هؤلاء الثلاثة من صحابة الرسول ولكنهم تخلفوا عن الخروج معه في غزوة تبوك. وكان لا يتخلف عن الخروج معه في غزواته إلا بعض المنافقين وذوي الأعذار. ولكن هؤلاء الثلاثة لم يكونوا من المنافقين. ولم يكونوا من ذوي الأعذار. ولكنهم كانوا في وقت الغزوة في أحسن أحوالهم. وقد خرج الرسول في هذه الغزوة في شدة الحر. حتي قال بعض المنافقين: " لا تنفروا في الحر" فرد الله عليهم قائلا: " قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون "81" فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون" وقد وردت في صحيح مسلم قصة طويلة رواها كعب بن مالك لا يتسع المقام لذكرها. وملخصها أن هؤلاء الثلاثة لم يكذبوا علي الرسول بعدما رجع من الغزوة كما كذب عليه المنافقون. وكان من عادة الرسول أن يذهب إلي المسجد بعد رجوعه من أي غزوة. فلما جلس في المسجد جاءه المنافقون يعتذرون له ويختلقون الأسباب التي يرضونه بها. فقبل علانيتهم واستغفر لهم. ووكل سرائرهم إلي الله. ولكن هؤلاء الثلاثة لم يكذبوا عليه خوفاً من الله جل وعلا. فشهد لهم بالصدق وأمرهم بانتظار أمر الله فيهم. ثم أمر المسلمين ألا يكلموهم. فقعد هلال بن أمية ومرارة بن الربيع في بيوتهما يبكيان. أما كعب بن مالك فقد كان أصغرهم. فكان يشهد الصلاة في المسجد. ويذهب إلي الأسواق. ولكنه كان في حاله من الهم والغم والبكاء مثل صاحبيه. وبعد مرور أربعين ليلة قاسية. أمرهم الرسول أن يعتزلوا زوجاتهم. وذلك مما زاد بلاءهم. فقال كعب لامرأته: "إلحقي بأهلك" أما زوجة هلال بن أمية فقد استأذنت الرسول في أن تمكث مع زوجها لتخدمه لأنه شيخ كبير. ثم مرت عشر ليال آخري وهم في هذا الغم والبلاء العظيم. يبكون ويتضرعون إلي الله أن يقبل توبتهم ويغفر لهم. حتي جاء فرج الله بقبول توبتهم. وذلك في قوله: " لقد تاب الله علي النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم "117" وعلي الثلاثة الذين خلفوا حتي إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم". وقد يتعب القارئ من وضع هؤلاء ضمن العظماء رغم تخلفهم عن الغزو. ولكننا وضعناهم لصدقهم وخوفهم من الله. ولذلك تاب عليهم. في حين أنه ذم المنافقين بقوله: " سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون "95" يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضي عن القوم الفاسقين".