لم يكن يتخيل الشاب أحمد حاتم مصطفي الجبور "16 عاماً" في المرحلة الأولي من الثانوية العامة عندما خرج من منزله في 11 مايو الماضي أنه لن يعود إليه إلا بعد ثلاثة أشهر وأربعة أيام. أبسط المتفائلين توقع عودة الشاب في آخر اليوم إلي حضن أسرته. ولكن أحمد لم يعد منذ هذا اليوم لتبدأ معها رحلة المعاناة لأفراد أسرته الصغيرة وعائلته. فقد أضناهم البحث عن أحمد. ولم تجف دموع أمه وإخواته طوال هذه الفترة. المساء شاركت أسرته احتفالهم بعودة نجلهم المختطف وأقاموا وليمة إفطار كبيرة نحرت فيها الذبائح وحضرها مشايخ وعواقل القبائل بمنزل الأسرة بحي المساعيد. يحكي أحمد قصة اختطافه فيقول: إنه خرج يوم 115 الماضي في حدود الساعة التاسعة صباحاً من منزله للذهاب إلي المحل الذي تمتلكه أسرته بنفس الحي الذي يقطنون فيه. وعند عبوره الطريق الدولي في طريقه للمحل توقفت بجواره سيارة دفع رباعي "تويوتا كروز" وترجل منها ملثمان وقاما بوضعه في السيارة في الكرسي الأمامي بالدواسة بعد تغمية عينيه. لتنطلق به السيارة إلي المجهول. وبعد نحو ساعة وصلت السيارة إلي منطقة صحراوية علي الحدود المصرية الإسرائيلية. ووضعوني داخل عشة في قلب الصحراء حتي هل علينا الليل. بعد أن تم تكبيلي بالجنازير المربوطة في أقفال. ثم سمحوا لي بالحديث مع والدي من خلال تليفوني المحمول الذي تحفظوا عليه بعد اختطافي. وطمأنته أنني بخير. ولم أرد أن أصيبه بالرعب. فقد قلت له إنني بخير وأكلت والمكان الذي احتجز به نظيف. عكس الواقع. وبت ليلتي مربوطاً في هذا المكان. وفي الصباح نقلوني إلي مكان آخر. قريب من المكان السابق. وهو عبارة عن عشة من الصفيح بوسط مزرعة علي الحدود بمنطقة صحراوية. وكنت أنظر لما حولي من خلال ثقب في الصاج المبني به العشة. فكنت أري حارساً مسلحاً في الخارج يحرسني مثلماً أسمر. وبعد أربعة أيام نقلوني إلي مكان آخر. في عشة مبنية بالجريد وجذوع الأشجار مساحتها متران في ثلاثة أمتار. وربطوني في قائم خشبي بطرف العشة. وكان عليها حارسان ملثمان يتناوبان في حراستي. وكان الأكل مرة واحدة في اليوم وأقضي حاجتي بنفس المكان. وكانت أصعب اللحظات تمر عليَّ حين النوم فكنت أنام كما أنا مستنداً علي العامود الخشبي جالساً علي ركبتي حاملاً أغلالاً وسلاسل كانت تؤلمني بشدة. وفي رمضان كانوا يحضرون لي وجبة واحدة عند العصر للإفطار وهي عبارة عن زجاجة صغيرة بها خضار "طبيخ" ورغيف من الخبز. وكنت أسمع أذاناً ينطلق من مسجد قريب وأفطر ولا أتسحر. وكنت اسمع خطبة الجمعة من المسجد المجاور للمكان المحتجز فيه. وفي يوم هروبي تأكدت أن الحراس يذهبون للإفطار في منازلهم وبعدما جاءوا لي بالطعام بعد صلاة العصر. ذهب الحراس فقمت بسحب الجنازير بعد رفع القائم الخشبي لأعلي وفتحت باب العشة التي سجنت بها ووجدت أنني أشبه ما يكون بمزرعة للمواد المخدرة. وظللت أسير لمدة تقترب من الساعة في وسط الظلام ووصلت إلي طريق ترابي شبه ممهد ولكنه مهجور. ووجدت رجلاً أعتقد أنني مجنون فقال لي ماذا أتي بك المكان الذي أنا فيه. وبعد نحو ساعة ونصف الساعة جاء ابي واعمامي بسياراتهم وأخذوني علي المنزل غير مصدقين فقد اختلطت دموعهم بدموع الفرحة. لأصل إلي منزلي غير مصدق لما حدث. أكد حاتم الجبور والد الشاب المختطف أنه في يوم اختطاف نجله وصلته رسالة تطالبه بدفع 250 ألف دولار مقابل حياة نجله من هاتف مجهول. وحاولت كثيراً الاتصال بالرقم ولكنه لم يرد علي. وحاولت من خلال الرسائل أن أعرف من هم. فإذا كان لهم حق عندي كنت علي أتم الاستعداد لأن أدفعه إليهم. ولكنهم طلبوا أن يكفلني "يضمنني" أحد كبار عائلتي في المبلغ المتفق عليه. وعندما ذهبت إليه طلب مني دفع المبلغ له أو اعطاءه عقد الفيلا التي أعيش بها حتي يكفلني "يضمنني" ويعطي المختطفين المال مقابل رجوع ابني. ولكني رفضت. فكنت أريد معرفة من هم أولاً. ثم بعد ذلك أعطيهم المال. ولكنهم رفضوا الافصاح عن هويتهم فرفضت إعطاءهم مليماً واحداً. لتنهال علي اتصالات من أرقام غريبة للوساطة والمساومة في دفع المال. ولكني لم استجب لأي منهم. يضيف والد الشاب أنني قمت بالذهاب إلي قسم شرطة أول العريش وحررت محضراً بالواقعة وقال والده: إن الاتصالات لم تنقطع منذ هروب نجله بجميع أفراد الأسرة مهددين بخطفي شخصياً. لدفع الفدية المطلوبة. شقيقه مصطفي: اعتصمنا أمام مبني ديوان المحافظة. والتقينا بمستشار المحافظ لشئون الأمن والذي أكد لنا عودة أخي خلال 72 ساعة. ولم يحدث ذلك. وذهبت إلي وزارة الداخلية بالقاهرة. ولم استطع مقابلة أي مسئول باستثناء كتابة شكوي علي البوابة استلمها مني فرد الأمن هناك. ثم توجهت لمباحث التليفونات بشارع رمسيس والتقيت أحد العمداء هناك ورويت له القصة. فطلب مني خطاباً من النيابة العامة بالعريش لتتبع أرقام التليفونات ومعرفة أماكن المختطفين وهويتهم. وذهبت للنيابة العامة بالعريش. فأكدوا لي أن هذا من صميم عملهم وهم سيتولون الأمر ورفضوا إعطائي خطاباً لمباحث التليفونات بالقاهرة.