وكأن التاريخ يعيد نفسه.. فقد حلت ذكري مرور مائة عام علي اتفاقية "سايكس بيكو" أول أمس "16 مايو الحالي" التي وقعها في هذا التاريخ كل من الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو. ووكيل أول وزارة الخارجية البريطانية مارك سايكس.. وتم خلالها بموافقة روسيا القيصرية الاتفاق علي تقسيم المنطقة العربية بعد انهيار الخلافة العثمانية بين بريطانياوفرنسا لاحتلال منطقة الهلال الخصيب. وبموجب هذه الاتفاقية حصلت فرنسا علي الجزء الأكبر من الجناح الغربي لمنطقة الهلال الخصيب فاحتلت سوريا ولبنان ومنطقة الموصل في العراق.. أما بريطانيا فامتدت سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي بالتوسع في الاتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا. واليوم يعيد التاريخ نفسه حيث يتحدث الكثيرون عن مؤامرات تم الاعداد لها بالفعل لوضع "سايكس بيكو" جديدة يجري تنفيذها الآن علي قدم وساق لتقسيم العرب إلي دويلات متنازعة. وقد وصف بعض المحللين هذا الوضع القائم في الدول العربية لتقسيمها إلي دويلات بأنهم كأحجار متناثرة علي رقعة شطرنج لتختفي بعدها الدولة العربية. ولننظر معا إلي ما يجري في العراقوسوريا وفي ليبيا وفي اليمن من نزاعات تجد القاسم المشترك فيها هو الإرهاب المتطرف والاقتتال بين الفصائل المعارضة والفصائل الحاكمة والانتحار الجماعي الذي لا يمكن عده ولا احصاؤه من سلاح يتلقاه العرب من الغرب ليقضي بعضهم علي بعض.. مع دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية ومعها دول من حلف الاطلنطي في الحرب الدائرة بكل من العراقوسوريا.. ودخول روسيا.. وإيران لمساندة بشار الأسد حاكم سوريا. وادعاء جميع هؤلاء الدخلاء أنهم قدموا لمحاربة التنظيمات الإرهابية وعلي رأسها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".. وكأن هذا التنظيم الصامد حتي الآن والذي اجتمعت القوي الكبري علي حربه منذ سنتين أو ثلاث لم يهتز ولم يتراجع عن مواقعه التي سيطر عليها ومازال يمارس حربه بقوة وكفاءة. نحن نعيش كعرب الآن في دوامة تآمرية.. وإلا فليقل لنا هؤلاء الذين يدعون أنهم حضروا لمحاربة "داعش" من أين له بهذه الأسلحة المتقدمة والمتطورة التي يقاتل بها؟! ومن أين له هذا المدد من الشباب الإرهابي الذي ينضم إليه؟! ومن أين له هذه التقنيات الالكترونية وكبار المتخصصين فيها التي تساعدهم علي هذه الحرب؟! هناك مناوشات لجر مصر وتونس والمغرب والجزائر لهذه الحروب ولكن هذه الدول صامدة وتواجه التنظيمات الإرهابية بقوة وقسوة وفعالية.. وهناك محاولات لجر السعودية والكويت والبحرين للدخول في مواجهة مع قوي الإرهاب ولكن هذه الدول أيضا تقاوم هذه المحاولات التكفيرية بكل قوة. عند توقيع اتفاقية "سايكس بيكو" تم الاتفاق علي أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بين بريطانياوفرنساوروسيا القيصرية وبعدها بأشهر قليلة في 2 نوفمبر 1917 أصدر وزير الخارجية البريطاني جيمس بلفور وعده لليهود إقامة دولة لهم في فلسطين!! هل يستطيع أحد وسط هذه الفوضي غير الخلاقة أن يتنبأ بالمصير الذي ينتظر العراق وسورية واليمن وليبيا.. ومن من الفصائل المتناحرة سيحسم الموقف لصالحه؟! أم أن شعوب هذه الدول كتبت عليها المعاناة والعذاب والقتل والتشرد والهجرة إلي ما لا نهاية.. لتحقيق مقولة: الشرق الأوسط الجديد الذي يقسمها إلي دويلات صغيرة بتخطيط أمريكي محكم لصالح إسرائيل.