عباد الرحمن دائماً في خشوع وتواضع للحق "تبارك وتعالي" يدركون أنه يراقب كل حركاتهم وسكناتهم فهم يشتغلون بالذكر ويتضرعون إلي الله ان يلهمهم الصواب ويتقبل أعمالهم وان يبعد عنهم وساوس الشيطان وهواجس النفس البشرية.. الايمان بالله ملك عليهم وجدانهم انهم يخشون ربهم بالغيب ويحرصون علي عدم الخروج عن أوامره ويبتعدون عما نهي عنه. تقديراً لمكانة هؤلاء المؤمنين يقول ربنا في سورة الملك "إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة واجر كبير. واسروا قولكم أو اجهروا به. إنه عليم بذات الصدور" 12. 13 الملك. هؤلاء يخافون مقام ربهم فجزاؤهم غفران الذنوب وعظيم الأجر والثواب في اليوم الأخر وقد ثبت في الصحيحين "سبعة يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله. ومن بين السبعة رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: اني اخاف الله ورجل تصدق بصدقة فاخفاها حتي لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" وقد نبه الله تعالي إلي هذه الحقيقة التي امتثل لها هؤلاء الذين يؤمنون فقال: " واسروا قولكم أو اجهروا به فإنه عليم بذات الصدور" يعني يا أيها الذين تلتزمون بذلك من اداء العبادات وخشية للحق عليكم ان تدركوا ان سركم في صدوركم لدينا فنجازي كلا علي قدر ما قدم وأكثر مما يظنون فعطاء رب العباد ورحمته بهم تفوق أي وصف للبشر. اللطيف الخبير.. يعلم كل مكونات خلقه لا يستطيع ان يخفي أي شيء فهو القائم علي كل نفس بما كسبت فها هو العبد الصالح يتضرع إلي الله ويتطلع إلي عفوه موقناً أنه مهما تفاني في عبادته وخشيته فلن يستطيع الوفاء بنعم الله عليه ولذك جاءت الآيات لتوضيح هذه الحقيقة "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" فها هي الأرض قد هيأها الله لكم وجعلها مستقرة ساكنة لا تميد ولا تضطرب بما جعل فيها من جبال هي كالاوتاد لضبط هذه الأرض كما أنه انبع فيها العيون وسلك فيها من سبل لتنبت لكم الزرع والثمار ومن كل نوع. أوامر الله لعباده بالانتشار في كل اقاليمها ومواقعها لاكتساب كل انواع الخيرات واعلموا أيها العباد ان سعيكم لا يجدي لكم شيئاً إلا ان ييسره الله لكم فالسعي للكسب الرزق الحلال لا يتنافي مع التوكل علي الله وهو شرط أساسي لكل من يريد ان يعمل والصالحون قالوا من قبل من يعتمد علي عمله فقط خاب أمله.. وهكذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لو أنكم توكلتم علي الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطانا" مما يؤكد ان توفيق الله وتيسيره هو الذي يهيء للمرء فرص النجاح حتي في غابر الازمات. في هذا الاطار كان الذين يؤمنون بالغيب لا يتوقفون عن عمل الطاعات وفي قلوبهم رهبة وخشية لله تعالي فها هو العبد الصالح حينما يذكره الناس بطاعته وخشيته وتقواه فإنه يلجأ إلي التواضع والذل والانكسار موجها عناية كل من يحدثه بأن توفيق الله هو الذي يضمن للعبد النجاح وقد ادرك الذين يخشون ربهم بالغيب.. كل هذه الدقائق فحينما تولوا شئون المسلمين كقادة لهم كانت هذه الخشية ملازمة لهم فها هو أمير المؤمنين أبو حفص عمر يقول لمرافقه حينما حمل جوال الدقيق وتوجه به إلي ارملة لا تجد قوتاً لأبنائها الايتام عندما أراد ان يحمل عن أمير المؤمنين هذا الحمل الثقيل فيقول له خشية وخوفاً من الله: وهل تحمل عني وزري يوم القيامة خشية تحفظ العروش وتقي الصالحين عذاب الله.