوارث المهنة من اجداده حيث تفتح التكية أبوابها أمام الجميع من يملك ومن لا يملك المال ويعاملهم صاحب التكية معاملة عابري السبيل. الطريف أن احد شروط التكية الرئيسية ان يأكل الزبائن ما يقدمه صاحب المحل من أصناف ولا يمكن أن تطلب أو تختار ما تأكله ولكنك تلتزم بقائمة الطعام اليومية. والغريب ان ما يتم طهيه من اطمعة تنتهي بالفعل عن بكرة أبيها في الساعة الخامسة مساء ليتم وضع لافتة اغلقت التكية إلي الصباح الباكر. قامت "المساء بزيارة التكية وكان من اللافت للنظر عدم وجود موائد داخل التكية ولكن كل ما يوجد بها قطعة من الرخام مثبتة بحائط المحل بعرض 30 سم تقريبا وبطول المحل ويوجد اسفلها مجموعة من الكراسي لجلوس الزبائن عليها وتناول الوجبات علي الرخامة ووجوههم موجهة للحائط. ويقول الحاج ممدوح محمود فهمي 67 سنة لقد توارثت المهنة عن آبائي وأجدادي فكانت التكية تفتح في العصر العثماني للغلابة والمحتاجين وتضم جميع اصناف الاطعمة المتاحة حسب امكانياتنا المادية ومع مرور السنوات تخصص والدي في الفول حيث كان يقوم بتدميسه بنفسه جعلت كبار الفنانين يأتون إلينا في فترة الخمسينيات والستينيات ومنهم الفنان يوسف وهبي والفنان اسماعيل ياسين والفنان سمير صبري وكان ابناء المحافظات يصطفون أمام المطعم للبحث عن مكان لتناول الفول المميز الذي نقدمه ولا يمكن لزائر الاسكندرية أن يتمتع بزيارته إلا بعد تناول وجبة الفول التي كنا نقدمها ومع زيادة الارباح كان والدي يخصص قدرة من الفول ويقوم بإطعام الفقراء منها يوميا سواء من عابري السبيل أو عمال اليومية وسائقي الحناطير والعربجية وغيرهم. وأضاف ممدوح قائلا بعد وفاة والدي منذ قرابة ال 20 عاما تبدل الحال حيث انتشرت عربات الفول وتحولت منطقة العطارين إلي منطقة شعبية ورحل الأجانب من المنطقة كما أقول لنفسي رحل الخير مع رحيل أبي فقررت أن ابدل نشاطي فتعلمت من والدتي كيفية إعداد الطعام من الأرز والخضراوات. مشيرا إلي أن لديه ولدا وبنتاً وتخرجا في كلية التجارة ويعملان حاليا بإحدي الدول العربية ولكل منهم اسرته واولاده. مضيفا بأن تكية الغلابة لها طابع خاص فالقاسي والداني يأتي إلينا لأننا لا نطلب المال إلا ممن يملكه ونفتح التكية أمام أي شخص سواء كان عابر سبيل أو جائع وليس لمن يملك المال فقط وهو ما جعل لنا شهرة خاصة. وأوضح ممدوح أنه يستيقظ مع صلاة الفجر ويتوجه إلي سوق باب عمر باشا أشهر الأسواق الشعبية بالاسكندرية قائلا: أحرص علي أن أكون الزبون صاحب بيعه الاستفتاح أو "الاصطباحة" وذلك لكي أحصل علي الخضراوات بأسعار مخفضة بكون أغلب البائعين لا يجادلون في بيعه الاستفتاح وهي أول بيعه في اليوم وغالبا ما أقوم بالشراء من الفلاحين الذين يقومون بعرض الخضراوات والبضائع بالأسواق لأن أسعارهم تكون أفضل. وأضاف ليس لدي قائمة طعام فالمتاح من اطعمة هو ما يأكله الزبائن فنحن ليس مطعماً ولكننا تكية ولذلك تعود زبائننا بأن يسألوا "انتوا طابخين ايه النهاردة" وإذا امتلأت التكية يقف الزبون في انتظار دوره. مشيرا بأنه لا يقوم بطهي أو إعداد اللحوم لارتفاع اسعارها ولكنه يقوم بإعداد الدجاج في أول أيام الأسبوع مع قبض العمال حيث يتوافر المال مع عمال اليومية بينما نطبخ طوال أيام الأسبوع الأكل "ارديحي" بدون لحوم حيث ان وجباتنا عبارة عن طبق خضار من أي صنف وطبق سلطة والعيش بسعر اربعة جنيهات كما تتوافر لدينا اسماك الشاخورة المجمدة وهي وجبة عبارة عن سمكتي مطهي في الزيت وسلاطة والعيش بسعر ستة جنيهات ووجبة الفراخ الأسبوعية تتكون من ربع فرخة وطبق سلاطة بسعر 10 جنيهات. مؤكدا علي أن هذه الأسعار يقوم بدفعها من يملك المال فقط ولكن من لا يملك يتم استضافته بالتكية. وفي الشتاء نحرص علي إعداد البصارة والعدس الذي يلقي إقبالا طوال الموسم الشتوي. مضيفا بأنه ليس لدينا مكاسب بالمعني المفهوم فإنني لا أرفع الأسعار نهائيا وأضاف كان هناك العديد من التكيات خلال السنوات السابقة فهناك تكية العطارين وتكية اللبان وتكية شارع فرنسا وغيرهم ولكنها أغلقت لعدم عمل الأبناء في مهن الآباء. وأشار الحاج ممدوح إلي أن التكية اصبحت صاحبة شهرة واسعة بين ابناء الاسكندرية وابناء المحافظات المجاورة إلا أن اصبح رواد رحلات اليوم الواحد من ابناء القري والريف يأتون لتناول وجبات التكية بالرغم من بعد موقع الحي من الشواطئ فمنهم من لا يدفع المال والبعض الآخر يكتفي بدفع الأربعة جنيهات ثمن الوجبة.