قبل استشهاده بأسبوعين.. استيقظت أم الشهيد سيد من النوم قبل صلاة الفجر وهي تصرخ: سيد ابني الوحيد مات.. أنا شايفة النعش بتاعه بيخرج قدامي من البيت.. بهذه الكلمات تكلم الحاج فوزي والد الشهيد سيد.. وقال: خرجت علي المعاش منذ 02 عاما من شركة يات بعد اصابتي بمرض الكلي وحصولي علي معاش 004 جنيه.. ونقيم في شقة غرفتين وصالة بجوار قسم الزاوية الحمراء، وسيد هو ابني الوحيد، وله ثلاث اخوات بنات، دعاء وإيمان ونعمة. قبل استشهاده بأسبوعين الأم تصرخ: رأيت جنازة إبني تخرج من البيت!! في يوم 7 يناير الماضي قبل الثورة بأسبوعين حضر سيد حفل زفاف اخته الصغيرة نعمة وبعد انتهاء حفل الزفاف جلست الأسرة تتكلم، وفجأة قال سيد انه يريد الزواج.. وأنه قرر أن يتزوج ويعيش مع أمه في شقتنا البسيطة.. ولكن الأم اعترضت.. وقالت له: ابحث لنفسك عن شقة بعيد عن هنا حتي تستريح أنت وعروستك.. وفعلا بدأ البحث عن شقة قريبة من شقتنا وفي نفس الحي.. ولكن يومها، استيقظت الأم من النوم قبل صلاة الفجر وهي تصرخ: ابني سيد مات، أنا شايفة نعشه يخرج أمامي من البيت.. ويسكت الحاج فوزي قليلا ويمسح دموعه ويقول: قلت لها: ماذا تقولين.. سيد عمره طويل.. اوعي اسمعك تكررين هذا الحلم الفظيع.. قومي صلي الفجر.. واذكري الله، وانسي هذا الحلم.. وهذا الكلام!! شقة الزواج ورغم كلامي هذا لها.. إلا انني أصبت شخصيا بالفزع، فسيد هو ابني الوحيد وكان نفسي افرح به وأزوجه.. وقد حصل علي دبلوم صنايع منذ سنوات ولم يعمل حتي الآن، وأصر علي عدم الزواج إلا بعد زواج اخواته البنات. ويواصل الأب حديثه: وبدأ سيد يبحث عن شقة للزواج.. وذهب لرؤيتها يوم جمعة الغضب بعد صلاة الجمعة.. وعاد يحكي لنا عنها، ولكن الغريب أنه جلس بيننا صامتا ينظر إلي أمه طويلا ويشرد ذهنه.. وتركنا سيد ونزل إلي الشارع، ولكن الأم القلقة حاولت أن تمنعه.. وتمسك بعدم نزوله، ولكنه تركها وخرج، وجرت الأم وراءه حتي سلم الشقة.. وبعد دقيقة واحدة فقط، بل مجرد ثوان، فوجئت بالأم تصرخ وتقول: سيد مات ابني مات!! لقد أصيب بطلق ناري بجوار قسم الزاوية الحمراء وفوجئنا بمن يحمل سيد وبمن يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.. لقد استشهد سيد ومعه 31 شابا آخرين من أبناء الحي.. والذي أصبحنا نطلق عليه »حي الشهداء« من كثرة عدد الذين استشهدوا يوم جمعة الغضب. انني لا أطلب شيئا.. إلا القصاص من قتلة سيد.. ودم الشهداء لن يضيع.. إذا أردنا ان يهدأ الغضب في الشارع لابد من محاكمة علنية للقتلة.. وقدم لي الحاج فوزي شهادة وفاة تقول: استشهد سيد بطلق ناري في الصدر وحدوث نزيف داخلي! وقررت مؤسسة مصطفي وعلي أمين الخيرية تقديم مبلغ 3 آلاف جنيه لأسرة الشهيد تكريما له. أحمد عطية صالح ترك أسرته بلا مأوي لينقذ طفلا من رصاص الشرطة الزوجة: لم أر زوجي قبل استشهاده بسبب انقطاع شبگة المحمول استيقظت في التاسعة صباح يوم 92 يناير باتصال من شقيقة زوجها الممرضة بمستشفي قصر العيني، وأخبرتها باستشهاد زوجها عامل استورجي بطلق ناري في الرأس، ولم تصدق ما سمعته وأصابها الذهول، وعندما استردت وعيها قررت أن تتوجه إلي المستشفي لتتأكد من الخبر، ولم تملك وقتها سوي جنيه واحد، لا يكفي ثمن المواصلات من عزبة خيرالله حيث تقطن، إلي منطقة قصر العيني، واقترضت خمسة جنيهات من جارتها وحملت ابنتها الرضيعة فاطمة وذهبت إلي المستشفي، وهناك تعرفت علي الجثة وتمت اجراءات الدفن في حضور شقيقته وعدد من الجيران والأقارب.. وهنا بدأت رحلة العذاب والشقاء للأم والطفلة.. فلا مصدر رزق لهما سوي الرجل الذي رحل! توجهت الزوجة إلي »أخبار اليوم«، روت لنا قصة استشهاد الزوج، وقالت: ذهب زوجي »بدر« يوم جمعة الغضب لعمله كالمعتاد، رغم ان الجيران أخبرونا بقيام المظاهرات وانقطاع شبكة المحمول، وتوسلت إليه ألا يذهب إلي عمله يتركنا للقلق والخوف، خاصة انه من الصعب الاتصال به بعد انقطاع شبكات المحمول، لكنه أصر لأنه عامل باليومية ولا يستطيع الغياب عن عمله ليوم واحد.. وخرج في الثامنة من صباح جمعة الغضب ولم يعد إلي المنزل كالمعتاد، وأصابني القلق الشديد وأنا أتابع التليفزيون وأشاهد ما يدور من قتل وضرب بين المتظاهرين والشرطة.. إلي أن بلغني خبر استشهاده في اليوم التالي. وبعد أن غطت الدموع وجهها صرخت: »منهم لله اللي قطعوا الاتصالات كان زماني شفت زوجي قبل ما يفارقني«.. جففت دموعها وأكملت قصة زوجها كما رواها زملاؤه في العمل وقالت: بدر أراد أن يشارك في مظاهرات ميدان التحرير، ولكن صاحب الورشة رفض وأصر أن يستمر في عمله حتي تنتهي ساعات العمل، وعندما خرج لأداء صلاة المغرب كان قسم شرطة الدرب الأحمر يحترق وطلقات الرصاص تتطاير في كل اتجاه وكان كل من في الشارع يبحث عن ساتر ليحمي نفسه من الرصاص، فجأة رأي »بدر« أمين شرطة يصوب سلاحه علي طفل صغير يجري في الشارع، فاندفع في اتجاه الطفل وفداه بنفسه وأصابته رصاصة في رأسه واستشهد في الحال. واختتمت الزوجة »ثناء« كلماتها المؤلمة قائلة: كان زوجي العائل الوحيد لي ولابنته فاطمة، وكان حلمه أن تتخرج في يوم من الأيام في كلية الحقوق.. وقد أقسمت أن أحقق له هذه الأمنية الغالية، وسوف أنذر حياتي لهذه المهمة وأجعلها رسالتي في الحياة حتي يتحقق الحلم.. وعندما سألنا ثناء عما تحتاجه في هذه اللحظة. قالت انها لا تستطيع دفع ايجار المسكن الذي يصل إلي مائة جنيه كل شهر.. وتحتاج لعلاج ابنتها المريضة بالربو. وقررت جمعية مصطفي وعلي أمين الخيرية المساهمة بمبلغ 5 آلاف جنيه لتخفيف معاناة أسرة الشهيد. شيماء بكر شهيد الزاوية الحمراء »أبانوب« ذهب لنقل المصابين.. فاستشهد برصاصة في رأسه لم يكن الشاب الوسيم أبانوب عوض الله (71 سنة) يحلم في عام 1102 بأكثر من أن ينهي دراسته بمدرسة شبرا الصناعية، ويحصل علي الدبلوم بمجموع كبير يمكنه من دخول احدي الكليات العملية.. ولم يكن يعلم حين خرج يوم الجمعة 82 يناير 1102 من منزله بمنطقة الزاوية الحمراء، أنه لن يعود إليه مرة أخري بعد أن أصابته رصاصة في رأسه أمام قسم شرطة الزاوية الحمراء لتتلقي أسرته خبر استشهاده بعد وقت قصير من نقله إلي المستشفي. ويحكي والده عوض الله نعيم جرجس ظروف مشاركة ابنه في جمعة الغضب، ويقول: خرج أبانوب الساعة الخامسة مساء الجمعة 82 يناير، حينما علم أن النار قد اشتعلت في قسم الزاوية الحمراء فأراد وزملاؤه استطلاع الأمر، ذهب مع صديقه أحمد وهناك فوجئا بسقوط عدد كبير من الجرحي والقتلي فبدأوا في المعاونة علي نقلهم إلي المستشفيات القريبة بسبب تأخر وصول سيارات الاسعاف.. وبذل ابني وأصدقاؤه جهودا كبيرة في نقل المصابين، وأثناء ذلك تعرض لطلقة في رأسه من الخلف لتخرج من الإمام.. ولم يصدق أطباء وممرضو المستشفي ان الشاب الذي أبدي شجاعة نادرة في نقل الجرحي تحول إلي جريح. ويضيف الأب وهو يغالب دموعه: عملي كبائع سمك يأخذ يومي بأكمله، وحينما عدت إلي البيت مساء ذلك اليوم علمت أن أبانوب قد نقل بعد اصابته لمستشفي سيد جلال وأنه تم وضعه علي جهاز التنفس الصناعي حتي لفظ أنفاسه الأخيرة صباح يوم 92 يناير.. وقد رصد تقرير مستشفي سيد جلال أن الشاب أبانوب عوض الله جاء إلي المستشفي وهو مصاب بطلق ناري في الرأس وتهتك بفروة الرأس وخلايا المخ وتهشم للجمجمة. ويمسك الأب بتقرير المستشفي ويقول: احتسبت ابني عند الله وقد سكن الحزن قلوبنا جميعا، وقلوب كل من عرفوا ابني وشاهدوا بسالته في نقل المصابين والشهداء.. ولكننا ننتظر القصاص الآن، وقد رفعنا قضايا علي ضباط قسم الزاوية الحمراء الذين تسببوا في استشهاد 54 من أبناء الحي.. ولابد من محاكمتهم والقصاص سيكون أقل رد حتي يشعر الجميع أن البلد بها قانون وليست فوضي.. وحين سألت الأب عما يمكن أن تقدمه جمعية مصطفي وعلي أمين له.. قال: أي مساعدة مادية أنا متنازل عنها لأسر الشهداء الذين فقدوا عائلهم، وكل ما أرجوه أن تنشروا عن بطولة ابني الراحل. إنتصار دردير