في يوم الجمعة الماضي. كتبت بهذه الزاوية مقالاً تحت عنوان "ارحمونا من الضرائب" كشفت فيه بشهادة رجال الدولة أن الموظفين والمواطنين الغلابة هم الذين ينتظمون في دفع الضرائب الباهظة المفروضة عليهم بأسماء وعناوين مختلفة.. ضريبة الدخل. وضريبة المبيعات. والضريبة العقارية.. وما إلي ذلك.. بينما يتفنن الكبار في التهرب من دفع الضرائب والجمارك المستحقة عليهم.. وتدفع الدولة حوافز بالملايين لدعم المصدرين الذين لا يصدرون شيئاً.. وأوردت في المقال دعوة رجال الدولة إلي إعادة النظر في أسعار الضرائب لتخفيضها.. وإعادة النظر في ضريبة القيمة المضافة "الجديدة" التي تستعد الحكومة لفرضها من خلال مجلس النواب. في اليوم التالي مباشرة أخبرتني زوجتي بأنها تلقت إخطاراً من مديرية الضرائب العقارية يطالبنا بدفع حوالي 3500 جنيه ضريبة "عقارية" علي الشقة التي نعيش فيها منذ عام 1978. والتي لا نملك شقة غيرها في أي مدينة. أو قرية بجمهورية مصر العربية. والكرة الأرضية قاطبة.. ويتضمن الإخطار أن هذه المبالغ هي قيمة ضريبة المباني وملحقاتها المطلوب سدادها.. وضرورة سداد كل قسط في موعده المحدد بمقر المأمورية. حتي لا تتخذ إجراءات الحجز القانونية ضدنا. في نفس اليوم اكتشفت أن جيراني في العمارة التي أسكن بها تلقوا إخطارات مماثلة.. فقد اتصل بي بعضهم يستشيرني: ماذا سنفعل؟!.. لابد من التنسيق واتخاذ موقف موحد.. قلت: ليس أمامنا غير الطعن بشكل قانوني.. قالت إحداهن: نحن نحب الحكومة.. فلماذا تفعل ذلك معنا؟!! في السياق ذاته تلقيت رسالة علي بريدي الإليكتروني الإيميل من الصديق علاء هراس.. يقول فيها: السلام عليكم... استمتعت بقراءة مقالكم اليوم بجريدة "المساء" بعنوان "ارحمونا من الضرائب".. وأنا أحد العاملين في الإدارة الضريبية بدرجة مأمور ضرائب.. وأؤكد لكم أن قانون القيمة المضافة سيترتب عليه فعلاً ارتفاع في الأسعار.. وفعلاً الموظفون هم أكثر الفئات التزاماً بسداد الضرائب.. وأكثرهم تضرراً من أي ضرائب تُفرَض علي السلع أو الخدمات. لأنهم هم أكثر التزاماً بسداد الضرائب.. إضافة إلي أن أي ضريبة تؤثر عليهم.. لأن أي ضريبة يكون أثرها في النهاية علي المستهلك. أما بخصوص الإدارة الضريبية فحدِّث ولا حرج.. ستجد أن العاملين بالمجال الضريبي والمنوط بهم حساب وتحصيل الضريبة المستحقة علي الممولين.. يعيشون في بيئة عمل غير آدمية.. ولا تتوافر لهم الوسائل التكنولوجية المطلوبة من أجهزة كمبيوتر وغيرها من وسائل الإدارة التكنولوجية.. بل إنهم في بعض. وكثير من الأماكن. يحولون الحمامات إلي أماكن عمل.. هذا بالإضافة إلي أن مأمور الضرائب يعمل دون حماية له. ودون توافر معلومات تمكنه من أداء عمله.. ودون تدريب يتناسب مع طبيعة عمله. وفي النهاية يأتي الأمر الأشد إيلاماً.. وهو أن العاملين في المجال الضريبي يتعاملون في مليارات وملايين الجنيهات.. وبدلاً من أن تقدر الدولة الدور المبذول منهم في سبيل تحقيق الحصيلة. وتوفر لهم مرتباً محترماً يحفظهم من النظر إلي ما يحصلونه من أموال. يصدرون قانون الخدمة المدنية الذي يضر بكافة العاملين الذين سيطبق عليهم هذا القانون. ومنهم موظفو الضرائب. الذين كانوا يعتمدون علي زيادات سنوية تمنحها لهم العلاوات الدورية. التي كانت تتناسب بالكاد مع التضخم وارتفاع الأسعار.. هذه العلاوة الدورية سيتم إلغاؤها.. وبالتالي اتجهت كفاءات كثيرة إلي ترك العمل بالمصلحة. وفضلت العمل في مكاتب المحاسبة الخاصة. أو السفر للخارج. لقد تسبب قانون الخدمة المدنية في فراغ الإدارة الضريبية.. وسوف يزداد أثر هذا الفراغ يوماً بعد يوم.. وسيؤدي ذلك إلي تدهور في حصيلة الضريبة نتيجة عدم الاهتمام بالعنصر البشري من الناحية الفنية. والناحية المالية التي تعتبر الشق الأهم في حياة أي مواطن في ظل الظروف الصعبة. والتضخم الرهيب الذي سيأكل القوة الشرائية لأي مرتب. انتهت رسالة الصديق علاء هراس.. وهي رسالة موجعة. لكنها صادقة.. تؤكد أننا جميعاً في الهم شرق.