في 29 فبراير الماضي كتبت مقالاً بعنوان "العشوائية تضرب المقطم" بمناسبة المدينة الجديدة التي كان يتم بناؤها في ذلك الوقت من صندوق تحيا مصر والتي هي "الأسمرات" الآن.. وقد حذرت من تحويل المدينة الجديدة إلي منطقة عشوائية مثلماً حدث بعد زلزال 1992 في مدينة العرائس التي تم تسكين من تهدمت منازلهم فيها فأصبحت العشوائية سيدة الموقف بها ومن لا يصدقني فليأت ويزورها. ما حذرت منه بدأ يتحقق وتم دق أول مسامير العشوائية في مدينة الأسمرات الجديدة.. وكلها كام شهر وتتحول هذه المدينة الرائعة والخلابة والحضرية بحق إلي اسوأ نموذج عشوائي. الأسمرات.. مدينة هائلة تم بناؤها بأموال المصريين من خلال برنامج "صبح علي مصر".. والمدينة مخصصة لسكان العشوائيات ذات الخطورة الداهمة ويتم تسليم الشقق جاهزة ومفروشة "علي السكن".. بعد أن كانوا يسكنون كهوفاً في بطن الجبل وتتوقف حياتهم علي صخرة تسقط عليهم إضافة إلي أن هذا الكهف هو أشبه بالمقبرة أو أقل.. لا مياه ولا كهرباء ولا صرف صحياًَ ولا أثاث ولا حياة من الأساس. لقد التقت الفرحة في عين الرئيس وهو يفتتح الأسمرات قبل رمضان مع فرحة عيون المصريين جميعاً.. الكل كاد يطير ابتهاجاً بهذا الانجاز الكبير.. ومن لا يصدقني فليذهب ويري فرحة السكان بحياتهم الآدمية الجديدة.. لكن- وآه من "لكن"- بعضنا يستغل أي شيء لتحقيق أي ربح حتي لو افسد الحياة نفسها ونسف القانون وشوه الجمال.. لا يهم.. المهم ان يكسب من أقصر طريق.. ومعروف أن العشوائية لا تولد إلا بطريقتين: اهمال المسئولين للتجاوزات والتعديات والخروقات أو رشوتهم "للطرمخة" عليها وبمرور الوقت تصبح أمراً واقعاً.. وأحذر.. بأن هذا بدأ يحدث فعلاً في الأسمرات.. وكان أول مسامير العشوائية يتم دقه فيها هو التكاتك.. فبمجرد ان تسلم السكان الجدد شققهم وجدنا التوك توك يزحف تلقائياً إلي هناك..!!! عندما لفت الإعلام نظر مصطفي شلتوت نائب رئيس جهاز المقطم إلي هذه الكارثة وما سيتلوها من كوارث أبشع.. رد رداً مستفزاً.. قال: "بيسترزقوا".. واحنا شايفين شغلنا.. وهنطاردهم علشان ما يتملكوش المكان..!!! منين بتقول بيسترزقوا ومنين هتطاردهم؟؟.. لو انتم شايفين شغلكم مكنتش التكاتك زحفت علي الأسمرات زي البراغيث أو الخنافس بالشكل ده.. واضح جداً انكم شايفين شغلكم كويس اوي.. بدليل أن المكان تملكوه وخلاص.. هنيئاً لأصحاب الميكروباص والتكاتك السبوبة الجديدة واللي أغلبهم رجال شرطة وموظفون بالأحياء. التوك توك بداية سوداء لتلك المدينة سوف تتبعها كوارث أسود منها مثل الأدوار الأرضية وتحويلها إلي محلات وورش تحتل الأرصفة ونهر الطريق وسيتم البناء في المتخللات بين العمائر وستتحول الملاعب الخضراء إلي كافيهات وغرز وسوف تنتشر الجرائم بمختلف أنواعها وسيكون التعامل بأحط قواميس الشتائم.. نفس ما حدث في مدينة العرائس. هذا سيحدث فعلاً إذا لم تلحق الحكومة وتضبط ايقاع الحياة في الأسمرات وإخواتها من بعدها.. والأهم اختيار المسئولين "الصح".. العمل عظيم وجبار لكن يجب أن تعي الحكومة جيداً انها تنقل أناساً بنفس بثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم من مكان إلي آخر.. فماذا تتوقع منهم في ظل التراخي والاهمال و"تفتيح المخ" الذي أصبح "أبوالقوانين" في جميع الجهات المتعاملة مع المواطنين وخصوصاًَ في المحليات. ليس من المنطق ولا العقل أن نبني مدناً متطورة ورائعة لتتحول بالاهمال أو الرشوة إلي أماكن عشوائية أخري.. حرام المال والجهد والمواد الخام.. استخدموهم في مشروعات أكثر نفعاً.